في الوقت الذي تستعد فيه شركة أبل، صانع آيفون لما تطلق عليه الجيل التالي من الواقع الافتراضي، والذي يتجلى في دعم وتطوير سماعات الرأس أبل فيجن برو، واعتزامها خوض غمار الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإن مراقبون يحذرون من أن الشركة باتت تواجه مخاطر كبيرة بسبب قضية احتكار أبل التي قد تمنعها من اللحاق بركاب ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي، على خلفية دعوى الاحتكار التي رفعتها ضدها وزارة العدل.
المراقبون، أشاروا إلى دعوى احتكار مماثلة واجهتها مايكروسوفت في نهاية تسعينيات القرن الماضي من قبل وزارة العدل الأميركية، وانتهت بانتصار الوزارة، الأمر الذي أدى إلى تعطيل مايكروسوفت عن اللحاق بركب ثورة الهواتف الذكية، وهو ما اعترف به مؤسس الشركة بيل غيتس، حين ألقى باللوم على المعركة الشرسة بين شركته ووزارة العدل، في فشله في اقتحام سوق الهواتف الذكية.
تأتي الدعوى أيضًا في وقت حرج للغاية، إذ تشهد صناعة التكنولوجيا طفرات هائلة بفعل الذكاء الاصطناعي. مايكروسوفت، التي استثمرت بكثافة في شركة مطور OpenAI مطور ChatGPT، أصبحت الآن أغنى شركة عامة في العالم من حيث القيمة السوقية، مما دفع شركة Apple إلى المركز الثاني.
وتحقق شركة إنفيديا سلسلة من النجاحات المذهلة مع ارتفاع إيراداتها بشكل كبير بسبب مبيعات شرائح الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، ويبدو أن كل شركة في وادي السيليكون وخارجه تتحدث عن كيفية تنفيذها للذكاء الاصطناعي التوليدي بدرجة أو بأخرى.
اقرأ أيضًا.. ماذا يحدث في شركة أبل؟.. دعوى قضائية ضدها وخسارة 113 مليارًا من قيمتها السوقية
ما قضية احتكار أبل؟
في شهر مارس 2024، رفعت وزارة العدل الأمريكية دعوى قضائية ضد شركة أبل اتهمتها فيها بأنها تستخدم نفوذها في سوق الهواتف الذكية للحد من المنافسة والاحتفاظ بالسيطرة على السوق. الوزارة زعمت أن أبل تفرض قيودًا تعاقدية على مطوري التطبيقات وتحجب عنهم حق الوصول إلى المستخدمين عبر متجر أبل ستور إذا لم يلتزموا بالقيود التي فرضتها عليهم، مما يؤثر على نمو التطبيقات الجديدة ويقلل من جاذبية المنتجات المنافسة.
الدعوى القضائية تشير أيضًا إلى أن هذه الأفعال تؤدي إلى ارتفاع الأسعار للمستهلكين وتقليل خياراتهم، وتضييق الخيارات المتاحة لهم.
ولفهم أوضح لهذه القضية، يعد النزاع القانوني بين شركة إيبك غيمز، مطور لعبة فورتنايت Fortnite التي تعد واحدة من أشهر الألعاب الإلكترونية في العالم، وأبل، أوضح مثال على ذلك. في أغسطس من العام 2020 وفي خطوة مفاجئة، قامت شركت أبل بحذف لعبة فورتنايت Fortnite التي تعود إلى إيبك غيمز من متجر آب ستور، مما أدى إلى عدم توفرها للتحميل على أجهزة آيفون التي تعمل بأنظمة تشغيل آي أو إس، وهو ما أضر بالمستخدمين الذين يصل عددهم بالملايين.
يعود سبب الحذف إلى تغيير قامت به شركة إيبك غيمز، المطورة للعبة، في نظام الدفع والشراء للعناصر الرقمية من داخل اللعبة، حيث أضافت خيار الدفع المباشر عبر نظامها الخاص، متجاهلة نظام الدفع الخاص بأبل، الذي يفرض عمولة تصل إلى 30% على كل عملية شراء داخل الألعاب والتطبيقات.
