في الوقت الذي ساد فيه اعتقاد بأن ثقافة العمل عن بٌعد ستزداد رسوخًا في عالم ما بعد كورونا، إلا أنه من الواضح أن ذلك الاعتقاد بات في طريقه إلى زوال، خاصة ممن يمكننا أن نطلق عليهم بأريحية شديدة دعاة العمل عن بٌعد، وأكثر المستفيدين من هذا النهج الوليد في العمل. المقصود هنا – بالطبع – شركات التكنولوجيا العملاقة، التي باتت تجبر موظفيها الآن على العودة للعمل من المكاتب لأن في العودة إلى المكاتب «تعزيز للثقة والابتكار!».
شركة روبين (Robin) المتخصصة في أبحاث الشركات والتوظيف، أجرت استطلاعًا للرأي شارك فيه أكثر من 500 من أصحاب الأعمال في الولايات المتحدة، لمعرفة مدى التغيير الذي أصاب سياسات العمل عن بٌعد في صناعات مثل التكنولوجيا والتمويل والبناء.
اقرأ أيضًا: كيفية إدارة الراتب الشهري في الاستثمار: هذه هي الخطوات
الدراسة وجدت أن هناك قفزة في أعداد الشركات التي بدأت في انتهاج التخلي عن سياسات العمل عن بٌعد، إذ أن 88% من الشركات التي شملها نفس الاستطلاع العام الماضي تطلب من موظفيها العودة إلى المكاتب لعدد معين من الأيام قد يتراوح ما بين يوم إلى 4 أيام.
الدراسة أشارت أيضًا إلى أن إدارات الشركات باتت تتمسك بعودة موظفيها إلى المكاتب بسبب قلقها الناتج عن «الآثار السلبية المحتملة التي تترتب على العمل عن بُعد». قال بريان ميوز، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في شركة روبين: «يريد قادة الأعمال من الموظفين قضاء بعض الوقت في المكتب، وهناك أسباب وجيهة لذلك، أبرزها: ترسيخ الروابط الاجتماعية بين الموظفين، وزيادة التطوير المهني، وتعزيز الشعور بالانتماء».
رغبة قوية في التخلي عن سياسات العمل عن بُعد
يبدو أن الشركات تحمل رغبة قوية في إعادة موظفيها إلى العمل من المكتب، حيث تشير الدراسة إلى تزايد نسبة الشركات التي تشترط عودة الموظفين إلى العمل في المكتب. وفقًا لاستطلاع شركة روبين لأبحاث التوظيف، يطلب 52% من هذه الشركات من موظفيها الحضور إلى المكتب أربعة أيام في الأسبوع، وهذا يشكل زيادة بنسبة 32% عن العام الماضي.
يعزو بريان ميوز، في تصريحات نقلها موقع بيزنس إنسايدر، هذا الإصرار على العمل من المكتب إلى طبيعة قطاعات الشركات العاملة في الخدمات المالية والبناء، حيث يتطلب عملها وجود الموظفين في المكتب بشكل منتظم. وبالرغم من ذلك، فإن ميوز يؤكد أن ذلك لا يعني أن المكاتب مشغولة بالكامل الآن، حيث يعمل غالبية الموظفين في المنزل لمدة تتراوح بين يوم واحد إلى أربعة أيام في الأسبوع. وبالتالي، فإن الشركات بحاجة إلى استغلال الوقت في المكاتب بشكل ذكي وفهم احتياجاتها من المساحة على المدى الطويل.
اقرأ أيضًا: الجيل Z في بيئة العمل.. رفض لمبدأ «الاستقرار» وتطلع لتقاعد مبكر!
تشير الدراسة أيضًا إلى أن الشركات تواجه غضبًا من بعض الموظفين الذين «يستمتعون بالعمل عن بُعد» ويرون أن العودة إلى المكاتب لن تكون ذات فائدة عملية، بل ستحرمهم من المرونة التي يتمتعون بها في عملهم.
على سبيل المثال، يشعر أحد العاملين في مجال التكنولوجيا البالغ من العمر 31 عامًا بالاستياء، حيث قرر ترك وظيفته التي كان يحبها بعد أن أمر صاحب العمل بالحضور إلى المكتب مرتين في الأسبوع. بالطبع، يمكن أن يكون العمل في المكتب مكلفًا، وقد يصعب على الآباء والأشخاص ذوي الإعاقة والأشخاص ذوي الخلفيات المتنوعة تنفيذ مهامهم بشكل فعال.
