في العام 2023، كانت مخاطر الذكاء الاصطناعي موضوعا شائعا في النقاشات العامة، وخاصة فيما يتعلق بالتهديدات التي قد يشكلها على مستقبل الإنسانية، وإمكانية أن يؤدي إلى انقراضها. هل هذا السيناريو واقعي أم مبالغ فيه؟
هذا ما يحاول معرفته العديد من الخبراء والباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي، الذين ينبهون إلى أن التقدم السريع في هذه التكنولوجيا قد يحمل تهديدات خطيرة للعالم، ويدعون إلى ضرورة تنظيمها والتحكم فيها قبل أن تخرج عن السيطرة. لذلك، أجريت عدة دراسات شارك فيها باحثون في الذكاء الاصطناعي للتحقق من صحة هذه الادعاءات أو نفيها.
دراسة تحسم الجدل حول مخاطر الذكاء الاصطناعي على البشرية
يدرك معظم الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي، حقيقة حدوث تهديدات وجودية على البشرية بسبب التقنية الجديدة، لكنهم لا يعتقدون أن النتائج الدراماتيكية مرجحة للغاية، حسبما وجدت أكبر دراسة استقصائية لباحثي الذكاء الاصطناعي.
وأجرى العلماء استطلاعا للرأي على 2778 باحثا وعاملا في مجال الذكاء الاصطناعي، وتم طرح أسئلة على المشاركين حول العواقب الاجتماعية لتطورات الذكاء الاصطناعي والمدى الزمني المحتمل لمستقبل التكنولوجيا؛ لمعرفة مخاطر الذكاء الاصطناعي.
ويرى العديد من الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي أن التطور المستقبلي المحتمل للذكاء الاصطناعي الخارق، ينطوي على فرصة حقيقية تؤدي إلى انقراض البشر، لكنهم يرون أن احتمالية حدوث ذلك ضئيلة مقارنة بالتطورات التي تحدثها التقنية، ومع ذلك هناك أيضًا خلاف واسع النطاق وعدم اليقين بشأن المخاطر التي تحدث بالفعل.
اقرأ أيضًا: المؤثرون الافتراضيون.. حرب الذكاء الاصطناعي على البشر في إنستغرام
وشملت هذه الدراسة الاستقصائية 2700 باحث في مجال الذكاء الاصطناعي. أغلبهم من الذين نشروا مؤخرًا أعمالهم في ستة من أهم مؤتمرات الذكاء الاصطناعي، حيث تعد بذلك أكبر دراسة من نوعها حتى الآن، وأجرى الدراسة باحثون وأكاديميون في جامعات حول العالم، من بينها أكسفورد وبون في ألمانيا، وبالتعاون مع معاهد التكنولوجيا في الولايات المتحدة.
ووفقا لما ذكره موقع بيزنس إنسايدر، فقد طلب الاستطلاع من المشاركين مشاركة أفكارهم حول المدى الزمني المحتمل للإنجازات التكنولوجية المستقبلية للذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى العواقب الاجتماعية الجيدة أو السيئة لتلك الإنجازات.
وقال ما يقرب من 58% من الباحثين إنهم يعتبرون أن هناك فرصة بنسبة 5% لانقراض الإنسان أو غيرها من النتائج السيئة للغاية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.
ومع ذلك يختلفون حول المخاطر الحقيقية التي يولدها الذكاء الاصطناعي على المجتمعات وأسواق العمل المختلفة، حيث تظهر النتائج لتطور التكنولوجيا بسرعة كبيرة.
مخاطر الذكاء الاصطناعي: هل يصبح تهديدًا كبيرًا على البشرية؟
في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، شهد وادي السيليكون نقاشات حادة حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يمثل خطرا كبيرا على البشرية أم لا. بعض العلماء يعتقدون أن هذا الخطر ضئيل جدا، وأن الذكاء الاصطناعي المتقدم لن يتمكن من القضاء على البشرية. ولكن هذا ليس رأي معظم الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي، الذين يرون أن هذه التقنية قد تسبب مشاكل جسيمة في مجالات متعددة.
هذا ما أكدته كاتيا جريس، وهي باحثة في معهد أبحاث الذكاء الآلي في كاليفورنيا، وأحد مؤلفي دراسة نشرت في مجلة نيو ساينتست. وقالت إن «الاستطلاع الذي أجرته مع زملائها أظهر أن الباحثين في الذكاء الاصطناعي لا يستبعدون إمكانية أن يدمر الذكاء الاصطناعي المتقدم البشرية، وأنهم يعتبرونه تهديدا حقيقيا للبشرية في عدة جوانب، وهو ما يتجاوز تقدير المخاطرة الدقيقة».