اقرأ أيضًا.. «إيبك غيمز» تنتصر على «غوغل» في قضية «فورتنايت».. ما القصة؟
يشبه هذا الخلاف، الخلاف الذي وقع بين غوغل وإيبك غيمز في عام 2018 أيضًا، حين بدأت إيبك غيمز في توجيه لاعبي فورتنايت إلى التنزيلات المباشرة بعيدًا عن متجر غوغل بلاي.
واعتبرت أبل وغوغل أن هذا التغيير يخالف شروط وقوانين متاجرهما، وأنه يمثل محاولة للتهرب من دفع العمولات، ولذلك قررتا حذف اللعبة من متاجرهما، مما أثار غضب اللاعبين والمطورين على حد سواء. وقد ردت شركة إيبك غيمز على الحذف برفع دعوى قضائية ضد أبل وغوغل، متهمة إياهما بممارسة الاحتكار والتحكم في السوق، مطالبة بإعادة اللعبة إلى المتاجر وإلغاء العمولات المفروضة على الشراء داخل اللعبة، وانتهى النزاع بين إيبك غيمز وأبل في عام 2021 لصالح أبل فيما استمر النزاع مع غوغل الذي انتهى بحكم لصالح شركة الألعاب.
وفقًا لموقع «ذي فيرج» المتخصص في التكنولوجيا، فإن الدعوى القضائية الأخيرة التي رفعتها وزارة العدل ونحو 15 ولاية أميركية، تزعم وزارة العدل أن شركة آبل تحظر التطبيقات «الفائقة»، وتمنع خدمات البث السحابي عبر الهاتف المحمول، وتحظر تطبيقات المراسلة عبر الأنظمة الأساسية، وتحد من المحافظ الرقمية التابعة لجهات خارجية، بل وتحد من مدى جودة عمل الساعات الذكية التابعة لجهات خارجية على منصاتها.
اقرأ أيضًا.. هل تذكُرونَ «إنترنت إكسبلورر»؟ غوغل قد يواجه نفس المصير!
كيف تؤثر قضية احتكار أبل على مستقبل الشركة؟
تعد هذه هي المرة الثالثة خلال 14 عامًا، التي تقاضي فيها وزارة العدل الأميركية شركة أبل متهمة إياها بمخالفة قوانين مكافحة الاحتكار. وفي مؤتمر صحفي أعلنت فيه عن الدعوى، أشارت المدعية العامة، ليزا موناكو إلى أن سياسات أبل أدت إلى «خنق الصناعة»، وهو ما علقت عليه ريبيكا هاو ألينسوورث، أستاذة القانون بجامعة فاندربيلت، بأنها دعوى وزارة العدل «أقوى مما كان متوقعًا»، موضحة أنها «تقدم رواية مقنعة» حول كيفية سعي أبل للحفاظ على هيمنتها من خلال تقييد فائدة منتجاتها، مثل الآيفون والتطبيقات، للمستهلكين.
في تقرير لموقع «ياهو فايننس»، تحدث عما وصفه بـ«عواقب وخيمة على مختلف أعمال الشركة»، موضحًا أنه «إذا فازت وزارة العدل، فقد تضطر الشركة إلى منح شركات الطرف الثالث (مطوري التطبيقات) وصولاً أكبر إلى ميزات آيفون بما في ذلك Apple Wallet، ودعم التطبيقات عبر أنظمة IOS، ودعم التوافق مع الأجهزة الأخرى المنافسة، وصولًا إلى السماح بمتاجر تطبيقات الشركات الأخرى على أنظمة IOS.
العواقب الوخيمة التي يقدرها تقرير «ياهو فايننس» إذا فازت وزارة العدل في القضية تأتي في مسارين، الأول: الإضرار بقدرة الشركة على اللحاق بركاب ثورة الذكاء الاصطناعي، والحوسبة المكانية، التي تعتزم خوض غمارها، تمامًا كما استحوذت دعوى مكافحة الاحتكار التي رفعتها ضد مايكروسوفت في أواخر التسعينيات وانتهت بتعطيل مايكروسوفت عن اللحاق بسوق الهواتف الذكية، لكن وفقًا لـ «ذي فيرج» ومع الأخذ في الاعتبار الوقت الطويل الذي استغرقته قضية وزارة العدل ضد مايكروسوفت في التسعينيات، من المتوقع أن تكون لهذه القضية تداعيات كبيرة وقد تحتاج إلى وقت طويل للوصول إلى حل.
