قبل عامين من الآن، كان اللبنانيون الأربعة، مارك خوزامي، وقبلان كيروز، وجوزيف الطويل، مصباح علم الدين، يضعون اللبنات الأولى لشركتهم الخاصة في عالم البلوكشين «Blockify». اليوم باتت الشركة تقدم خدماتها في بناء وتطوير مشاريع الويب 3، والتمويل اللامركزي، وNFTs، ورموز الكريبتو، والمنصات اللامركزية وغيرها من المجالات المرتبطة بهذا العالم. وعلى الرغم من المصاعب التي واجهتهم، إلا أن الشركة باتت اليوم تمتلك فريقًا من المطورين والمسوقين الموهوبين، والذي يقيم بعضهم في دبي والبعض الآخر في لبنان، مع شبكة من العملاء من مختلف البلدان، فكيف ومن أين بدأت قصة نجاح «Blockify»؟
الفكرة لمعت بالجامعة
«كنا في العام الدراسي الآخير بالجامعة أنا وقبلان حين اكتشفنا البلوكشين. لقد كانت مادة دراسية ضمن المواد التي ندرسها فأصبحنا مولعين بها لدرجة الهووس» يقول مارك خوزامي، الذي يشغل حاليًا منصب الرئيس التنفيذي لـ Blockify، في مقابلة مع «فايننشال فريدوم» وهو الذي كان يمتلك خبرة 5 سنوات في مجال البلوكشين.
لم يكن مارك وحده الذي يمتلك هذه الخبرة فـ «قبلان» هو الآخر، الذي بدأ في تعلم البرمجة منذ طفولته، أصبح خبيرًا في مجال الكريبتو والبلوكشين منذ 4 سنوات، وتخصص في هندسة الكمبيوتر والاتصالات والذكاء الاصطناعي.
«كانت هذه الخبرات التي نمتلكها دافعًا لدى المؤسس الثالث جوزيف طويل لتشجعينا على الدخول إلى عالم العملات المشفرة والبلوكشين والويب 3 بعد التخرج مباشرة وأن ننشئ مشروعنا الخاص»، يقول مارك، الذي أوضح «نصحنا (جوزيف) بأن نركز على تقديم خدمات في هذا المجال، لتجنب المخاطر المرتبطة بالمشاريع الجديدة».
يلتقط قبلان كيروز، الذي أصبح الرئيس التكنولوجي للشركة، طرف الحديث ليقول «هذا ما فعلناه بالفعل، بدأنا بتقديم الخدمات للأفراد الذين يرغبون بتطوير مشاريع في هذا المجال، ونحن الآن نعمل أيضًا على تطوير منتجاتنا الخاصة في هذا المجال».
يشير قبلان هنا إلى الطريقة التي جعلتهم يتغلبون على الحاجة إلى استثمارات كبيرة، «تقديم الخدمات للأفراد جعلنا لا نحتاج إلى استثمار كبير عندما بدأنا شركتنا، لقد استفدنا من العائدات التي حققناها من المشاريع الأولى التي أنجزناها، لتطوير الشركة وتوسيع الفريق والعمل على مشاريعنا الخاصة».
اقرأ أيضًا.. كبير مسؤولي الاستثمار في «Bear & Creed»: البلوكشين والكريبتو يدعمان الشركات الناشئة
إصرار على النجاح
لكن هذا النوع من الشركات الناشئة يواجه تحديات جمة، والنجاح ليس بالسهولة التي يتوقعها البعض. يؤيد مارك خوزامي ذلك، قائلًا، «أحد المصاعب التي كانت تواجهنا هي الاختلافات بين العمل في الويب 3 والويب 2، من حيث التطوير، والتصميم، وإيجاد العملاء. في عالم الويب 2، يمكننا إيجاد عملاء من لينكد إن، أو شركات محلية. أما في الويب 3، فيتعين علينا البحث في تلغرام وديسكورد وتويتر X، وهي استراتيجية مختلفة جدًا عن العمل في الويب 2. لكن كل هذه الصعوبات جعلتنا أقوى وأشد إصرارًا على الوصول إلى أهدافنا».
