«عودوا إلى مهمتنا ورؤيتنا يا أهل علي هيا».. كانت هذه الكلمات هي الأولى التي ينطق بها جاك ما مؤسس علي بابا، امبراطورية التجارة الإلكترونية الصينية، في رسالة لموظفيه، كسر بها صمته منذ أن خرج من دائرة الضوء في عام 2019 حيث استقالته من منصب رئيس مجلس الإدارة، فلماذا عاد الرجل الآن بعد توقعات أن لا عودة أخرى، وما الظروف والملابسات التي عاد فيها الرجل، وكيف يرى المحللون عودته؟
في عام 2019 استقال مؤسس علي بابا من منصب رئيس مجلس الإدارة، وقبلها بست سنوات كان قد استقال من منصب الرئيس التنفيذي. جاءت استقالة جاك ما من منصبه في عام 2019 بعد إلغاء الطرح العام الأولي لشركة أنت غروب (Ant Group)، على خلفية حملات قادتها السلطات لمنع أقوى الشركات في صناعة التكنولوجيا من ممارسات تتيح لها الاستفادة من منصاتها للسيطرة على الشركات الناشئة، من جهة، والانتقادات العلنية التي وجهها جاك ما إلى السلطات في ذلك الوقت، من جهة أخرى.
ظل الرجل بعيدًا عن الأنظار للدرجة التي توقع معها البعض أنه عاد إلى مهنته الأصلية وهي التدريس بعد انضمامه إلى عضوية هيئة التدريس في كلية طوكيو مارس الماضي، بحسب صحيفة اليابان تايمز.
اقرأ أيضًا.. نصائح جاك ما مؤسس علي بابا الملهمة للنجاح
لماذا عاد مؤسس علي بابا؟
كانت شركة علي بابا، ذات يوم الشركة الأكثر قيمة في الصين بـ850 مليار دولار. كان ذلك قبل ثلاث سنوات. واليوم تراجعت القيمة السوقية للشركة حتى بلغت حوالي 190 مليار دولار. لقد تخلفت الشركة كثيرًا عن شركة الألعاب ووسائل التواصل الاجتماعي الرائدة تينسنت. وهي الآن معرضة لخطر أن تتفوق عليها شركة PDD، وهي شركة تجارة إلكترونية ناشئة وصلت قيمتها إلى 176 مليار دولار مع توسع ناجح في الخارج.
في شهر مارس الماضي، كشف الرئيس التنفيذي دانييل تشانغ عن خطط لتقسيم علي بابا إلى ست وحدات مختلفة، بدعوى أن ذلك من شأنه أن يمنح إدارة كل قسم المزيد من الاستقلالية وتنشيط عملياته. ثم تنحى تشانغ عن منصبه وسلمت الشركة السيطرة إلى اثنين من المقربين من جاك ما، وهما جو تساي وإدي وو. وسرعان ما أعلن الزوجان أنهما قد أوقفا صفقة إدارج ذراع الحوسبة السحابية التي تبلغ قيمتها 11 مليار دولار والتي تتنافس مع «خدمات الويب لأمازون» و«ميكروسوفت آزور» ومنصة «غوغل كلاود».
بحسب صحيفة فاينانشيال تايمز، يأتي تدخل مؤسس علي بابا في لحظة حرجة بالنسبة للشركة، مع قيام الرئيس الجديد إيدي يونغ مينغ وو بإعادة التفكير في خطة إعادة هيكلة المجموعة، والتي بموجبها كان من المتوقع أن تنقسم الشركة إلى ست وحدات أعمال مختلفة، تسمى «الباب الصغير». في وقت سابق من هذا الشهر، ألغى وو أجزاء من إعادة الهيكلة، بما في ذلك إدراج ذراع أعمال الحوسبة السحابية.
أدت كل هذه الخطط إلى تشتيت تركيز شركة علي بابا في الوقت الذي باتت تواجه فيه الشركة منافسة من أمثال PDD وأيضًا ByteDance، الشركة الأم لـ TikTok وDouyin.