أما المسار الثاني، فإنه في حال نجاح الدعوى، فقد تُجبر أبل على تغيير بعض سياساتها أو حتى إجراء تغييرات هيكلية داخل الشركة، كما حدث مع مايكروسوفت في دعوى الاحتكار حين كانت مهددة بالتقسيم، إلا أن ما منع ذلك وقتها التسوية التي تمت بين وزارة العدل والشركة، التي انصاعت في النهاية فتحت نظام ويندوز أمام متصفحات وخدمات الويب المنافسة.
كيف يرى المراقبون قضية احتكار أبل؟
يعتقد مراقبون أن دعوى الاحتكار هذه من شأنها إلهاء إدارة شركة أبل في مستوياتها العليا عن الالتفات إلى خططها المقبلة. أندي وو، الأستاذ في كلية هارفارد للأعمال، يوضح أنه «إذا كانت الشركة تعتقد أن الواقع الافتراضي هو الجيل التالي من الحوسبة بعد الهاتف الذكي، فإنها تحتاج إلى صب تركيزها على ذلك، وتجنب الدخول في نزاعات تمثل مخاطرة كبرى على مستقبلها».
هناك بعض السوابق لهذا الخط من التفكير. ألقى بيل غيتس، المؤسس المشارك لشركة مايكروسوفت والرئيس التنفيذي السابق، باللوم على معركة شركته لمكافحة الاحتكار مع وزارة العدل الأمر الذي تسبب في فشلها في اقتحام سوق الهواتف الذكية والاستيلاء عليها. أطلقت مايكروسوفت في النهاية هاتف ويندوز آيفون الخاص بها، حتى أنها استحوذت على شركة نوكيا مقابل 7.2 مليار دولار، لكنها فشلت في اللحاق بالركب وقررت الشركة التركيز على أعمالها السحابية بدلاً من ذلك.
يقول جين مونستر، الشريك الإداري لشركة ديب ووتر آسيت مانجيمنت (Deepwater Asset Management)، إنه على الرغم من أنه لا يعتقد أن قضية مكافحة الاحتكار ستشكل مصدر إلهاء كبير لقدرة Apple على الابتكار، إلا أنها بالتأكيد تمثل تهديدًا.
اقرأ أيضًا.. صراع مواهب الذكاء الاصطناعي.. كيف استقطب ماسك علماء من غوغل؟
من الممكن أن تؤدي المعركة القانونية التي قد تطور أيضًا إلى الإضرار بالصورة العامة لشركة أبل التي تم صياغتها بعناية. «السؤال هو، هل تمتلك شركة أبل الوقت الذي يسمح لها بخوض هذا الصراع، هل ستخاطر بصورتها الذهنية التي تتمتع بها لدى مستهلكيها». يقول مؤسس شركة تيكنولوجي ريسيرش (TECHnalogy Research) وكبير المحللين بوب أودوني، «أعتقد أن هذا شيء يحتاجون إلى التفكير فيه».
لقد اكتسبت شركة أبل قاعدة جماهيرية قوية حول العالم بفضل جودة أجهزتها المتميزة وبرامجها سهلة الاستخدام وخدمة العملاء. لكن المعركة القانونية الطويلة والعناوين السلبية يمكن أن تعرض ذلك للخطر، وفقًا لتقرير ياهو فايننس، فمعنويات المستهلك يمكن أن تتغير بين عشية وضحاها، وهذا بالتأكيد قد يمثل مشكلة لشركة أبل.
في النهاية لا تزال دعوى مكافحة الاحتكار التي رفعتها وزارة العدل في مراحلها الأولى، ومن المؤكد أن شركة آبل ستحاربها بأكبر قدر ممكن من القوة. وعلى الرغم من أنها نجت من عواصف كبيرة من قبل، بما في ذلك المعارك التنظيمية في الاتحاد الأوروبي، فليس هناك ما يضمن أن الشركة ستخرج من هذه المعركة سالمة.