«إن جزءا من عبقرية ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، هو فهم أن الابتكارات الخارقة نادرًا ما تحدث داخل الشركات الكبيرة، فهي تأتي من الشركات الناشئة».. ربما تكون هذه الكلمات التي أطلقها أحد المحللين في معرض حديثه عن انتقال مصطفى سليمان الرئيس التنفيذي لشركة إنفليكشين إيه آي (Inflection AI) إلى شركة مايكروسوفت لإدارة فريق الذكاء الاصطناعي، هي كلمة السر في السباق المحموم من قبل عمالقة التكنولوجيا على الاستحواذ أو الاستثمار في الشركات الناشئة أو استقطاب المواهب، حتى لو تطلب الأمر تفريغ هذه الشركات من كوادرها بإغراءات التوظيف.
وفقًا لتقرير شركة أبحاث السوق بيتش بوك (PitchBook) تتسابق أكبر شركات التكنولوجيا في العالم على الاستحواذ على أفضل الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في خطوة لتعزيز حصتها في سوق الذكاء الاصطناعي. لقد استحوذت 10 شركات فقط على أكثر من 100 شركة منذ عام 2017.
في السطور التالية نلقي الضوء على أبرز عمليات الاستحواذ، أو بالأحرى كيف تبتلع الحيتان الكبيرة الأسماك الصغيرة في محيط الذكاء الاصطناعي؟
مايكروسوفت: صفقات مثيرة للجدل
في شهر مارس الجاري، تمكنت مايكروسوفت من تنفيذ صفقتين أثارا الكثير من الجدل، فالأولى كانت في الرابع من مارس عندما أعلنت شركة مايكروسوفت أنها استثمرت 15 مليون يورو (16 مليون دولار) في شركة «ميسترال إيه آي» الناشئة للذكاء الاصطناعي ومقرها باريس، وأنها ستجعل نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بـ «ميسترال إيه آي» متاحة قريبًا عبر منصة الحوسبة السحابية Azure.
الصفقة التي تم الإعلان عنها أثارت غضب المشرعين في الاتحاد الأوروبي، الذين ينظرون بعين الريبة إلى شركة مايكروسوفت. وفقًا لرويترز فقد طالب المشرعون بإجراء تحقيق فيما يعتبرونه تعزيزًا للاحتكار من قبل شركة مايكروسوفت.
وفي خضم هذا الجدل، أعلن ناديلا، أول أمس الثلاثاء، عن تعيين مفاجئ لمصطفى سليمان، الرئيس التنفيذي لشركة إنفليكشين إيه آي الناشئة للذكاء الاصطناعي والمؤسس المشارك لشركة DeepMind، لقيادة قسم جديد لشركة مايكروسوفت يركز على الدفع بشكل أكبر في السوق لتطبيقات الذكاء الاصطناعي الموجهة للمستهلكين.
اقرأ أيضًا.. من بائع عصير في لندن إلى رئاسة مايكروسوفت AI.. من هو السوري مصطفى سليمان؟
لقد قامت مايكروسوفت بما يشبه عملية تفريغ للشركة من كوادرها، حيث انتقل مع سليمان معظم موظفي إنفليكشين إيه آي البالغ عددهم 70، إلى مايكروسوفت، وأصبح دورهم تطوير منتجات الذكاء الاصطناعي التي تشمل كوبايلوت (Copilot)، ومحرك بينغ (Bing)، ومتصفح إيدج.
في حديثه لصحيفة فايننشيال تايمز، أشار آرون ليفي، الرئيس التنفيذي لشركة بوكس، إلى أن الأدوار الجديدة مثل تلك التي يشغلها سليمان لا تتوفر لها سوى قائمة محدودة من الأشخاص المؤهلين، لا تتجاوز العشرين. وأضاف أن تقدم مايكروسوفت في ميدان الذكاء الاصطناعي التوليدي يعود إلى قدرة ناديلا على تحديد الكفاءات اللازمة وتوظيفها في الأوقات المناسبة.
مايكل ووكر، مدير المحفظة في شركة أليانس بيرنستين، ذكر أن «ما يميز ساتيا ناديلا هو إدراكه بأن الابتكارات الاستثنائية غالبًا ما تكون نادرة في الشركات الكبرى وأنها عادة ما تنبع من الشركات الصغيرة والناشئة».
قبل إنفليكشن، وميسترال إيه آي، كانت أوبن إيه آي التي تصنع تشات جي بي تي، إذ ضخت مايكروسوفت نحو 13 مليار دولار استثمارات في الشركة الناشئة. وفقا لفايننشيال تايمز، أعطى رهان رئيس شركة مايكروسوفت، ساتيا ناديلا، على أوبن إيه آي، تفوقًا مبكرًا في سباق الذكاء الاصطناعي التوليدي.
من الصفقات الهامة التي قامت بها مايكروسوفت في مجال التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، استحواذها على شركة دروبريدج المتخصصة في التعلم الآلي وإدارة الهوية؛ وشركة بونساي، التي تقدم منصات الذكاء الاصطناعي الصناعي؛ بالإضافة إلى شرائها لمنصة جيتهب بمبلغ 7.5 مليار دولار في عام 2018، وهي خطوة كان لها تأثير كبير في القطاع.
