لقد أثبتت شركة إنفيديا (Nvidia)، المتخصصة في تصميم الرقائق الإلكترونية، نفسها كرائدة ليس فقط مع ازدهار الذكاء الاصطناعي، بل في مجمل تاريخ البورصة حتى الآن. فقد شهدت الشركة، ارتفاعًا في قيمتها السوقية عند 2.2 تريليون دولار ما مهد لها الطريق لصدارة المركز الثالث من حيث القيمة السوقية بعد شركتي أبل بـ2.7 تريليون دولار، ومايكروسوفت بـ3.1 تريليون دولار، فما السر وراء هذا النجاح؟ وكيف استطاعت شركة نشأت في عام 1993 أن تتفوق على عمالقة مثل ألفابت مالك عملاق البحث غوغل، وأمازون عملاق التجارة الإلكترونية، وتحتل المرتبة الثالثة كأكبر شركة قيمة في العالم؟
الذكاء الاصطناعي كلمة السر
قبل التطرق إلى ماذا تقدم شركة إنفيديا، وما سر تفوقها، ينبغي معرفة أن أنظمة الذكاء الاصطناعي – التي كانت أحد المحركات الرئيسية للطفرة التي حققتها شركة إنفيديا – تحتاج إلى قدرات حاسوبية عالية جدًا. على سبيل المثال، روبوتات الدردشة مثل تشات جي بي تي (ChatGPT)، تتعلم من خلال قراءة وتحليل كم هائل من المعلومات الموجودة على الإنترنت، والتي قد تصل إلى تريليونات القطع من المعلومات. تُستخدم هذه المعلومات لتدريب شبكة عصبية تعمل على فهم وربط الكلمات والجمل ببعضها البعض. بعد تدريبها بمساعدة البشر، تستطيع هذه الشبكات الرد على الأسئلة بطريقة تشبه المحادثات الطبيعية بين البشر. ولكن، تحتاج هذه العملية إلى موارد حوسبية ضخمة، هذه الموارد تنتجها شركة إنفيديا، وتتمثل في رقاقة H100.
اقرأ أيضًا.. إنفيديا تكشف عن رقاقة جديدة «أكثر قوة» لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي
ما هي رقاقة H100 التي تنتجها شركة إنفيديا؟
تُعتبر شريحة H100 من أقوى الرقاقات التي تُستخدم في تطبيقات الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء، حيث تُوفر إمكانيات هائلة للعمل بسرعة فائقة وتنفيذ مهام معقدة، ولذلك فإن إنتاج الشركة لهذا النوع من الرقاقات الإلكترونية لعب دورًا محوريًا في زيادة قيمتها السوقية، وساعدها في التربع على عرش السوق بمبيعات تجاوزت 70% من إجمالي رقاقات الذكاء الاصطناعي، في وقت تتهافت الشركات الناشئة لاستثمار مئات الآلاف من الدولارات في تقنيات إنفيديا.
في الوقت نفسه كشفت إنفيديا عن رقاقة بي 200، وهي رقاقة رائدة للذكاء الاصطناعي تُعد نتاج دمج رقاقتين من شرائح إنفيديا السابقة. تحتوي الرقاقة الجديدة على 208 مليار مقاوم للنقل (ترانزستور)، مما يؤدي إلى تحسين الإنتاجية بشكل كبير.
وفق تقرير مجلة فورتشن الأميركية، تُعرف شركة إنفيديا بتطويرها لوحدات معالجة الرسومات المبتكرة، وهي نوع من الرقائق المعروفة بأدائها القوي في ألعاب الفيديو. بينما تتميز وحدات المعالجة المركزية (CPU) التي تنتجها الشركات الأخرى بقدرتها على إجراء العمليات الحسابية المعقدة بشكل متتالي، تمتلك وحدات معالجة الرسومات (GPU) من شركة إنفيديا القدرة على تنفيذ العديد من العمليات البسيطة في آن واحد، مما يجعلها مثالية وتناسب تمامًا الأنظمة الحاسوبية التي يحتاجها مطورو الذكاء الاصطناعي لإنشاء وتدريب النماذج الذكية.
اقرأ أيضاً.. ألعاب الفيديو لن تعود كما كانت قبل الذكاء الاصطناعي؟.. القصة لدى «إنفيديا»
ما سر تميّز شركة إنفيديا عن باقي منافسيها؟
وفق تقرير فورتشن، فإن شركة إنفيديا تعتبر البرمجيات جزءًا مهمًا من خطتها. بينما كانت الشركات الأخرى تهتم بصنع الرقائق، ركزت إنفيديا على تحسين برنامج يُسمى كودا (CUDA)، والذي يعمل مع الرقائق الخاصة بها. هذا الجمع بين البرمجيات والرقائق جعل منتجات إنفيديا مهمة جدًا للمبرمجين الذين يريدون العمل في مجال الذكاء الاصطناعي. وبذلك استطاعت إنفيديا تحقيق مكانة رائدة، حتى قبل ظهور تشات جي بي تي (ChatGPT)، إذ تتميز تصميمات شرائحها بتقدم كبير يجعل المحللين يتساءلون إن كان بإمكان الآخرين مجاراتها. فعلى عكس شركات مثل إيه آر إم هولدينغيز (Arm Holdings) وإنتل (Intel)، نجحت شركة إنفيديا في دمج الأجهزة مع البرمجيات الموجهة للذكاء الاصطناعي بطريقة فريدة.
