قبل 3 أعوام من الآن، رفعت شركة إيبك غيمز (Epic Games)، الشركة المصنعة للعبة الفيديو الشهيرة فورتنايت (Fortnite)، دعوى قضائية ضد عملاق البحث غوغل، تتهمه فيها بممارسة الاحتكار من خلال جعل متجر التطبيقات غوغل بلاي (Google Play) مهيمنًا على السوق بما لا يسمح بوجود أي متاجر تطبيقات أخرى للعمل على نظام تشغيل أندرويد.
وبالأمس، قضت المحكمة لصالح إيبك غيمز، في حكم تاريخي ضد غوغل، سيمنح الحرية للمرة الأولى لمطوري الألعاب بشأن كيفية توزيع تطبيقاتهم وجني ملايين الدولارات بما يعيد رسم مستقبل هذه الصناعة وحقوق المطورين واللاعبين، بعد انتهاء أكبر النزاعات في تاريخ صناعة الألعاب الإلكترونية.
ما أصل الصراع بين إيبك غيمز وغوغل؟
في أغسطس من العام 2020 وفي خطوة مفاجئة، قامت شركتا أبل وغوغل بحذف لعبة فورتنايت Fortnite التي تعود إلى إيبك غيمز وتعد واحدة من أشهر الألعاب الإلكترونية في العالم، من متاجرهما الإلكترونية الآب ستور وغوغل بلاي، مما أدى إلى عدم توفرها للتحميل على أجهزة الهواتف الذكية التي تعمل بأنظمة تشغيل آي أو إس وأندرويد.
يعود سبب الحذف إلى تغيير قامت به شركة إيبك غيمز، المطورة للعبة، في نظام الدفع والشراء للعناصر الرقمية من داخل اللعبة، حيث أضافت خيار الدفع المباشر عبر نظامها الخاص، متجاهلة نظامي الدفع الخاصين بأبل وغوغل، اللذين يفرضان عمولة تصل إلى 30% على كل عملية شراء داخل الألعاب والتطبيقات.
لم يكن الخلاف بين الشركتين جديدًا. في عام 2018 أيضًا بدأت إيبك غيمز في توجيه لاعبي فورتنايت إلى التنزيلات المباشرة بعيدًا عن متجر غوغل بلاي.
واعتبرت أبل وغوغل أن هذا التغيير يخالف شروط وقوانين متاجرهما، وأنه يمثل محاولة للتهرب من دفع العمولات، ولذلك قررتا حذف اللعبة من متاجرهما، مما أثار غضب اللاعبين والمطورين على حد سواء. وقد ردت شركة إيبك غيمز على الحذف برفع دعوى قضائية ضد أبل وغوغل، متهمة إياهما بممارسة الاحتكار والتحكم في السوق، مطالبة بإعادة اللعبة إلى المتاجر وإلغاء العمولات المفروضة على الشراء داخل اللعبة، وانتهى النزاع بين إيبك غيمز وأبل في عام 2021 لصالح أبل فيما استمر النزاع مع غوغل الذي انتهى بحكم لصالح شركة الألعاب.
اقرأ أيضًا.. كيف تبث ألعاب الفيديو وتربح المال على إكس وستريم لابز؟
ماذا تريد شركة إيبك غيمز في الأساس؟
بحسب تقرير لـ«بي بي سي» يعد متجر غوغل بلاي (Google Play) أحد أكبر متاجر التطبيقات في العالم، ويتنافس مباشرة مع متجر تطبيقات Apple.
يعمل نظام أندرويد على تشغيل ما يقرب من 70% من الهواتف الذكية على مستوى العالم، ووفقًا لشركة إيبك غيمز، يتم توزيع أكثر من 95% من تطبيقات أندرويد من خلال متجر غوغل بلاي.
لا يعد المتجر مربحًا لعملاق التكنولوجيا مثل محرك البحث، لكن النظام الأساسي يمنح غوغل إمكانية الوصول إلى مليارات الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية.
