يجتاح عالمنا الاقتصادي اليوم حقل معجمي مثمر من المصطلحات الاقتصادية الجديدة. ومن هذه المفاهيم التي كثر استخدامها مؤخرًا مبدأ الحرية المالية. فما هو الفرق بين الحرية المالية والأمن المالي، أو الاستقلالية المالية، أو حتى التقاعد؟
وكما يملك الإنسان دورة حياة محددة، قد يعيش الفرد دورة حياة مالية بكل مراحلها وهيكليتها. ولتحقيق الأهداف المالية، لا بد للفرد أن يختبر كل مرحلة ويتعرف عليها ويفهمها عن قرب. ومع اختلاف هذه المراحل يرى البعض أن مرحلة الاستقلال المالي هي الركن الأساسي والأهم في حياتنا المالية. فهي نقطة التحول التي يلمس فيها الفرد أن مصادر الدخل السلبية تغطي نفقات معيشته الشهرية بأكملها.
المرحلة الأولى: مرحلة الخضوع إلى الديون الثقيلة
وهي المرحلة التمهيدية لأي رحلة مالية. فغالبًا ما يبدأ الإنسان حياته المالية بديون الدراسة أو الرهن العقاري أو قرض السيارة، ليجد نفسه إذًا سجين وظيفة أو عمل ما لسداد هذه الديون. فلا يمكن بناء ثروة بينما لا يزال الفرد غارقًا في بحر الديون المترتبة عليه.
اقرأ أيضًا: التجارة الإلكترونية.. الطريق إلى الحرية المالية
ويمكن النظر إلى هذه المرحلة على أنها الأصعب من بين كل المراحل. ومع ذلك، فإن الانتقال إلى المرحلة الثانية ليس بالصعب أو بعيد المنال. إذ يتوجب على الفرد أولًا أن يعيش وفق إمكانياته المادية تهربًا من الوقوع في بئر الديون.
ثانيًا، لا بد من تجاهل عروضات المجتمع الاستهلاكية التي تجذب الأنظار وتدفع الإنسان إلى إنفاق الأموال على أمور ثانوية وفي بعض الأحيان غير ضرورية.
ثالثًا، من المهم إنشاء صندوق طوارئ، من شأنه أن يعيل كل فرد لستة أشهر بلا راتب، ولو أثناء العمل. وبمجرد اتباع هذه الخطوات، سيتسنى للعامل أن ينتقل إلى المرحلة الثانية بكل أمان.
المرحلة الثانية: الأمن المالي
يأتي الأمن المالي كمرحلة ثانية في هذه الهيكلية التصاعدية. تشكل هذه المرحلة الفترة التي يتحرر فيها الفرد من كل الديون المترتبة عليه والتي يجد فيها نفسه قادرًا على دفع نفقاته الشهرية الأساسية من الثروة التي يجمعها. ولا بد الإشارة إلى أن إنفاق جميع العائدات المالية على الاحتياجات الشهرية لا يعني الوصول إلى الأمن المالي.
اقرأ أيضًا: الحرية المالية في 3 خطوات.. كيف تؤمن مصاريفك الأساسية؟
ولا بد من ادخار بعض المال أو استثماره. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تحديد نسبة شهرية من الراتب تذهب مباشرة إلى حساب الادخار أو الاستثمار. وبهذه الطريقة تتكون لذى الشخص آلة لتزويده بالمال كل شهر.
المرحلة الثالثة: الحيوية المالية
تشكل الحيوية المالية تلك المرونة التي يلمسها الفرد في التدفق المالي الخاص به. إذ يمكنه الاستمتاع ببعض المنتجات والخدمات المندرجة تحت قائمة الكماليات كالملابس والسيارات الفخمة وحضور المناسبات الترفيهية. فالحيوية المالية لا تعني أبدًا البقاء على الحياة من الجانب المالي، بل تتخطى هذا المفهوم لتشمل الازدهار المالي.
اقرأ أيضًا: 7 وظائف فريلانس تحقق لك الحرية المالية
ولتحقيق الحيوية المالية يجب على الفرد أم يحلم من دون حدود. فبمجرد تغطية الاحتياجات الأولية لا ضرر في التخطيط لإجازة ممتعة أو للدخول في مشروع استثماري. هذا ويمكن الاستعانة بالخبراء والمستشارين الماليين لتوجيه الفرد ومساعدته على تسعير أحلامه وتحقيقها من دون التأثير سلبًا على حياته المالية السليمة.
المرحلة الرابعة: الاستقلالية المالية
وتتصف هذه المرحلة بالفترة الزمنية التي يستطيع فيها الفرد أن يغطي جميع نفقاته اليومية من دون الحاجة إلى العودة إلى العمل. فيتحرر الإنسان من التزامات العمل لجني الأموال ويتنحى جانبًا لإفساح المجال لآلة صنع المال التي أنشأها سابقًا من الادخار والاستثمار. فتعود عليه بأرباح مستمرة لتشكل له مصدر دخل سلبي مهم.
اقرأ أيضًا: مستثمرون قادهم الاستثمار العقاري إلى الحرية المالية
وقد يستغرق الوصول إلى هذه المرحلة أيامًا وسنوات من العمل الشاق والادخار. ولكن بمجرد تذوق طعم التحرر من الالتزامات، تقع الذكريات الشاقة في دوامة النسيان. ولتأكيد الوصول إلى هذه المرحلة لا بد من تحقيق ثلاثة أهداف جذرية:
- التحرر من الديون، مهما كان نوع الدين أو شكله، لابد من التخلص منه.
- عدم التوقف عن العمل، ليس من أجل المال بل من أجل التحفيز العقلي والاجتماعي.
- التحرر من منصب الموظف بأجر، والتحول إلى صاحب عمل مستقل، أو عامل جزئي، أو حتى طالب أو متدرب لمهنة جديدة، بغض النظر عن العمر.
المرحلة الخامسة: مرحلة النصر والحرية المالية
قد يطلق البعض على هذه المرحلة اسم “الحرية المالية” حيث لست مضطرًا للعمل وكل احتياجاتك مؤمنة ماليًا. وغالبًا ما تبدأ مرحلة النصر هذه من يوم تحقيق الاستقلالية المالية لتكون كفترة انتقالية من التوظيف إلى التقاعد التقليدي في سن الـ65. وفي هذه المرحلة يكون الفرد حرًا في العمل أو عدم العمل، وقادرًا على عيش أحلامه من دون أي عائق مادي أو مالي.
كل احتياجات الفرد وعائلته تكون مؤمنة وكافية. ولكن مع الوصول إلى الحرية المالية لا بد من الحفاظ عليها. لذلك، على الفرد أن يتحوط من ظاهرة التضخم والاستمرار في الاستثمار لضمان نمو متصاعد وموزع على جميع القطاعات الاقتصادية الرئيسية. بالإضافة إلى ذلك، من المهم اللجوء إلى التخطيط العقاري والعمل الخيري.
ومع توليد الثروة لا بد أن يضمن الفرد حصول عائلته وأحبابه على نسبة من هذه الأرباح واستفادة المجتمع ومحيطه من جهوده. قد يبدو الطريق إلى الحرية المالية وعرًا ومليئًا بالمصاعب. ولكن بالطموح والعمل والجهد، يستطيع أي فرد تحقيق أحلامه والوصول تدريجيًا إلى مرحلة النصر المطلق.