مع حالة عدم اليقين التي تسيطر على المشهد في زمن الحرب، فقد يكون رد الفعل الطبيعي لبعض المستثمرين هو بيع الأصول التي يمتلكونها خلال هذه الأوقات بفعل الهيستريا التي تضرب الأسواق، والانجرار وراء سلوك القطيع. لكن على العكس من ذلك، يُظهر التاريخُ أن البيع في بداية الصراع يمكن أن يشكل خطرًا على الثروة على المدى الطويل. ولتجنب مخاطر تبخر ثروتك في هذا الوقت، يمكنك الاطلاع على نهج الاستثمار لدى من يمكن وصفهم بأساطير الاستثمار، من بينهم وارن بافيت، خامس أغنى أغنياء العالم، والمستثمر الأسطوري جون تمبلتون.
لماذا يُعدُّ النزاع وقتًا غير مناسب للتخلص من الأسهم؟
يُعتبر وارن بافيت واحدًا من أبرز المستثمرين الذين يتبعون استراتيجية الاستثمار بالقيمة والذين شهدوا الحرب العالمية الثانية وغيرها من النزاعات. في رسالته للمساهمين في عام 2014، والتي كتبها خلال فترة التوترات في أوكرانيا، شرح بافيت فلسفته الاستثمارية.
أكد بافيت أن الأوقات الحرجة كالحروب ليست الأوقات المثالية للتفريط في الأسهم، أو اكتناز النقود، أو الاستثمار في الذهب، نظرًا لتدهور قيمة العملة في هذه الأوقات. بدلاً من ذلك، يرى أنها فرصة للاستثمار في الشركات التي يُتوقع أن تزدهر على مدى الخمس إلى العشرين سنة القادمة.
اقرأ أيضًا.. 5 أخطاء تجنبها عند الاستثمار في الأسهم.. ماذا يقول وارن بافيت؟
في مقابلته مع سي إن بي سي لفت بافيت الانتباه إلى أهمية سعر الشراء، مُعلنًا أنه سيستمر في شراء الأسهم التي يعتقد في قيمتها حتى إذا ما اشتد الصراع، لأن الحرب قد تؤدي إلى انخفاض أسعارها. ما الذي يعنيه هذا؟
يُفضل بافيت الشراء التدريجي للأسهم على مر الزمن بدلاً من الشراء الفوري. ينصح بأن تقوم أولاً بتقييم الشركة، خططها التوسعية، الأرباح المتوقعة، والميزانية العمومية. وبمجرد أن تُصبح لديك فكرة واضحة عما يُمكن أن تتوقعه من السهم، يُمكنك البدء بشرائه على دفعات، ما لم يحدث شيء يُغير من قدرة الشركة على تحقيق الأرباح على المدى الطويل.
«اختيار الأسهم الناجحة ليس ضروريًا»
حينما يُطرح السؤال الأهم حول الأسهم التي ينبغي انتقاؤها، يُقدم بافيت إجابة مذهلة، «ليس من الضروري انتقاء الأسهم الناجحة». هذا التصريح جاء في إطار حديثه عن صناديق المؤشرات. يرى بافيت أن صناديق المؤشرات تُمثل خيارًا موثوقًا إذا كانت لديك ثقة في قدرة الولايات المتحدة على تجاوز الأزمات الراهنة كما فعلت في الماضي. وقد شهدت الأسواق المالية الأمريكية تعافيًا من عدة أزمات كبرى مثل أزمة الصواريخ الكوبية، هجمات 11 سبتمبر، والأزمة المالية العالمية.
من الممكن أن تنمو بعض الأسهم بشكل كبير، بينما قد تفشل أخرى، ولكن صندوق المؤشرات يُعيد تنظيم نفسه ويستثمر في الأسهم الصاعدة. يُجري مؤشر ستاندرد آند بورز عملية إعادة هيكلة دورية كل ثلاثة أشهر، حيث يُزيل الأسهم التي لا تفي بالمعايير ويُضيف الأسهم الجديدة التي تُفي بها. يُمكن للمؤشر أن يُبقيك مُستثمرًا في الأسهم التي تجذب الاستثمارات مع الحفاظ على تكاليف منخفضة.
اقرأ أيضًا: وارن بافيت يدخل عالم العملات المشفرة!
التشاؤم هو أفضل وقت للشراء
عند الحديث عن عمالقة الاستثمار في القرن العشرين، لا يمكن إغفال إسهامات السير جون تمبلتون (1912 – 2008). انطلق في رحلته الاستثمارية عام 1938، وأسس أول صندوق استثماري مشترك تحت اسم «صندوق تمبلتون للنمو» في عام 1954. بدأ الصندوق بمبلغ استثماري أولي قدره 10000 دولار، ونما ليتجاوز الـ2 مليون دولار بحلول العام 1992، وهو العام الذي قام فيه ببيع مجموعته الاستثمارية لمجموعة فرانكلين.
وفي عام 1999، منحته مجلة «Money» لقب «أمهر منتقي الأسهم في القرن». وعلى الرغم من براعته في انتقاء الأسهم، كان تمبلتون يتمتع برؤى استثمارية مبتكرة. من أبرزها، معتقده بأن الاستراتيجية المثلى للاستثمار تكمن في التناقض، حيث كان من الرواد في تقدير الإمكانات الاقتصادية لليابان في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
اقرأ أيضًا.. نصائح وارن بافيت لجيل الألفية: كيف تصبح ثريًا؟
في العام 1939، طبق تمبلتون مبدأ «اشتر بسعر منخفض، وبع بسعر مرتفع» بأقصى درجاته. مع تصاعد أجواء الحرب في أوروبا، استدان مبالغ مالية ليستحوذ على 100 سهم من كل شركة من بين 104 شركات متداولة بأقل من دولار للسهم في بورصة نيويورك. لم يكن تمبلتون، الحاصل على منحة رودس، متفائلاً بشكل غير واقعي، بل اعتبر أن مستوى التشاؤم السائد كان مبالغاً فيه، حتى بمعايير حرب عالمية وشيكة. وقد أثمرت نظرته المتناقضة عندما تبين أن فقط أربعة من تلك الاستثمارات كانت بلا قيمة، في حين حققت البقية أرباحاً ضخمة، مما مكنه لا من سداد الدين فحسب، بل وتحقيق أرباح مضاعفة لاستثماره الأولي. كان لهذه الخطوة الجريئة أثر بالغ في تشكيل فلسفته الاستثمارية، مؤمناً بأن الفرص الاستثمارية الأمثل تكمن غالباً في الأصول المنبوذة والمستهجنة. ويُعد قوله الشهير: «أفضل وقت للشراء هو ذروة التشاؤم، وأفضل وقت للبيع هو ذروة التفاؤل»، أدق تعبير عن هذه الفكرة.