ظهرت في الآونة الأخيرة بعض النماذج الاقتصادية المرتبطة في إدارة المخاطر، والتي زعمت بكونها مفيدة لتجنب الوقوع في الأزمات. ولكن في الحقيقة، يتضح أن الاعتماد على هذه النماذج في إدارة المخاطر لم يكن إلا عاملًا أساسيًا وبل دافعًا مهمًا لتفاقم الأزمة عوضًا عن تخطيها.
ولا يسعنا إلا الاعتراف بهيمنة أحداث البجعة السوداء على حياتنا بشكل عام، وعالمنا الاقتصادي بشكل خاص، ومع انتشار العولمة وتطور الإنترنت، بات العالم اليوم قرية كونية صغيرة متشابكة بل ومعقدة. فقد أدى هذا التشابك الهائل إلى رفع صعوبة التنبؤ حتى بالأحداث العادية وفقًا للكاتب نسيم نيكولاس طالب.
أخطاء المدراء عند إدارة المخاطر
يرى الخبراء اليوم أنه من الضروري إعادة توجيه تركيزنا إلى مكانه الصحيح. وعوضًا عن محاولة تنبؤ الأحداث، لا بد من الاستعداد لها، وبالتالي خفض ضعف الشركات والأفراد تجاه أي أزمة محتملة. ومن هنا، ينبغي تبني بعض التغييرات في قلب الشركات وأماكن العمل وبالتالي حث المدراء التنفيذين على تغيير منهجياتهم وتجنب الوقوع في هذه الأخطاء الخطيرة. فما هي هذه الأخطاء التي يجب تصحيحها؟
1. التنبؤ بالأحداث الهائلة والجذرية
لا شك أن التنبؤ بالأحداث الهائلة كمحاولة لإدارة المخاطر ليس إلا خطأً كبيرًا يحتل المركز الأول في لائحة الأخطاء التي يجب تجنبها. فنظرًا للسجل السيئ في تنبؤ الأحداث والسيناريوهات الضخمة، قد يهمل أرباب العمل الاحتمالات الناجحة الأخرى وبالتالي جعل الشركة أكثر عرضة للخطر.
اقرأ أيضًا: دليل إدارة المخاطر المالية للشركات
لذلك، لا بد من التركيز على النتائج أي بمعنى آخر التركيز على العواقب المحتملة التي قد تنتج عن هذه الأحداث الضخمة. فعلى الشركة أن تكون دائمًا على استعداد لمواجهة أي أزمة أو خطر قد يصيبها في المستقبل القريب كما البعيد وألا تضيع الوقت في تنبؤ حدوث المشاكل. فبوجود حل مسبق على الطاولة، يصبح من السهل التملص من الأزمات والوقوف مجددًا على الأقدام.
2. دراسة الماضي لإدارة المخاطر
غالبًا ما يتبنى مديرو المخاطر مبدأ الإدراك المتأخر كبعد نظر. فما هو المقصود بهذه العبارة؟ يرى البعض أن اللجوء إلى الأحداث السابقة قد يساعد في تحمل الصدمات المستقبلية. لذلك، يكثر استخدام عبارة “غير مسبوق” من قبل العاملين في المجال الاقتصادي، محاولة منهم للعثور على سوابق لكل ما يحدث وتنبؤ ما قد يحدث.
والحقيقة أن ليس هناك أي علاقة تربط الماضي بالمستقبل. فأحداث المستفبل صعبة التوقع وبل لا سابق لها. هذا وأن عالمنا الذي نعيش فيه اليوم في تطور وتقدم مستمر يتميز بشكله عن العالم الماضي. بالإضافة إلى ذلك، يعمد لعديد من الأفراد إلى تجاهل مبدأ العشوائية الموجودة في المتغيرات الاقتصادية كما الاجتماعية. ونتيجة هذه الطابع العشوائي للأحداث، لا يمكن تحديد شكل النجاح النموذجي أو حتى الفشل النموذجي.