تقول إيبك غيمز في الدعوى القضائية إن غوغل «تقمع الابتكار والاختيار» من خلال «شبكة من الاتفاقيات السرية المانعة للمنافسة»، تضيف الشركة «أنه على مدار المحاكمة، رأينا أدلة على أن غوغل كانت على استعداد لدفع مليارات الدولارات لخنق متاجر التطبيقات البديلة من خلال الدفع للمطورين للتخلي عن جهودهم في المتجر وخطط التوزيع المباشرة، وتقديم اتفاقيات مربحة للغاية مع الشركات المصنعة للأجهزة مقابل استبعادها».
وتؤكد إيبك غيمز أن غوغل تستخدم طرق غير عادلة لمنع المطورين من بيع ألعابهم وتطبيقاتهم في مكان آخر. تقول الشركة إن غوغل تختار المطورين الكبار وتعطيهم أموالًا كثيرة ليبقوا في متجرها، مشيرة إلى أنها فعلت ذلك مع أكتيفيجين بليزارد (Activision Blizzard)، وهي شركة تصنيع الألعاب المشهورة مثل كاندي كراش (Candy Crush) وكول أوف دوتي (Call of Duty) التي دفعت لها 360 مليون دولار تقريباً لتوقيع عقد لمدة ثلاث سنوات.
وتسعى إيبك إلى أن تنهي هذه الممارسات وتجعل Google تسمح للمطورين ببيع ألعابهم وتطبيقاتهم في أي مكان يريدون. ولإثبات قضيتها، استندت إيبك غيمز إلى القسمين 1 و2 من قانون مكافحة الاحتكار الأمريكي، وقانون شيرمان، بالإضافة إلى قوانين مكافحة المنافسة في كاليفورنيا، وقانون كارترايت، وقانون المنافسة غير العادلة. وأكدت أن غوغل تقيد المنافسة داخل سوقين منفصلين، بما في ذلك توزيع التطبيقات على مستخدمي أندرويد وسوق حلول معالجة الدفع للمحتوى داخل تطبيقات أندرويد.
اقرأ أيضًا.. «نقطة» السعودية تدخل شراكة استراتيجية مع «ساندبوكس» لتطوير ألعاب Web3
ما حجج غوغل في مواجهة إيبك غيمز؟
تجادل شركة غوغل بأن عمولاتها لا ترتبط فقط بمعالجة الدفع، بل تساعدها على تطوير ميزات وعناصر تحكم أخرى للحفاظ على أمان مستخدمي أندرويد وتوجيههم لاكتشاف التطبيقات الجديدة، فضلاً عن المساعدة في تمويل الأدوات والخدمات التي يحتاجها المطورون، لبناء تطبيقاتهم وتنميتها.
تقول غوغل أيضًا إنها تساعد المطورين في الوصول إلى جمهور أوسع يتجاوز الهواتف المحمولة، من خلال دعم أندرويد عبر الأنظمة الأساسية، بدءًا من الأجهزة اللوحية إلى أجهزة التلفزيون والسيارات والمزيد، مؤكدة في الوقت نفسه أن عمولاتها تنافسية، وأنها توفر مكافآت إضافية مثل مدى الوصول وأمن المعاملات والحماية من البرامج الضارة.
غوغل تشير أيضًا إلى أنها طرحت خيارًا جديدًا لمطوري التطبيقات يسمى User Choice Billing، والذي رفضت إيبك غيمز استخدامه. هذا البرنامج، الذي لا يزال في مرحلة الاختبار التجريبي، مفتوح لجميع المطورين الذين يبيعون التطبيقات في 35 سوقًا حيث يتوفر الآن، بما في ذلك الولايات المتحدة، ويقلل العمولة القياسية بنسبة 4% للشركات التي تختار استخدام حل معالجة الدفع الخاص بها.
