حقق وارن بافيت وشريكه تشارلي مونغر نجاحًا استثنائيًا في تحويل شركة بيركشاير هاثاواي إلى قوة اقتصادية ضخمة. وقد أسهم في هذا النجاح نهجهما الاستثماري الفريد، الذي يتجنب أخطاء استثمارية يقع فيها الملايين، ويعتمد على تحديد الفرص الاستثمارية المميزة، وأسلوبهما الاستثماري الذكي القائم على التحليل الدقيق، حيث كانا يستغلان أوجه القصور في السوق ويتبعان نهجًا مغايرًا للتفكير الجماعي. وقد أثبتت استراتيجيتهما فعاليتها على مر السنين، وعلى الرغم من رحيل مونغر العام الماضي إلا هذه الاستراتيجية لا تزال صالحة.
أثناء الاجتماع السنوي للمساهمين في عام 2015، أشار تشارلي مونغر إلى أن نجاح وارن بافيت هو نتيجة مباشرة لاستغلال أخطاء الآخرين في السوق. وقد عبر مونغر عن هذه الفكرة بقوله: “لو لم يكن الناس مخطئين في كثير من الأحيان، لما أصبحنا أثرياء للغاية”. وتُعد هذه الفكرة جوهرية في الاستثمار، حيث يتفق معها العديد من رجال الأعمال الناجحين مثل مارك كوبان الذي يؤكد على أهمية “البحث عن الأسواق غير الفعالة” في تحقيق الأرباح، فما هي أبرز هذه الأخطاء الاستثمارية؟
الاستسلام للعواطف
تؤثر التحيزات العاطفية، مثل عقلية القطيع والتحيز نحو الخسارة، سلبًا على قدرة المستثمرين على اتخاذ قرارات رشيدة. فالتشبث بآراء الغالبية أو الخوف من الخسارة قد يدفع المستثمرين إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة. حتى المستثمرون المحترفون ليسوا بمنأى عن هذه التحيزات.
اقرأ أيضًا.. كيف حول تشارلي مونغر 3 قواعد بسيطة إلى 3 مليارات دولار؟
تُعد قصة مايكل بوري وبيل أكمان وراي داليو في بداية عام 2023 مثالًا حيًا على كيفية تأثير التحيزات المعرفية على حتى أكثر المستثمرين خبرة. فبالرغم من سمعتهم المرموقة، إلا أن توقعاتهم المتشائمة حول السوق لم تكن دقيقة. هذا يدل على أن العواطف والتحيزات يمكن أن تؤثر على أي شخص، حتى لو كان لديه خبرة واسعة في الاستثمار. ولذلك، ينصح وارن بافيت باتخاذ قرارات استثمارية عقلانية خالية من العواطف.
قلة التنويع أو الإفراط فيه
رغم أهمية التنويع في الاستثمار، إلا أنه غالبًا ما يُساء فهمه. يعتقد الكثير من المستثمرين السلبيين الذين يستثمرون في صناديق المؤشرات أنهم يحققون تنويعًا كافيًا لمحافظهم. إلا أنهم قد يغفلون عن وجود تداخل كبير بين هذه الصناديق، حيث قد يمتلكون أصولًا متشابهة في صناديق مختلفة دون أن يدركوا ذلك. ينصح الخبراء بضرورة فحص محفظة الاستثمار بشكل دوري للتأكد من عدم تركيز الاستثمارات في قطاع أو منطقة جغرافية معينة، مع مراعاة عدم تجاوز وزن أي ورقة مالية 5% من إجمالي المحفظة.
اقرأ أيضًا: وصية وارن بافيت: كيف سيتم توزيع ثروة أحد أغنى رجال العالم؟
ورغم أهمية التنويع، إلا أن الإفراط في التنويع قد يكون ضارًا بالمحفظة الاستثمارية. كما يشير جوناثان توماس، مستشار الثروات في LVW Advisors، فإن الأبحاث تشير إلى أن العدد الأمثل للأوراق المالية في محفظة متنوعة يتراوح بين 25 و30 شركة. فامتلاك عدد أقل من ذلك يعرض المحفظة لمخاطر عالية، بينما امتلاك عدد أكبر قد يؤدي إلى تشتت الاستثمارات وتقليل العوائد. لذلك، يوصى بضرورة تحقيق التوازن بين التنويع وتقليل التكاليف عن طريق الاستفادة من صناديق المؤشرات.
