قبل 30 عامًا على إدراجه في قائمة مجلة فوربس للمليارديرات، كان الطفل سام ألتمان الذي يبلغ الثامنة من عمره ويعيش في ضواحي سانت لويس مهووسًا بالبرمجة والتعامل مع أجهزة أبل ماكنتوش. لقد مهدت هذه الطفولة مسارًا تعليميًا ومهنيًا متميزًا. في عام 2003 التحق سام بجامعة ستانفورد لدراسة علوم الكمبيوتر، جنبًا إلى جنب مع رواد أعمال مثل أليكسيس أوهانيان من شركة ريديت، وجاستن كان، من شركة تويتش، قبل أن يترك دراسته ليطلق تطبيق لوبت تو (Loopt two) لمشاركة المواقع عبر الهواتف المحمولة، ثم الانضمام إلى مُسرِّع الشركات الناشئة واي كومبيناتور (Y Combinator)، إلى الاستثمار في عشرات الشركات الناشئة، وأخيرًا اعتلاء رئاسة شركة أوبن إيه آي (OpenAI) مبتكر برنامج الذكاء الاصطناعي الأشهر في العالم تشات جي بي تي (ChatGPT).
سر الشركات الناشئة
وفق مجلة فوربس، يُعتبر سام ألتمان واحدًا من بين خمسة مؤسسين لشركات ناشئة أثاروا الاهتمام بشكل كبير خلال الثلاثين عامًا الماضية، إلى جانب شخصيات بارزة مثل ستيف جوبز مؤسس شركة أبل، ولاري بيغ وسيرغي برين مؤسسي عملاق البحث غوغل.
في خضم إدارته لشركة لوبت تو، شرع سام ألتمان في ضخ استثمارات في مشاريع رواد الأعمال الآخرين. وفي عام 2010، قام بتوظيف «مبالغ متواضعة» في أربع شركات ناشئة، كما ذكر في منشور على موقع ريديت. وفي العام الذي يليه، تبوأ ألتمان مركز الشريك في شركة واي كومبينيتور، حيث أسهم في انتقاء الشركات الناشئة والاستثمار فيها وتقديم الإرشاد لها ضمن دفعات البرنامج، مع الحصول على نصيب من الأرباح المستقبلية.
وشركة واي كومبينيتور هي مسرعة أعمال تكنولوجية أمريكية تأسست في مارس 2005، وساعدت في إطلاق أكثر من 4000 شركة، بما في ذلك عملاق التأجير قصير الأجل إير بي إن بي (Airbnb)، وأكبر بورصة للعملات المشفرة بالولايات المتحدة، كوين بيز (Coinbase)، ومنصة التواصل الاجتماعي ريديت (Reddit). تقوم واي كومبينيتور بإجراء مقابلات واختيار مجموعتين من الشركات كل عام، وتتلقى الشركات المختارة ما مجموعه 500000 دولار من الأموال الأولية بالإضافة إلى المشورة والتواصل. كما توفر الشركة برامج إضافية وتدعم المنظمات غير الربحية التي تم قبولها في البرنامج.
في عام 2012، قام سام ألتمان ببيع شركته لوبت بمبلغ وصل إلى 43 مليون دولار. استثمر ألتمان جزءًا من العائدات في صندوق للاستثمار الجريء أسسه بقيمة 20 مليون دولار، أطلق عليه اسم هيدرازين كابيتال، وكان تحت إشراف الملياردير بيتر ثيل، المؤسس المشارك لشركة باي بال، وخلال هذه الفترة استثمر الصندوق 75% من رأسماله في شركات تابعة لواي كومبينيتور، وفقًا لما ذكرته مجلة نيويوركر في عام 2016، ومع هذه الاستثمارات، بدأ سام ألتمان يشهد نجاحًا ماليًا ملحوظًا.
ذكر ألتمان في مدونته عام 2014 أن خمسة من أول أربعين استثمارًا له قد حققت قيمة تزيد عن مئة ضعف رأس المال المستثمر فيها. وأشار إلى أن أفضل استثماراته، كما أعلن في فعالية «ستريكتلي في سي» العام الماضي، كانت في شركة سترايب للمدفوعات، وهي من بين أولى الشركات الخريجة من واي كومبيناتور التي استثمر فيها بشيك كتبه بخط يده، وذلك قبل حتى تسجيل الشركة رسميًا.
اقرأ أيضًا.. كيف هيمن سام ألتمان على سوق الذكاء الاصطناعي؟
رحلة واي كومبيناتور
خلال فترة وجود سام ألتمان في واي كومبيناتور، أثار سام ألتمان إعجاب المؤسس المشارك والرئيس بول غراهام، الذي أدرجه في فريق واي كومبينيتور في عام 2009.
