«كنت في السابعة من عمري، عندما تنبأ لي بعضهم بأنني سأصبح مخترعًا في يوم ما. وأنا في هذه السن الصغيرة كنت أتمتع بالخيال الخصب الذي جعلهم يتنبأون لي بذلك. اليوم، وأنا القادم من مدينة طرابلس في لبنان، أقود مجموعات بحثية في أعرق جامعات العالم في علوم التكنولوجيا والهندسة بأميركا، وأقف ومن ورائي دعم أمي، و80 ورقة بحثية واختراع أطمح أن تغير العالم، ومازلت أحلم بالكثير. أنا لا أعرف المستحيل».
الخيال العلمي حقيقة!
في عام 1989، ولد البروفيسور فاضل أديب الأستاذ المشارك في جامعة ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، في مدينة طرابلس بلبنان. نشأ أديب الحائز على جائزة «نوابغ العرب» وسلسلة أخرى من الجوائز العالمية في المدينة «التي لم تجد الكثير من الاهتمام، للدرجة التي جعلت حتى السياحة لا تصل إليها»، يقول أديب في مقابلة مع «فايننشيال فريدوم» بعدما تصدّر اسمه عناوين الصحف ووسائل الإعلام، يوم الخميس، على خلفية إعلان الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات حاكم دبي، فوزه بجائزة «نوابغ العرب» عن بحثه «الرؤية من وراء الجدران».
يضيف أديب الذي يتحدث لأول مرة إلى منصة عربية بعد فوزه بالجائزة، «إن أجمل ما في كوننا علماء هو قدرتنا على تحويل الخيال العلمي إلى حقيقة. لقرون كتبنا قصص خيال علمي تتعلق بالقدرات الخارقة مثل رؤية ما وراء الجدران وخلال السنوات القليلة الماضية نجحنا في تحقيق ذلك».
يقف العالم اللبناني، الذي يحتفل هذا العام ببلوغه الـ34 من عمره، وراء تقنية جديدة تحقق حلم البشرية في «رؤية ما وراء الجدران». لقد توصل «أديب» إلى إمكانية استغلال إشارات الاتصال اللاسلكية الموجودة في أجهزة الـWI FI من أجل الإبصار والرؤية، عبر تصميم أجهزة لا سلكية، هذه الأجهزة تبث إشارة لا سلكية منخفضة الطاقة تتجول في الفراغ، وإذا كان هناك شخصا ما فهي تنعكس من على جسد هذا الشخص.
يشرح أديب طبيعة هذا الابتكار فيقول: «جاءت الفكرة من قدرة الـWI FI على اختراق الجدران بما يعني أنه بإمكاننا استغلاله في أغراض غير الاتصال، هذه الأغراض من بينها الاستشعار، ومن هنا بإمكاننا رؤية ما وراء هذه الجدران».
التقنية تستخدمها أكبر المستشفيات الطبية
يضيف أديب:«أتاحت هذه التقنية تصميم تطبيقات ذكاء اصطناعي في عالم الطب لتتبع العلامات الحيوية للأشخاص مثل التنفس، ومعدل ضربات القلب بطريقة ذكية. كل ذلك من وراء الجدران».
العالم اللبناني الذي أسس وأدار مجموعة بحثية متخصصة في الإشارات الحركية في مختبر ماساتشوستس للتكنولوجيا، يشير «أتاحت التقنية إمكانية التعرف حتى على مشاعر الأشخاص من وراء الجدران إن كانوا مصابين بالإحباط أو التوتر».
اقرأ أيضًا.. سلطان النيادي.. من هو صاحب أطول مهمة فضائية في تاريخ العرب؟
لقد تم استخدام الطريقة التي طورها العالم اللبناني في مجال التحسس اللاسلكي في مجال الدراسات الطبية في عدد من أكبر المستشفيات الطبية.
لا تتوقف تطبيقات الدراسة عند الجانب الطبي فقط، يشير هنا، البورفيسور اللبناني، إلى «أن التقنية الجديدة بالإمكان الاستفادة منها في رؤية الأشخاص وتتبعهم تحت أنقاض المنازل المنهارة في أعقاب الكوارث مثل الزلازل».
تتبع الكائنات الحية في الفضاء!