اقرأ أيضًا.. شركة علي بابا تقتحم المنافسة في الميتافيرس
ارتباك داخلي.. هل ينهيه مؤسس علي بابا؟
كان العديد من موظفي شركة علي بابا يوم الأربعاء يناقشون كيف ستتفوق شركة Pinduoduo عليهم قريبًا، وفقًا لشخص مقرب من الشركة. وقال موظفون إن التراجع عن خطة إعادة الهيكلة خلق الكثير من الارتباك داخليا.
وقال اثنان من الموظفين، تحدثا إلى فاينانشيال تايمز، إن علي بابا خططت أيضًا لإنشاء شركة منفصلة للتعامل مع خدمات تكنولوجيا المعلومات في جميع الأقسام، من التجارة الإلكترونية إلى وسائل الإعلام. ولكن بعد أشهر من التحضير، تم إلغاء الخطط. وقال أحد الموظفين: «لا أعرف ما يخبئه المستقبل لإعادة هيكلة الشركة».
في هذه الظروف، وفي ظل التهديدات من قبل المنافسين ظهر مؤسس علي بابا من جديد، لقد حث جاك ما، فجأة على موقع للتواصل الداخلي، موظفي شركته على «التغيير والإصلاح»، وكتب ما في منشور نُشر في المنتدى الداخلي لعلي بابا يوم الأربعاء: «أعتقد اعتقادا راسخا أن علي بابا ستتغير وتصلح، وأعتقد أن موظفي علي بابا يراقبون ويستمعون دائمًا».
كان مؤسس علي بابا يرد على منشور لأحد الموظفين حول النتائج المالية «المذهلة» للربع الثالث من شركة PDD Holdings، والتي شهدت مضاعفة إيرادات شركة علي بابا الناشئة المنافسة إلى 9.4 مليار دولار.
في منشوره، هنأ جاك ما شركة PDD على «إصرارها على النجاح خلال السنوات القليلة الماضية»، لكنه أضاف أن «الشركات التي قامت بالإصلاح من أجل المستقبل هي وحدها التي نالت الاحترام».
وكتب الملياردير: «كل شركة عظيمة تولد في فصل الشتاء»، في إشارة إلى ضرورة النهوض قريبًا، مضيفًا مع «بدء عصر الذكاء الاصطناعي للتجارة الإلكترونية، فهو يمثل فرصة للجميع كما يمثل تحديًا».
وأعرب جاك ما عن ثقته في قدرة الموظفين الذين يزيد عددهم على 220 ألف موظف على العودة إلى «نجاحهم الماضي بالعزم والعمل الجاد».
اقرأ أيضًا.. مؤسس علي بابا يعود للتدريس.. هل انتهت مسيرة جاك ما؟
كيف يرى المحللون عودة مؤسس علي بابا؟
وقال دنكان كلارك، مؤلف «كتاب علي بابا: البيت الذي بناه جاك ما» ورئيس شركة الاستشارات الاستثمارية BDA China: «إن هذا التدخل له أهمية خاصة بالنظر إلى أننا لم نسمعه يتحدث عن أي شيء متعلق بالشركة منذ أكثر من ثلاث سنوات، لقد كان يُنظر إليه دائمًا على أنه الحاكم المطلق والسلطة الأخلاقية داخل الشركة، بما في ذلك قول الحقيقة التي لا يجرؤ عليها الآخرون».
توقع كلارك في تصريحات لصحيفة اليابان تايمز، أن «عودة ظهور ما قد تكون إشارة متفائلة لمستقبل علي بابا».
وأضاف: «هذا تطور إيجابي للشركة، التي من الواضح أنها تحتاج إلى إعادة ضبط بعد خطط إعادة الهيكلة الفاشلة».
وقال بروك سيلفرز، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة الأسهم الخاصة كايوان كابيتال لبلومبرغ: يبدو أن المؤسس شعر بضرورة التدخل، مشيرًا إلى أنه توقف عن تقليص حصته في الشركة، حيث إن سعر السهم لم يكن عند هذا المستوى لا يبعث على السعادة.