الاختلافات بين العمل في الويب 3 والويب 2 لم تكن التحدي الوحيد، يقول قبلان كيروز «لقد واجهتنا العديد من العوائق الأخرى خلال مسيرتنا في مجال البلوكشين والويب 3. أولها كان نقص المعلومات المتاحة على الإنترنت، حيث لم نجد مصادر موثوقة لتعلم البرمجة في هذا المجال. كان علينا أن نبذل جهدًا شخصيًا ونعمل بجد لفهم كيفية عمل هذا المجال، دون أن يكون لدينا من يدلنا على الطريق الصحيح».
قبلان أضاف «كان تقلب السوق وتغير الطلب على المشاريع أيضًا من أكبر التحديات التي واجهناها. عندما بدأنا، كان السوق في ذروته، وكانت الـNFTs وبيتكوين تجذب انتباه الجميع. كان الجميع متحمسًا للاستثمار في هذا المجال وبناء مشاريع فيه. لكن المشكلة تفاقمت مع انخفاض السوق وانخفاض أسعار العملات المشفرة، وخوف المستثمرين من الاستثمار في هذا المجال. بعض المشاريع التي كنا نعمل على تطويرها توقفت بسبب أن أصحابها لم يعودوا يريدون إنفاق المزيد من المال على المشروع أو لأسباب أخرى. ومن ثم انخفض الطلب على هذه المشاريع».
لكن هذا التحدي لم يؤثر على مسيرة «Blockify»، «لأننا لم نقتصر على تقديم خدمات تطوير البلوكشين فقط، بل توسعنا أيضًا لتطوير الويب 2 الحالي، وأصبحنا نقدم خدمات التحول الرقمي لشركات متنوعة في لبنان، منها شركات مالية وغيرها»، يقول مارك خوزامي، الذي أشار إلى العوائق التنظيمية المتمثلة في غياب التشريعات المنظمة لهذا القطاع في لبنان.
اقرأ أيضًا.. خاص | رئيس «إنفويس مات» يتحدث عن التحديات التي تواجه صناعة البلوكشين
لا شيء مستحيل
تعتمد «Blockify» في ريادتها على التنوّع في الخدمات التي تقدّمها لعملائها، فلا يوجد قائمة ثابتة للحلول التي يتم تقديمها للعملاء، بل هناك انفتاحًا لاستكشاف مشاريع جديدة، وأفكار جديدة. يقول قبلان «لا يوجد شيء مستحيل في مجال البرمجة»، مضيفًا «نحن نقدم خدمات تطوير متنوعة لعملائنا، بما في ذلك مشاريع NFT، ومشاريع البلوكشين، ومشاريع العملات مشفرة، والمنصات اللامركزية. نحن نتقن كل شيء في هذا المجال، نقوم ببناء العقود الذكية، تطبيقات الهاتف ومنصات الويب، ومنصات التمويل اللامركزي (DeFi)، والرموز الرقمية غير القابلة للاستبدال NFTs، ومنصات التداول اللامركزية DEXs، ومحافظ العملات المشفرة، ومنصات الألعاب والأصول وغيرها».
يشير قبلان، «نحن مستعدون لتلبية أي طلب من عملائنا. لقد بدأنا بمشاريع بسيطة، وتطورنا لمشاريع أكثر تعقيدًا، مثل الألعاب الرقمية التي تحتوي على NFT وعملات كريبتو وغيرها».
خيار رئيسي بلبنان
وحول ما إذا كان هناك إقبالًا من الشباب في لبنان على تقنية البلوكشين، رصد مؤسسو «Blockify» اهتمامًا متزايدًا من الشباب في لبنان بتقنية البلوكشين. يقول مارك إن «العملات المشفرة والبلوكشين، والويب 3، أصبحوا أحد الخيارات الرئيسية التي توجه إليها اللبنانيون للمضي قدمًا في حياتهم».