يذهب العالم اللبناني، بعيدًا ليقول «إن التقنية الجديدة بإمكانها تتبع ما إذا كان هناك كائنات حية في الفضاء. لقد توصل العلماء إلى وجود المحيطات تحت أسطح الأقمار لكن من الصعب وضع كاميرات لتتبع ذلك، ومن خلال هذه التقنية التي توصلت إليه بإمكاننا البحث عن كائنات حية في هذه المحيطات».
اقرأ أيضًا: كيف يستفيد الشباب ورواد الأعمال من برامج الفضاء في السعودية؟
ليس ذلك فقط، إن التقنية الجديدة التي تعتمد على الاتصالات اللاسلكية بإمكانها العمل في الأوساط المائية وما تحت البحار، ضمن أبحاث مكافحة التغيرات المناخية، بحسب ما أكد أديب.
تأسيس شركات لتحويل الاختراعات إلى واقع
وعلى طريقة إيلون ماسك رائد الأعمال وأغنى رجل في العالم، وستيف جوبز مؤسس شركة أبل الراحل، يحلم فاضل أديب بـ«تأسيس شركات من شأنها تحويل هذه الاختراعات إلى تطبيقات ملموسة لتغيير العالم». يشير أديب إلى أنه أقدم على ذلك بالفعل، ففي العام الماضي تم تأسيس شركة كارتيجن سيستمز، التي يشغل فيه حاليًا منصب الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي.
اقرأ أيضًا: «جوبيتر-3».. هل يسيطر إيلون ماسك على الفضاء؟
وبالإضافة إلى الشركة التي أسسها، والمنصب الذي يشغله كأستاذ مشارك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، منذ يوليو 2022، تولى مهام عدة منذ عام 2010 في المعهد حين دخل متدربا في عام 2010 ثم باحث مساعد للدكتوراه بين 2011 إلى 2016، قبل أن يصبح أستاذًا مساعدًا من عام 2016 إلى عام 2020.
«أمي آمنت بي»
أديب الذي أختير عام 2014 ضمن قائمة مبتكرون دون 35 العالمية، وأدرج اسمه في قائمة مجلة فوربس لـ30 شخصية عالمية فاعلة تحت سن الـ30، لا ينسى الدور الذي لعبه والديه في حياته. «لقد أفسح والداي لي المجال، ووجها طاقاتي إلى كل ما هو إيجابي. يلعب الوالدان في حياة الأبناء دورًا مهمًا في التوجيه، إنني أرى الطلاب المتفوقين الآن لدي في الجامعة وقد لعب الآباء والأمهات دورًا مهما في حياتهم لتحقيق طموحهم».
اقرأ أيضًا.. استقلال زاده «التقنيات الحديثة».. عرب على طريق «الحرية المالية»
يقول أديب متذكرًا الدور الحاسم الذي لعبته أمه في ابتكاره الأخير حين أصيب بالإحباط أثناء إعداد البحث «اتصلت بوالدتي وأخبرتها بحالة الإحباط التي أصابتني فما كان منها إلا أن قالت لي أنا أؤمن بك، ثم سافرت قادمة إليّ وكانت أول من أجرينا عليها تجربة الرؤية من وراء الجدران في المختبر».
«لا أعرف المستحيل»
نال أديب أيضًا عددًا من الجوائز من بينها جائزة الباحث الشاب من مكتب البحوث البحرية عام 2019، وجائزة برنامج التنمية الوظيفية من مؤسسة العلوم الوطنية الأميركية، وجائزة أفضل أطروحة دكتوراه في علوم الحاسب من جامعة إم آي تي، وجائزة غوغل في عام 2017، وجائزة من شركة سوني عام 2016.
اقرأ أيضًا.. استطلاع «أصداء بي سي دبليو» يكشف تفضيلات الشباب العربي في 2023
يرى ابن مدينة طرابلس في نشأته حافزًا «كانت نشأتي في طرابلس أكبر حافز بالنسبة لي حتى أصل إلى ما أنا فيه اليوم»، موجها رسالة إلى الشباب العربي يحثهم فيها على ألا يستسلموا للواقع المليء بالعقبات والتحديات، وأن ينظروا إلى هذه التحديات أو العقبات على أنها الوسيلة التي تشحذ الهمم من أجل الانطلاق إلى التغيير، مختتمًا «أنا لا أحب ولا أعرف كلمة المستحيل».