كشفت الاضطرابات الأخيرة التي ضربت الأسواق المالية عن المخاطر الكامنة فيما يعرف باستراتيجية “تجارة الفائدة” أو “carry trade”. كشفت الاستراتيجية هذه التي تعتمد على فروق أسعار الفائدة بين العملات، عن أنها حساسة للغاية للتغيرات في بيئة أسعار الفائدة وتقلبات السوق. وأثبتت الأحداث الأخيرة أنها ليست مضمونة النجاح، وأن المستثمرين الذين يعتمدون عليها يجب أن يكونوا على دراية بالمخاطر المرتبطة بها.
تتضمن هذه الاستراتيجية اقتراض عملة ذات فائدة منخفضة، مثل الين الياباني، واستثمارها في عملة ذات فائدة أعلى. ومع ذلك، فإن ارتفاع أسعار الفائدة العالمية وزيادة تقلبات الأسواق قد قلبا هذه الاستراتيجية رأسًا على عقب، مما أدى إلى خسائر كبيرة للمستثمرين.
اقرأ أيضًا.. «الذهب الرقمي».. هل لا يزال البيتكوين ملاذَا آمنا مع انخفاض سعره وارتفاع المعدن الأصفر؟
ما هي تجارة الفائدة أو “carry trade”؟
تتضمن التجارة قيام المستثمر باقتراض عملة بلد تكون فيه أسعار الفائدة منخفضة، مثل اليابان أو الصين، واستخدامها للاستثمار في عملة تكون فيها أسعار الفائدة أعلى، مثل المكسيك.
ولطالما كان الين الياباني هو العملة المفضلة للتداول بالهامش في السنوات الأخيرة، وذلك بفضل أسعار الفائدة المنخفضة للغاية التي اعتمدتها اليابان. ولم يتخلَّ البنك المركزي الياباني عن سياسته النقدية التيسيرية إلا في أبريل الماضي، أي بعد فترة طويلة من بدء البنوك المركزية الغربية في تشديد سياستها النقدية لمكافحة التضخم المتصاعد.
وتعتمد تجارة الفائدة على بقاء العملة المقترضة رخيصة، وبقاء تقلبات السوق منخفضة. وقد انقلب هذان العاملان ضد المستثمرين في الأسابيع الأخيرة مع ارتفاع الين واجتياح الأسواق حالة من عدم الاستقرار بحسب تقرير صحيفة وول ستريت جورنال.
اقرأ أيضًا: رغم الانهيارات.. توقعات متفائلة بتسجيل بيتكوين 200 ألف دولار
ما هو حجم تجارة الفائدة أو “carry trade”؟
تقدير حجم تجارة الفائدة أمر بالغ الصعوبة نظراً لعدم وجود بيانات مركزية شاملة تغطي جميع المعاملات. ومع ذلك، يمكن الحصول على فكرة تقريبية عن حجم هذه التجارة من خلال تحليل بعض المؤشرات. على سبيل المثال، وفقاً لبيانات لجنة تداول العقود الآجلة للسلع (CFTC)، كان المستثمرون يراهنون على ضعف الين الياباني من خلال عقود آجلة تزيد قيمتها عن 14 مليار دولار في بداية يوليو. ومع ذلك، شهد هذا الرقم انخفاضاً حاداً إلى حوالي 6 مليارات دولار بحلول الأسبوع الماضي. هذا التراجع الكبير في حجم العقود المرتبطة بالين يشير إلى انحسار نشاط تجارة الفائدة.
والبديل الآخر، هو النظر إلى الإقراض الأجنبي للبنوك اليابانية، والذي شهد زيادة كبيرة بلغت تريليون دولار بحلول مارس الماضي، وفقًا لبيانات بنك التسويات الدولية. هذا الرقم يمثل زيادة بنسبة 21% مقارنة بعام 2021. وقد ساهم بشكل كبير في هذا النمو الطلب المتزايد على الين في سوق ما بين البنوك، حيث يستخدم المستثمرون الدوليون الين لتمويل صفقات الشراء بالاقتراض.
اقرأ أيضًا.. بلومبرغ: تراجعات سوق العملات المشفرة هي الأسوأ منذ انهيار بورصة FTX
كيف أثر ارتفاع الين على تجارة الفائدة؟
شكل ارتفاع الين بنسبة 7.5% خلال الأسبوع الماضي حلقة مفرغة ضارة بالعديد من المتداولين. فمع ارتفاع قيمة الين، زادت قيمة الديون التي تحملوها بالعملة اليابانية، مما دفع المصارف إلى طلب ضمانات إضافية. وللتلبية هذا الطلب، اضطر المتداولون إلى شراء المزيد من الين، مما أدى إلى ارتفاع أكبر في قيمة الين وتسبب في المزيد من نداءات الهامش، وهكذا.
هل يتوقف ارتفاع الين عند هذا الحد؟
من غير المحتمل أن يتوقف ارتفاع الين عند هذا الحد. فإحدى العوامل التي قد تدفع الين إلى مزيد من القوة هي زيادة التحوطات من قبل المستثمرين، كما يشير كريس تورنر من ING. فارتفاع تكلفة التحوط في السنوات الأخيرة دفع الكثيرين لتأجيلها، لكن مع استمرار ارتفاع الين، قد يجدون أنفسهم مضطرين للتحوط، مما يزيد الطلب على الين ويؤدي إلى ارتفاعه بشكل أكبر، وهكذا تدخل الأسواق في حلقة مفرغة.