وأضاف أن «العملات المشفرة أصبحت شائعة في لبنان، ويمكنك الدفع بها في العديد من الأماكن، مثل المقاهي والمتاجر وغيرها، وكذلك الاستثمار في مشاريع الكريبتو اللامركزية، لا سيما من قبل الشباب الذي هم الفئة الأكثر انخراطًا في هذا المجال. أما من ناحيتنا، كمطورين، فقد لاحظنا أيضًا زيادة في عدد المطورين الذين يرغبون في تعلم هذا المجال والانضمام إليه، والمساهمة في تطويره».
وحول ما إذا كان تأسيس الشركة داخل لبنان مفيدًا لها، رأى المؤسسون أن النجاح حليفًا لهم أينما كان موقع التأسيس، سواء في لبنان أو خارجه. يقول قبلان «لدينا شبكة واسعة من العلاقات في لبنان وخارجه، وتمكنا من الوصول إلى العديد من الأشخاص الملهمين في هذا المجال، وفتح العديد من الفرص لنا. نحن نتعاون مع أفراد من جميع أنحاء العالم، ولكننا بالطبع نفضل أن يكون فريق عملنا الأساسي من داخل لبنان، نظرًأ لأننا شركة ناشئة».
لكن مارك يرى ميزة من التأسيس في لبنان فيقول «وجودنا في لبنان يختصر علينا بعض التكاليف التشغيلية التي قد تكون مرهقة لميزانيتنا، لذلك نرى أن طريقة عملنا الحالية هي الأمثل بالنسبة للشركة».
اقرأ أيضًا.. «البلوشي»: 70 % من الشركات الناشئة تفشل في عقدها الأول
مستقبل واعد
لم يكن لـ«Blockify» أن تتخطى الصعاب والعوائق دون أن يكون هناك قيم يعتنقها مؤسسو الشركة، يؤكد مارك أن «Blockify» تقوم على قيمة العمل الجاد والثقة في نجاح المشروع، «نحن نبذل قصارى جهدنا في كل ما نقوم به، ونتحمل مسؤولياتنا تجاه الشركة، ونسعى أيضًا لإيجاد حلول للمشاكل التي تواجهنا، خاصة مع تزايد الصعوبات بعد انهيار النظام المصرفي في لبنان ومصادرة أموال المودعين. لقد اتجه الكثير من الناس إلى الخيارات اللامركزية، لنقل الأموال والاستثمار، ومن بينها العملات المشفرة والويب 3 والبلوكشين. هذا يحفزنا على مواصلة عملنا، لأننا نشعر بأننا نقدم فائدة للمجتمع المحلي».
ويشير قبلان إلى أن كل فرد في Blockify يقدّم أفضل ما لديه وأكثر لضمان نجاح المشروع، «نحن نحب العمل الذي نقوم به، ونؤمن بمشروعنا، ونرى فيه مستقبلاً واعداً، في Blockify، نعمل بشغف، وهذا محرّك أساسي يجعلنا نتخطى جميع الصعوبات التي تواجهنا، ويحفّزنا لتحقيق المزيد، لا يوجد مشروع ليس فيه صعوبات، الصعوبات هي التي تنقلنا للمرحلة التالية، وتقرّبنا من تحقيق أهدافنا».
نصيحة للشباب
في النهاية وجه القائمون على Blockify نصيحة للشباب المهتمين بمجالات مشابهة بأن يستثمروا في تعميق معرفتهم بهذا المجال، وأن يتعلموا كيف يعمل، وما هي الفوائد التي يقدمها. فعالم البلوكشين هو عالم مفتوح وغني بالفرص المذهلة. لكن لتحقيق النجاح في شيء ما، يجب أن تكون شغوفًا به، ومستعدًا لتعلم أشياء جديدة باستمرار. فهذا العالم في تغير مستمر، وإذا لم تحب ما تفعله، فسوف تجد صعوبة في مواكبة ما هو جديد في هذا المجال. اختر المجال الذي يجذبك، ولا تعمل في شيء لا تحبه.