أظهرت دراسة أجرتها شركة Enterprising Investor أن زيادة عدد الأسهم في المحفظة من 10 إلى 40 سهمًا كبيرة لم تؤد إلى انخفاض كبير في مستوى المخاطرة. وخلصت الدراسة إلى أن التنويع المفرط لا يضيف قيمة كبيرة للمحافظ ذات رأس المال الكبير، حيث يكفي امتلاك حوالي 15 سهمًا لتحقيق مستوى مقبول من التنويع. أما بالنسبة للمحافظ الأصغر، فقد وجدت الدراسة أن الذروة المثلى للتنويع تتحقق عند امتلاك حوالي 26 سهمًا. وبشكل عام، أشارت الدراسة إلى أن عدد الأسهم المثالي للحد من التقلبات يختلف باختلاف حجم المحفظة واستراتيجية الاستثمار.
تحديد أوقات للدخول والخروج من السوق
أكدت دراسات متعددة، بما فيها دراسة أجرتها Morningstar، أن الاستثمار طويل الأجل يفوق الاستثمار قصير الأجل الذي يعتمد على توقيت السوق. فوفقًا لهذه الدراسات، حققت استراتيجية “الشراء والاحتفاظ” عوائد أعلى مقارنة باستراتيجيات محاولة تحديد أفضل وقت للشراء والبيع بناءً على توقعات أسعار الأصول. وقد تم التوصل إلى هذه النتيجة من خلال تحليل أداء مختلف الاستراتيجيات خلال فترة ثلاث سنوات حتى عام 2023.
اقرأ أيضًا.. نصائح بناء الثروة من مفلس أصبح يمتلك 200 مليون دولار.. ماذا قال؟
عند اتخاذ قرار بالخروج من السوق، حتى لو كان ذلك مؤقتًا، فإنك تخاطر بفقدان بعض من أقوى أيام ارتفاعه. تشير دراسة أجرتها Capital Group إلى أن الاحتمالات تصب في صالح المستثمرين الذين يتمسكون بـ S&P 500 على المدى الطويل، حيث تصل احتمالية تحقيق عائد إيجابي إلى 94% خلال فترة استثمار تبلغ 10 سنوات. هذا يعني أن أي محاولة لتوقيت السوق بدقة قد تؤدي إلى تفويت فرص نمو هائلة.
لذا، تجنب إغراء الدخول والخروج من السوق بناءً على ما يخبرك به حدسك واستمر في الاستثمار على المدى الطويل.
الإفراط في التفاؤل
يبالغ المستثمرون في تقدير قدرتهم على التنبؤ بالمستقبل. على سبيل المثال، كان العديد من المستثمرين “مفرطين في التفاؤل” بشأن خفض أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي هذا العام، وفقا لأكسفورد إيكونوميكس. غالبًا ما تدفع مشاعر المستثمرين المتفائلة أو المتشائمة أسعار الأصول إلى أقصى الحدود. إدارة توقعاتك يمكن أن تساعدك على البقاء منضبطًا طوال رحلتك الاستثمارية.
إساءة استخدام الرافعة المالية
قال بافيت ذات مرة: “يقول شريكي تشارلي إن هناك ثلاث طرق فقط يمكن أن يفلس بها الشخص الذكي: المشروبات الكحولية، والسيدات، والرافعة المالية“. يشتهر بافيت بنهجه المحافظ تجاه الديون. وذلك لأن رأس المال المقترض هو سلاح ذو حدين يمكن أن يزيد المكاسب أو الخسائر أثناء تقلبات السوق. قد يكون اعتماد نهج بافيت الحذر في التعامل مع الرافعة المالية أمراً حكيماً بالنسبة لمعظم المستثمرين.