عندما اختار بول جراهام التنحي عن إدارة مسرع الأعمال واي كومبينيتو في عام 2014، وقع اختياره بعناية على سام ألتمان ليكون خليفته. خلال فترة رئاسة ألتمان التي استمرت خمس سنوات، شهدت واي كومبيناتور توسعًا ملحوظًا، وتأسيس صندوق «كونتينيوتي» (Continuity) للاستثمار في الشركات الناشئة من خريجي واي كومبيناتور أثناء نموها، وإضافة العديد من البرامج، بما في ذلك الدورات التدريبية عبر الإنترنت للمؤسسين والمستثمرين الطموحين، ومؤتمر للبحث عن «إيلون ماسك المستقبلي».
بصفته الرئيس التنفيذي، عمل سام ألتمان على توحيد نظام الرواتب للشركاء الرئيسيين في الشركة، بما في ذلك نفسه، لضمان حصولهم جميعًا على حصص متساوية من الأرباح التي جُمعت في صندوق واي كومبيناتور خلال تلك الفترة. وشمل ذلك الصندوق الأول لـ«كونتينيوتي» (Continuity) بقيمة 700 مليون دولار والصندوق الثاني بقيمة مليار دولار، وفقًا لمصدر مُطلع. واصل ألتمان أيضًا استثماراته الشخصية، مركزًا بشكل أساسي على الشركات الناشئة المنبثقة من واي كومبيناتور، مثل شركة هيليون للطاقة النووية، التي أعرب عن تشجيعه لها للانضمام إلى البرنامج في عام 2014، وسوبر هيومن، حيث كان له تعاون سابق مع الرئيس التنفيذي لها. وفي عام 2015، كُرّم ألتمان في قائمة فوربس الأولى لأفضل 30 شخصية تحت سن الـ30 في مجال رأس المال الجريء.
تضارب مصالح
من المعتاد أن يدير شركاء واي كومبيناتور مشروعات خاصة بهم – فعلى سبيل المثال، انضم سام ألتمان إلى واي كومبيناتور لأول مرة بينما كان يدير شركة لوبت. ومع ذلك، قد تؤدي هذه المشاريع الجانبية إلى تضارب مصالح مع واي كومبيناتور. هذا ما حدث مع غاري تان وأليكسيس أوهانيان، اللذين قاما بالاستثمار من خلال صندوق رأس المال الاستثماري إنيشيالايزد كابيتال (Initialized Capital)، أثناء كونهما شريكين في واي كومبيناتور، ثم انتقلا للعمل بدوام كامل في الصندوق تحت إدارة ألتمان، مع فترة عمل أوهانيان في ريديت في الفترة الانتقالية.
بالنسبة لألتمان، كان المشروع الإضافي هو أوبن إيه آي، وهي المؤسسة غير الربحية التي شارك في تأسيسها في عام 2015 مع ماسك وآخرين لتطوير نظام ذكاء اصطناعي، أو ما يُعرف بـ«الذكاء الاصطناعي العام». كانت عملية انتقال ألتمان إلى أوبن إيه آي مليئة بالفوضى. في مارس 2019، أعلنت واي كومبيناتور عن مغادرته. وبعد ثلاثة أيام، كشفت أوبن إيه آي عن تأسيس كيان جديد ذو أهداف ربحية محدودة يتيح لها جمع تمويلات أكبر، وتولى ألتمان منصب الرئيس التنفيذي لهذا الكيان. وأفادت صحيفة واشنطن بوست لاحقًا بأن غراهام عاد بنفسه من إنجلترا، حيث يقيم مع عائلته، ليقيل ألتمان خلال تلك الفترة. في فبراير 2024، صرح ألتمان لمجلة فوربس: «كنت أرغب بالتأكيد في إدارة أوبن إيه آي بدوام كامل».
اقرأ أيضًا.. سام ألتمان vs إيلون ماسك.. من ينتصر في معركة الذكاء الاصطناعي؟
ثروة سام ألتمان
على مدار مسيرته المهنية استثمر ألتمان مبالغ مالية كبيرة، وامتلك مجموعة معقدة من الأصول التي لم يتم فهمها بشكل كامل. بعد مراجعة أكثر من عشرة مستندات تنظيمية والتحدث مع عدد من الأشخاص الذين لديهم معرفة بالاستثمارات التي قام بها، توصلت «فوربس» إلى تقدير شامل لصافي ثروته يبلغ مليار دولار، مما يضعه ضمن فئة المليارديرات لأول مرة.