بحسب تقرير تيك كرانتش كان تطبيقي سبوتيفاي (Spotify) وبامبل (Bumble) هما المختبرين الأوليين للنظام الجديد، الذي تم تقديمه لأول مرة في نوفمبر 2022، وسيستفيد تطبيق المواعد ماتش (Match) الآن أيضًا من هذا الخيار، كجزء من اتفاقية التسوية الخاصة به.
اقرأ أيضًا.. ألعاب فيديو ديسمبر 2023.. مغامرات آفاتار وإثارة البلوكشين
ماذا قالت المحكمة؟
في يوم الاثنين، انحازت هيئة المحلفين إلى إيبك غيمز ضد غوغل، مؤكدة صحة مزاعم شركة الألعاب حول ممارسات غوغل التي اعتبرتها انتهاك للقوانين الفيدرالية، حيث وجدت الهيئة أن غوغل حولت متجر تطبيقات غوغل بلاي ونظام الدفع الخاص بها إلى أداة احتكار.
وأجابت الهيئة بنعم على كل سؤال أمامها حول ممارسات غوغل الاحتكارية، وارتكاب السلوك الذي يحد من للمنافسة.
ماذا بعد الحكم الصادر لصالح إيبك غيمز ضد غوغل؟
بعد صدور الحكم أمس، قالت إيبك غيمز في منشور على مدونة شركتها: «إن حكم اليوم يعد بمثابة فوز لجميع مطوري التطبيقات والمستهلكين حول العالم، وأنه يثبت أن ممارسات متجر تطبيقات غوغل غير قانونية وأنهم يسيئون استخدام احتكارهم لانتزاع رسوم باهظة وخنق المنافسة وإضعاف الابتكار».
وأشادت إيبك بالتنظيم في الأعمال الذي يمكن أن يضع المزيد من القيود على ممارسات البرامج المهيمنة لشركتي أبل وغوغل، مستشهدة بقانون الأسواق الرقمية والمنافسة والمستهلك في المملكة المتحدة وقانون الأسواق الرقمية للاتحاد الأوروبي في الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من أن إيبك غيمز لم ترفع دعوى قضائية للحصول على تعويضات، إلا أن تيم سويني، الرئيس التنفيذي للشركة، أشار إلى أن إيبك غيمز ستجني مئات الملايين أو حتى مليارات الدولارات إذا لم تضطر إلى دفع رسوم غوغل.
وقال نائب رئيس شؤون غوغل والسياسة العامة، ويلسون وايت، إن الشركة تخطط لاستئناف الحكم، وأن «المحاكمة أوضحت أننا نتنافس بشدة مع شركة أبل ومتجر التطبيقات الخاص بها، بالإضافة إلى متاجر التطبيقات على أجهزة أندرويد ووحدات التحكم في الألعاب أي أن هناك منافسة ولا يوجد احتكار».
وأضاف «سنواصل الدفاع عن نموذج أعمال أندرويد وسنظل ملتزمين بشدة تجاه مستخدمينا وشركائنا ونظام Android البيئي الأوسع».
لكن حتى الآن لم تحدد المحكمة ما لإيبك غيمز، وما لـ غوغل، الأمر متروك للقاضي جيمس دوناتو، الذي سيقرر ما هي الحلول المناسبة. لم ترفع شركة إيبك دعوى قضائية مطلقًا للحصول على تعويضات مالية؛ إنها تريد من المحكمة أن تخبر غوغل أن كل مطور تطبيقات لديهم الحرية الكاملة في تقديم متاجر التطبيقات الخاصة بهم وأنظمة الدفع الخاصة بها على أندرويد.
وبحسب تيك كرانتش، سيجتمع الطرفان مع القاضي دوناتو في الأسبوع الثاني من شهر يناير لمناقشة سبل الانتصاف المحتملة.
ولكن إذا ظل الحكم قائمًا، فقد تضطر غوغل إلى السماح بمزيد من متاجر التطبيقات على الأجهزة التي تعمل بنظام أندرويد، وستخسر الإيرادات التي تحققها من أي عمليات شراء داخل التطبيق.