حوافز للتخلي عن العمل عن بٌعد
ومع ذلك، هناك مجموعة من العمال الذين يستمتعون بالعمل في المكتب، وعلى سبيل المثال، يفضل بعض العاملين استغلال بيئة العمل في المكتب لأسباب متعددة، من بينها تعزيز أواصر التواصل والتعاون، حيث يعتقد البعض أن العمل في نفس المكان يسهل التواصل والتعاون. يمكن للموظفين التفاعل مباشرة مع بعضهم البعض، ومناقشة الأفكار والمشاريع، وحل المشاكل بشكل أسرع وأكثر فعالية. يمكن أن يؤدي الالتقاء الشخصي إلى بناء العلاقات وتعزيز روح الفريق، كما يسهّل العمل من المكاتب مسألة الإشراف والإدارة، حيث يتمكن المديرون من مراقبة أداء الموظفين وتقديم التوجيه والدعم عن قرب. يمكن للموظفين الاستفسار من المشرفين والحصول على المساعدة على الفور عند الحاجة.
اقرأ أيضًا: الذكاء الاصطناعي ومستقبل العمل.. قادة شركات يتحدثون لـ«فاينانشيال فريدوم توداي»
وتلجأ الشركات حاليًا إلى سياسة الحوافز، من أجل تشجيع الموظفين على العودة للعمل من المكتب وامتصاص غضبهم بعد إلغاء العمل عن بُعد، مثل إضافة علاوة أو غداء مجاني.
عمالقة التكنولوجيا يتخلون عن سياسات العمل عن بًعد
في سياق متصل، تخلى العديد من الشركات عن سياسات العمل عن بُعد وبدأت في دفع موظفيها للعودة إلى المكاتب بشكل كامل. في أغسطس الماضي، قرر بنك غولدمان ساكس دفع موظفيه للعودة إلى المكاتب بعدما شعر كبار المديرين بالإحباط تجاه بعض الموظفين الذين لم يلتزموا بسياسة العمل لخمسة أيام في الأسبوع. وأكدت جاكلين آرثر، رئيسة الموارد البشرية في البنك، أنهم يشجعون موظفيهم على العمل في المكتب لمدة خمسة أيام في الأسبوع، مع توفير بعض المرونة حسب الحاجة.
ومن جانبها، أعلنت شركة زووم (Zoom) في وقت سابق أن الموظفين الذين يعيشون في مناطق تبعد 50 ميلًا من أحد مكاتبها يجب أن يعملوا في المكتب لمدة يومين على الأقل في الأسبوع. وقد ساهمت زووم، التي تعتبر واحدة من الشركات الناجحة في مجال المكالمات الفيديو خلال جائحة كوفيد-19، في تيسير عمل الشركات حول العالم بنظام العمل عن بُعد عند إغلاق المكاتب. وفيما يتعلق بالعودة إلى المكتب، قال الرئيس التنفيذي للشركة، إريك يوان، إن الاعتماد المفرط على العمل عن بٌعد «يقيد بناء الثقة بين الموظفين ويعوق الابتكار».
اقرأ أيضًا.. الملياردير بيل أكمان يقترح العمل عن بُعد لشهرين سنويًا لحل أزمة العودة للمكاتب
من ناحية أخرى، أعلنت شركة ميتا، الشركة الأم لفيسبوك، لموظفيها في يونيو أنهم يجب عليهم العودة إلى المكاتب لفترة معينة في الأسبوع اعتبارًا من سبتمبر. وفي أغسطس، تم تشديد هذه السياسة، حيث قالت الشركة إن المديرين سيتابعون حضور الموظفين ويمكنهم تأديبهم أو حتى فصلهم في حالة التقصير المتكرر في الحضور إلى المكتب. وأوضحت الشركة في رسالة بريد إلكتروني للموظفين أن الهدف من هذا القرار هو تعزيز العلاقات الصحية وتعزيز التعاون.
بالإضافة إلى ذلك، تفرض أمازون سياسة صارمة على موظفيها، حيث أُخطِر الموظفون بضرورة الحضور إلى مكاتب أقسامهم الرئيسية بدلاً من العمل عن بُعد اعتبارًا من سبتمبر 2022. وأشارت الشركة إلى أن العمل عن بُعد يمكن أن يؤدي إلى تفاقم بعض التحديات التي تواجهها الفرق في التواصل والتعاون.