ومن ناحية أخرى، يرى إميل توريس، الباحث في جامعة كيس ويسترن ريسيرف في أوهايو، أن خبراء الذكاء الاصطناعي ليسوا جيدين في التنبؤ بالتطورات المستقبلية لهذه التكنولوجيا، وأنه لا داعي للقلق من الآن بشأن المخاطر التي قد تنجم عنها.
اقرأ أيضًا: ماذا يخبئ لنا الذكاء الاصطناعي في 2024؟.. هذه توقعات الخبراء
وأضافت كاتيا جريس، الباحثة من معهد أبحاث الذكاء الآلي في كاليفورنيا، وإحدى مؤلفي البحث: «إنه على الرغم من أن معظم الباحثين في لا يجدون أنه من غير المعقول أن يدمر الذكاء الاصطناعي المتقدم البشرية، لكنهم يعتقدون أنه تهديد بالفعل للبشرية في مجالات مختلفة، وهذا أكبر بكثير من تحديد المخاطرة المحددة».
بينما يقول إميل توريس، الباحث من جامعة كيس ويسترن ريسيرف في أوهايو، إن العديد من خبراء الذكاء الاصطناعي ليس لديهم سجل جيد في التنبؤ بتطورات الذكاء الاصطناعي المستقبلية، وبالتالي لا داعي للذعر من الآن حول المخاطر التي تحدث بسبب التكنولوجيا.
أقر جريس وزملاؤه أنهم ليسوا متخصصين في توقع مستقبل الذكاء الاصطناعي ، لكنهم أثبتوا أن استطلاعهم لعام 2016 كان دقيقًا إلى حد ما في تقدير إنجازات الذكاء الاصطناعي.
وعند مقارنة إجاباتهم مع استطلاع عام 2022 ، تبين أن معظم باحثي الذكاء الاصطناعي خفضوا توقعاتهم للمدة الزمنية اللازمة لتحقيق بعض الأهداف. وكان هذا متزامنًا مع ظهور ChatGPT لأول مرة في نوفمبر 2022 ، والذي دفع قادة التكنولوجيا إلى إطلاق خدمات chatbot مشابهة تستند إلى نماذج لغوية كبيرة.
وفي هذه الدراسة ، تنبأ الباحثون المشاركون في الاستطلاع بأن أنظمة الذكاء الاصطناعي ستكون قادرة على أداء معظم المهام بنجاح بنسبة 50٪ أو أكثر خلال العقد القادم ، بما في ذلك كتابة أغاني جديدة لا تختلف عن أغنية تايلور سويفت الأصلية ، بينما ستتولى الروبوتات الذكية العديد من المهن الحرفية ، مثل تثبيت الأسلاك الكهربائية في منزل جديد ، ولكنها ستستغرق وقتًا أطول.
ووفقًا للدراسة ، فإن الاحتمال الذي يبلغ 50٪ لحدوث تطور الذكاء الاصطناعي الذي يتجاوز البشر في كل مهمة هو بحلول عام 2047 ، بينما الاحتمال الذي يبلغ 50٪ لأتمتة جميع الوظائف البشرية هو بحلول عام 2116.
قادة التكنولوجيا يحذرون من مخاطر الذكاء الاصطناعي
ورفض العديد من خبراء الذكاء الاصطناعي، إطلاق العنان للإبداع في التكنولوجيا، حيث طالبوا بتنظيم هذه التكنولوجيا حتى لا تشكل خطرًا على البشرية، خاصة بعد أن ظهرت ملامح لذلك من خلال الأخبار والصور المزيفة وتقليد الأصوات وانتهاك حقوق الملكية الفكرية، وغيرها من الأشياء التي كانت محل جدل في عام 2023.
اقرأ أيضًا: اكتشف الذكاء الاصطناعي.. أبرز الشخصيات والشركات والمصطلحات الأساسية
وأبرز قادة التكنولوجيا الذين يحذرون من مخاطر الذكاء الاصطناعي، هو أندرو إنج، المؤسس المشاركة في شركة غوغل (Google)، والأب الروحي للذكاء الاصطناعي جيفري هينتون، والملياردير إيلون ماسك، وغيرهم العديد من القادة.
وأدت التحذيرات من الذكاء الاصطناعي إلى اتهام قادة التكنولوجيا لبعضهم حول الغرض من تطوير هذه التقنية بشكل سريع.
وقال العالم يان ليكون، إن بعض شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة كانت تحاول توفير سيطرة تنظيمية على الصناعة من خلال فرض لوائح تنظيمية صارمة.