تشكل الاستثمارات في الشركات الناشئة الجزء الأكبر من ثروة ألتمان. تتنوع هذه الاستثمارات من حصص في شركات تابعة لـ واي كومبيناتور (YC) مثل ريديت (Reddit)، التي أصبحت مؤخرًا شركة عامة، وسترايب (Stripe)، وهي شركة تكنولوجيا مالية، إلى استثمارات أكبر مثل شركة هيليون (Helion) للطاقة النووية وشركة ريترو بيوساينسز (Retro Biosciences) الناشئة.
تقدر فوربس قيمة حصة ألتمان من الصناديق التي استثمر من خلالها، بما في ذلك هيدرازين كابيتال (Hydrazine Capital) وأبولو بروجكتس (Apollo Projects)، بـ 145 مليون دولار. وتُقدر الشيكات الكبيرة التي كُتبت لشركتي هيليون (Helion) وريترو (Retro) بـ 555 مليون دولار إضافية. وتتألف باقي ثروته من حصص في صناديق واي كومبيناتور (Y Combinator)، وممتلكات عقارية تُقدر بحوالي 90 مليون دولار في كاليفورنيا وهاواي، بالإضافة إلى عدة استثمارات شخصية أقل.
مصادر خفية لثروة ألتمان
أعرب العديد من أقران ألتمان من المستثمرين، الذين فضلوا عدم الكشف عن هويتهم، عن دهشتهم لحجم الاستثمارات التي قام بها، مما يشير إلى أن لديه مصادر أخرى سرية للثروة ربما رهان مبكر على بيتكوين، كما يعتقد أحدهم، أو أنه كان على استعداد للمخاطرة بنسبة عالية بشكل غير عادي من صافي ثروته على بضع رهانات فقط في الشركات الناشئة. مثل هذا النهج سيكون نادرا، لكنه ليس غير مسبوق، كما يقول ستيف كابلان، الأستاذ في كلية بوث لإدارة الأعمال بجامعة شيكاغو. لقد سبقه إليه إيلون ماسك في شركات باي بال (PayPal)، وتسلا (Tesla) وسبيس إكس (SpaceX)، ونفس الأمر ينطبق على ستيف جوبز في شركة أبل.
اقرأ أيضًا.. نجوم في عالم الشركات الناشئة.. تعرف إلى عائلة سام ألتمان
لكن البعض له رأي آخر. الملياردير جوش كوشنر، وهو مستثمر في أوبن إيه آي قام بالضغط خلف الكواليس من أجل إعادة ألتمان إلى منصبه بعد محاولة انقلاب قام بها مجلس إدارة الشركة السابق في نوفمبر، قال إن سر نجاح ألتمان في اقتناعه العميق بالمؤسسين الذين يدعمهم وإيمانه بقدرتهم على دفع التقدم البشري.
من جهة أخرى، يشكك البعض في عدم وجود أي حصص لألتمان في «أوبن إيه آي». وفقًا لهانا وونغ، المتحدثة باسم «أوبن إيه آي»، فإن انضمام ألتمان إلى الشركة كان من خلال استثمار غير مباشر عبر شركة واي كومبيناتور، مؤكدة أن ألتمان لا يمتلك حاليًا أي حصص مالية في «أوبن إيه آي». لكن المستثمر سونغ ما، يرى أنه من الصعب توقع أن المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة كبرى لا يمتلك حصة مالية فيها، مؤكدًا أن «هذا لا يتماشى مع المبادئ التقليدية للرأسمالية».
وأشارت مصادر لفوربس إلى أنه قد يكون لدى ألتمان موارد ثروة أخرى غير معروفة حتى الآن. (فمثلاً، لا يُعرف القيمة المالية لمجموعة ألتمان الخاصة من الابتكارات التكنولوجية – التي ذكر ريد هوفمان لفوربس أنها تضم محركات نفاثة وسيوفاً من الحقبة البرونزية).
ألتمان من جهته، لم يرغب في الإدلاء بتصريحات بخصوص هذه المسألة. ومع ذلك، في حوار له مع مجلة فوربس في عام 2020، نسب جزءًا كبيرًا من نجاحه في مجال الاستثمار إلى تركيزه على الأشخاص. وقال: «ما ركزت على تطويره خلال مسيرتي المهنية هو ما أعتقد أنه ساهم في تحقيقي لأعلى درجات النجاح، وهو اكتشاف الأفراد ذوي المواهب الاستثنائية التي لم تُكتشف بعد».