3. عدم الأخذ بنصائح: لا تفعل كذا
تمتلك النصائح التي تحمل في طياتها عدم الفعل تأثيرًا أقوى، من تلك التي تحثك على فعل الشيء. وينطبق هذا الأمر على العالم الاقتصادي والمالي. فلو أخذت البنوك بنصيحة عدم التعرض المتكرر للأحداث عالية التأثير ومنخفضة الاحتمال، لما وجدت اليوم في مواقف صعبة ومتأزمة.
وغالبًا ما يميز علماء النفس بين أثر كلمة افعل ولا تفعل، أو ما يعرف بفعل العمل وفعل الإغفال. وعلى الرغم من تشابه أثريهما في العالم الاقتصادي، إلا أن مديرو المخاطر يتعاملون مع هذه العبارتين بشكل مختلف. فهم يركزون بدورهم على كسب الأرباح أكثر من تجنب الخسارة الأمر الذي يخل بمبدأ المساواة بين العبارتين.
ففي لعبة الشطرنج، يركز كبار اللاعبين على تجنب الأخطاء في حين يصب الهواة والمبتدئون تركيزهم على الفوز. بالإضافة إلى ذلك، تهيمن القصص الناجحة على الأخبار والعناوين الرئيسية للكتب التثقيفية في ظل غياب مجلدات عن الفشل. وهذا الاستخفاف أو التجاهل بمسيرة فاشلة أو محاولة غير ناجحة قد تبعد الفرد خطوة أكثر عن النجاح الذي يريده.
فلا ضرر من التعلم من أخطاء الآخرين وتجنب الوقوع في نفس المواقف. كما وأن قلة وفرة الكتب التي تقص مسيرات الفشل من شأنها أن تقلل من قيمة إدارة المخاطر وضرورة تبنيها في الشركات كخطوة أساسية عوضًا عن خطوة ثانوية لاحقة.
4. التمسك بمبدأ التكافؤ الرياضي والنفسي في إدارة المخاطر
إن محاولة صياغة المخاطر بالأرقام والكلمات يؤثر بشكل مختلف على الأفراد. لذلك، فإن تبني أفضل السيناريوهات وأجمل الكلمات من شأنه أن يحفز الفرد على المخاطرة نظرًا لحالته النفسية المستقرة. ولا يختلف هذا الأسلوب بين قطاع أو آخر أو بين مسألة أو أخرى. فلنأخذ على سبيل المثال مسألة السفر على متن طائرة إلى جزيرة جميلة.
فبغية دراسة نسبة الإقبال على المخاطرة، تم إخطار المسافرين بنفس المعلومات مع تغيير بسيط في صياغة الجملة، أي باللعب أكثر على نفسية الفرد. ففي الحالة الأولى تم تنبيه المسافرين بما يلي: ” تشير إحصائيات السلامة إلى أنه إذا سافرت مع شركة الطيران هذه فإن عدد التعرض الإجمالي لحادث جوي هو حادث واحد كل 1000 عام، وإن لم تسافر فقد تخسر فرصتك الفريدة في زيارة هذه الجزيرة الخلابة” فوافق جميع المسافرين على ركوب الطائرة.
أما في السيناريو الثاني، فقد أعلم المسافرين بما يلي: ” تشير إحصائيات السلامة إلى أن طائرة من بين 1000 طائرة بالإجمال تعرضت لحادث جوي”، الأمر الذي دفع 70% فقط من لمسافرين إلى الموفقة على ركوب الطائرة. ومع العلم أن الأرقام هي نفسها إلا أن الجملة الثانية أظهرت نسبة خطر مرتفعة ما أثار الخوف والتردد عند المسافرين. لذلك، فلا بد من تقدير عدم التكافؤ بين العوامل الرياضية وتلك النفسية عند اتخاذ قرار مصحوبًا بمخاطر متعددة.
قد يكمن الحل الجوهري للمس النجاح في محاولة تقليل حساسية الشركة تجاه الأحداث الضخمة وغير المتوقعة وليس في محاولة التنبؤ بها. فكلما كانت الشركة على استعداد لإدارة المخاطر والأزمات كلما نجحت في تخطيها بسهولة.