في ظل الظروف المتغيرة المحيطة بعالم المال وأسواق العملات المشفرة، ظهرت على الساحة نماذج عقلية مختلفة لمساعدة المستثمرين وخاصة الجدد منهم في إدارة حالاتهم الفكرية، وبالتالي تخطي السوق المتدهورة أو ما يسمى بسوق الدب. وللأسف، لا تزال هذه النماذج العقلية غير مستخدمة في السيناريوهات اليومية لحياة الإنسان الطبيعية. ويعود ذلك إلى أن عقولنا البدائية غير مبرمجة لاستخدام الطرق المعقدة للوصول إلى الخلاصة أو النتيجة المنتظرة، وخاصة في الأسواق المالية. فعقولنا موجهة غالبًا نحو السرعة أكثر من الدقة. فالإنسان بطبعه يميل إلى التفكير بالأهداف وملاحقة الغرائز قصيرة المدى عوضًا عن قضاء الوقت في التفكير ودراسة الخطوات. ولكن بالرغم من هذه الحقيقة البشرية، تستدعي بعض الحالات الحرجة اللجوء إلى الأساليب والحلول الجريئة وغير التقليدية.
حالياً يشهد عالم العملات المشفرة حالة من عدم الاستقرار. فمنذ شهر كانون الثاني/يناير 2022، شهدت هذه السوق خسارة فادحة في ربوعها، بحيث فقدت العديد من الأصول 90% من قيمتها. ونتيجة لذلك، قد يرى المستثمرون الجدد المحتملون تحديًا كبيرًا في قرار دخولهم إلى هذا العالم وخوض أمواجه. لذلك، لا بد من توجيههم بواسطة نماذج عقلية مدروسة، من شأنها أن تساعدهم في رؤية السوق بكل شفافية وواقعية وحثهم على اتخاذ القرارات الصائبة. فما هي هذه النماذج التي يجب على المستثمر الجديد اتباعها أثناء سوق العملات المشفرة المتدهور؟
1. دائرة الكفاءة
وهو نموذج جوهري يدفع التجار إلى التركيز على مجالات خبراتهم وعدم الخوف من الاعتراف بالجهل أو افتقار المعلومات. وبالنسبة للمستثمرين الجدد على الساحات المالية والذين يبدون غير قادرين على تحديد الجهة التي ستسير فيها تجارتهم، يتمثل الحل الذكي في التركيز على دائرة الكفاءة. فهناك فرق شاسع بين المقامرة والاستثمار، وفي حال وجود مساحة لكلتا العمليتين، من المستحسن على المستثمرين الجدد الاكتفاء بالاستثمار والابتعاد عن مجال المقامرة. ومن هنا تتجلى أهمية التركيز على الأصول التي يعرفها المستثمر عوضًا عن الدخول في عمليات خارج منطقة ثقافته وخبرته.
2. التعاكس
غالبًا ما يتصرف التجار وفقًا لما يريدونه عوضًا عما يجب تجنبه. فعلى سبيل المثال، يركز التجار بشكل أساسي على نسبة الأرباح التي يطمحون إلى تحقيقها ولا يبدون أي اهتمام حول نسبة الخسارة التي قد يلمسونها أثناء عملياتهم التجارية. في حالة السوق المتدهورة، ينبغي على التاجر شراء الأصول ليس بسبب إمكانية تضاعف أسعارها في السنوات المقبلة، بل بسبب اعتقادهم بأن هذه الأصول لن تفقد قيمتها في السنوات المقبلة. إن اعتماد هذه الاستراتيجية الحساسة في سوق تفقد فيها الأصول قيمتها، يعد نموذجاً ذكياً.
اقرأ أيضاً..9 أفلام عن عالم العملات المشفرة
3. التحيز التأكيدي
وهو نموذج عقلي لا يجب على المستثمرين تبنيه بل حماية عقولهم منه. يتصف التحيز التأكيدي بكونه ميول الفرد إلى تفسير المعلومات والحقائق انطلاقًا من المفاهيم المسبقة والمتمركزة في ذاكرته. وغالبًا ما يعد التحيز التأكيدي فخًا يقع فيه العديد من الأفراد وخاصة أولئك المبتدئين في مسارهم المهني. ولتجنب الوقوع في هذا الفخ الخطير، لا بد للفرد المعني أن يقيم النتائج التي بين يديه بدقة وتركيز. فهل هذه الخلاصات مبنية على الحقائق أم هي مجرد براعم أمل لا دعائم لها؟ من الضروري أن يبتعد الفرد عن ملاحقة الخبراء بشكل أعمى والأخذ بعين الاعتبار أن التصورات الخاصة لا تتوافق دائمًا مع الواقع المحيط بنا.
4. نظرية القرود والآلات الكاتبة
كثيرون هم التجار الذين يعتمدون على الماضي لتوقع المستقبل. إذ يمكن للفرد الاطلاع مثلًا على تاريخ وسلوك سعر بعض الأصول واستخدام هذه المعلومات لوضع احتمالات وتوقعات مدروسة بشأن مستقبل هذه الأصول. ولكن لا بد التذكير بأن هذه التوقعات تبقى توقعات في نهاية المطاف، لتكون في بعض الأحيان بلا فائدة. وهذا ما أفاد به الكاتب نسيم طالب حيث ذكر مثل القرود والآلات الكاتبة لتجسيد عملية الصدفة في الحياة. فبنظره، إذا تم ترك عددًا لا حصر له من القرود أمام الآلات الكاتبة، لا شك في أن أحد القردة سيحسن استخدام هذه الآلة. ولكن الموضوع الأساسي في المراهنة مجددًا على القرد نفسه لاستخدام هذه الآلة مجددًا بالطريقة نفسها.
يعد هذا المثل درسًا جوهريًا وخاصة للمستثمرين الجدد في أسواق العملات المشفرة والذين يرون في الأسواق المتدهورة فرصًا لشراء العملات البديلة المنخفضة. وفي الحقيقة، اكتسبت هذه العملات شعبيتها نتيجة الضجيج العرضي، أو تغريدة واسعة التأثير. وبالتالي، فإن المراهنة على هذه الأصول لمجرد أنها أصبحت شعبية في الماضي ما هي إلا فخ عقلي ينبغي تجنبه.
اقرأ أيضاً..ما هي العملات المشفرة التضخمية والانكماشية؟
5. مبدأ الاكتفاء بالمعلومات
وهو نموذج عقلي أساسي يتم اعتماده بغية فهم السوق المتدهور. ويقوم هذا المبدأ لحل المشاكل في العالم المالي على مفهوم: عدم الإكثار من الشيء إذا لم تقتضي الضرورة ذلك.
لذلك فإن أبسط التفسيرات للأوضاع المالي هي الأصح والأقرب إلى الحقيقة من تلك التفسيرات والتحليلات المعقدة. فلا يجب الإكثار من تفسير الظواهر التي تشهدها الأسواق وبالتالي الاكتفاء بالمعلومات الواضحة والبسيطة.
إن هذه النماذج البسيطة من شأنها أن تثقل أداء المستثمر الجديد في عالم العملات المشفرة. وبالتالي، فإن اعتماد هذه الحلول الجوهرية سيمكن كل مستثمر من تخطي الظروف الصعبة الناتجة عن السوق المتدهورة والخروج منها بأقل نسبة ضرر ممكنة.
اقرأ أيضاً..بينهم رئيس دولة كبيرة.. أبرز 4 مشككين في العملات المشفرة