وفي أحدث تحركاتها في هذا السياق، استحوذت مايكروسوفت في عام 2022 على تقنيات نوانس المتقدمة في التعرف على الكلام والذكاء الاصطناعي التحادثي بمبلغ 19.7 مليار دولار. تركز هذه الخطوة بشكل خاص على قطاع الرعاية الصحية، بهدف جعل الخدمات الصحية أكثر فعالية من حيث التكلفة وسهولة الوصول، وكذلك دعم المؤسسات في مختلف الصناعات لتطوير تجارب عملاء مُعدة خصيصًا لهم.
اقرأ أيضًا.. بصندوق قيمته 40 مليار دولار.. السعودية قد تصبح أكبر مستثمر في الذكاء الاصطناعي بالعالم
غوغل: صفقات استحواذ بدأت في 2014
وتعد غوغل هي أبرز المنافسين لشركة مايكروسوفت. لقد قام عملاق البحث الذي يسيطر على أكثر من 90% من سوق البحث، بالعديد من عمليات الاستحواذ المهمة في مجال الذكاء الاصطناعي فيما يلي بعض أبرزها:
استحوذت غوغل على شركة ديب مايند في عام 2014 مقابل مبلغ قدره 500 مليون دولار. كانت شركة ديب مايند، ومقرها المملكة المتحدة، في طليعة أبحاث الذكاء الاصطناعي وحققت اختراقات ملحوظة، بما في ذلك تعليم أنظمة الكمبيوتر لهزيمة اللاعبين الأعلى مرتبة في لعبة اللوحة الصينية القديمة Go.
بخلاف ديب مايند، استحوذت غوغل على العديد من الشركات الناشئة الأخرى في مجال الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، في عام 2011، استحوذت غوغل على بيت بات (PittPatt)، ومؤخرًا، في عام 2019، استحوذت على أون وارد (Onward).
اقرأ أيضًا.. اللغز المحير: كيف تتغلب «أوبن إيه آي» على قيود غوغل في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي؟
أوراكل: سبع عمليات استحواذ منذ 2017
منذ عام 2017، قامت شركة أوراكل بسبع عمليات استحواذ في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي.
توفر أوراكل تشكيلة متنوعة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي المدمجة ضمن خدماتها السحابية، مستندة إلى بنية تحتية متقدمة ومبتكرة في هذا المجال. من بين أهم عمليات الاستحواذ التي أجرتها أوراكل مؤخرًا، شراء شركة نور 1 (Nor1)، المتخصصة في منصات التعلم الآلي، وشركة داتا فوكس (DataFox)، التي تمتلك محرك بيانات ذكاء اصطناعي سحابي.
اقرأ أيضًا.. سباق الذكاء الاصطناعي.. هل توجه غوغل القاضية إلى ChatGPT باتفاق أبل؟
آي بي إم: تستحوذ على أكثر من 30 شركة
منذ تولي أرفيند كريشنا منصب الرئيس التنفيذي في أبريل 2020، قامت شركة آي بي إم بالاستحواذ على أكثر من 30 شركة، مع التركيز على تحسين قدراتها في مجال الخدمات السحابية المختلطة والذكاء الاصطناعي. من بين أبرز عمليات الاستحواذ التي قامت بها آي بي إم في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي خلال السنوات الأخيرة، شراء شركة داتاباند لبرامج مراقبة البيانات؛ وشركة إنستانا لإمكانيات المراقبة بالذكاء الاصطناعي وتوفير التطبيقات؛ وتوربونوميك لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لعمليات تكنولوجيا المعلومات من آي بي إم.
وأعلنت آي بي إم في يونيو الماضي عن خططها لإنفاق 4.6 مليار دولار لشراء شركة أبتيو للبرمجيات، مع نية دمج برنامج أبتيو لإدارة وتنظيم تكنولوجيا المعلومات المالية والتشغيلية مع منصة واتسون للذكاء الاصطناعي التابعة لها.
اقرأ أيضًا.. غوغل توقف إنشاء الصور بـGemini AI وتسرّح مسؤول الخوارزميات.. ما القصة؟
أبل تنفذ 21 عملية استحواذ
منذ العام 2017، قامت شركة آبل بـ 21 عملية استحواذ في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، وهو العدد الأكبر مقارنةً بأي شركة أخرى حول العالم، وفقًا لما ورد في تقرير بيتش بوك. قامت الشركة المصنعة للآيفون والعملاقة في مجال التكنولوجيا بالاستحواذ على عدة شركات في هذا القطاع على مدى السنوات الماضية لتقوية وتوسيع مجموعتها المتنامية من المنتجات. من أبرز عمليات الاستحواذ التي قامت بها، شراء شركة إكسنور للحوسبة المتقدمة؛ وشركة فيلينكس المتخصصة في تحليل الفيديو بدعم الذكاء الاصطناعي؛ وشركة ليزرلايك المتخصصة في محتوى التعلم الآلي.
في آخر عمليات الاستحواذ في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، في شهر مارس 2023، استحوذت آبل على شركة ويف ون، المطورة لخوارزميات الذكاء الاصطناعي لضغط الفيديو. تقدم ويف ون تقنية خوارزميات ضغط وفك ضغط الفيديو “المدركة للمحتوى”، والتي يمكن تشغيلها على مسرعات الذكاء الاصطناعي المدمجة في الأجهزة الذكية وأجهزة الحاسوب.