إدوارد ويلفورد، من شركة أوميدا، يقول إن «إنفيديا نجحت في جعل استخدام كودا سهلًا جدًا مقارنة بالبرامج الأخرى»، مضيفًا أن «كودا هو سر نجاح إنفيديا وأنه سيستمر في مساعدة الشركة لفترة طويلة».
إنفيديا «استوعبت الفكرة قبل الجميع»
أحد الأسباب الرئيسية في تفوق إنفيديا أنها «سبقت الجميع» في تصميم رقائق من شأنها دعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي. في حديثه لـ «نيويورك تايمز»، أشار جنسن هوانغ، الشريك المؤسس والمدير التنفيذي لإنفيديا، إلى أن «أحد الاكتشافات المهمة التي قمنا بها هو أننا أدركنا أن التعلم العميق والذكاء الاصطناعي ليسا مجرد تحديات تقنية.. بل إنهما قد غيرا كل جانب من جوانب الحوسبة بشكل جوهري. لقد كنا على وعي بهذا منذ حوالي عقد ونصف. وأعتقد أن العديد من الأشخاص لا يزالون يسعون لفهم هذه التحديات».
وأضاف هوانغ أن إنفيديا «استوعبت الفكرة قبل الجميع»، مضيفًا «أننا على الأرجح الشركة الوحيدة التي استوعبتها بالفعل. ولا يزال الآخرون يحاولون استيعابها».
في الحقيقة، كانت إنفيديا تطور بصمت أجهزة موجهة للذكاء الاصطناعي على مدى سنوات. منذ العام 2012، استخدمت الشبكات العصبية الرائدة مثل أليكس نت (AlexNet) رقائق شركة إنفيديا كأساس تقني لها.
وأليكس نت، التي ساهم في تطويرها إيليا سوتسكيفر، أحد مؤسسي أوبن إيه آي (OpenAI) والعالم السابق بها، والذي غادر الشركة بعد خلاف مع الرئيس التنفيذي سام ألتمان، كانت من الأعمال البارزة في هذا المجال. هذا الابتكار المبكر منح إنفيديا ميزة كبيرة على منافسيها.
اقرأ أيضًا.. الرابحون من الذكاء الاصطناعي.. «إنفيديا» ليست وحدها
«الحوسبة المتسارعة»
هوانغ تحدث بحماس عن الأرباح الكبيرة لشركته وأشار إلى تغيير كبير في عالم الكمبيوتر. فقال إن الشركات لم تعد تستخدم الكمبيوترات لأغراض عامة فقط، بل بدأت تستخدم ما يُعرف بـ«الحوسبة المتسارعة»، التي تمكن الأجهزة الإلكترونية من أداء مهامها بكفاءة عالية وبسرعة كبيرة.
تبيع إنفيديا جهاز كمبيوتر قوي جدًا يسمى هوبر (Hopper) بسعر ربع مليون دولار. هذا الكمبيوتر مكون من العديد من القطع، والناس ينتظرون لأشهر لشرائه. الأشخاص الذين يحتاجون إلى قوة حاسوبية للذكاء الاصطناعي يستأجرونها من مجموعات مثل سان فرانسيسكو غروب (San Francisco Compute Group)، التي تملك الكثير من رقائق إنفيديا وتؤجرها بالساعة.
يقول ويلفورد: «ربما يمكن القول إنهم كانوا محظوظين جدًا، لكن هذا لا يعطيهم حقهم. لقد استغلوا كل فرصة سانحة لهم بشكل مثالي»، مضيفًا «إذا نظرت إلى الوراء خمس أو عشر سنوات، ستجد أنهم استفادوا من النمو في سوق ألعاب الكونسول. وعندما بدأت تلك السوق في الانحسار، انتقلوا إلى تعدين العملات المشفرة، وبعد ذلك، عندما بدأت تلك الصناعة في التراجع، انطلقوا في مجال الذكاء الاصطناعي».
يتوقع الخبراء أن إنفيديا ستستمر في النمو وتحقق نجاحًا أكبر في مجال الذكاء الاصطناعي إذا استمر الذكاء الاصطناعي في التطور كما يتوقعون.