في ظل التطور التكنولوجي الهائل الذي طال الحياة البشرية من جميع جوانبها، لا عجب إذا بدأت هذه التكنولوجيا بالتطور من لتصل إلى حدود التمكن من التحكم بعقل الإنسان، من خلال واجهة الدماغ الحاسوبية أو Brain Computer Interface (BCI). وهذه المحاولة إلى فهم هذا الكيان المعقد والتحكم به ليس بالجديد على الساحات العلمية.
فقد ظهرت دراسات واختبارات مختلفة عبر الأزمان لتسليط الضوء على الاستراتيجيات المختلفة التي تهدف إلى التلاعب بعقول البشر من خلال الذكاء الاصطناعي. وقد يكون هذا التلاعب باستخدام أشعة الليزر، أو الموجات فوق الصوتية، أو حتى النبضات الكهرومغناطيسية وغيرها الكثير من التقنيات التي من شأنها تحفيز النشاط الكهربائي في الدماغ وبالتالي التلاعب به.
والجدير بالذكر أن هذه التقنيات لاقت إقبالًا واسعًا من المجتمعات الحالية، وباتت مصدر اهتمامهم، واستثماراتهم. فقد يتصدر كل من إيلون ماسك Elon Musk ومارك زوكربيرغ Mark Zuckerberg لائحة المهتمين بهذا التوجه الجديد للتكنولوجيا العالمية، بعد ضخهم ملايين الدولارات في مشروع تطوير تقنية ثورية جديدة ألا وهي واجهة الدماغ الحاسوبية وفقًا لموقع كونتا ماغزين. وينبع هذا الاهتمام المشترك من رغبة ماسك و زوكربيرغ في السماح للمستخدمين بتحميل أفكارهم ومشاعرهم على شبكات الإنترنت من دون تكبد عناء الكتابة.
تعريف واجهة الدماغ الحاسوبية أو Brain–computer interface (BCI)
واجهة الدماغ الحاسوبية أو واجهة الدماغ والآلة هي تقنية جديدة ورائدة في مجال التكنولوجيا تهدف إلى تسهيل عملية التواصل المباشر بين الدماغ البشري وجهاز خارجي عبر تبادل الإشارات. وبالتالي، يصبح الإنسان قادرًا على التحكم مباشرة بالآلة بغض النظر عن القيود المادية للجسد.
وبكلمات أخرى، تتمثل هذه التقنية بكونها جهازًا يترجم المعلومات العصبية إلى أوامر وأفعال تتحكم بالأنظمة والبرامج الخارجية كالكمبيوتر أو ذراع اصطناعية روبوتية. وغالبًا ما تستخدم هذه التقنيات الجديدة لمساعدة ذوي الإعاقات الحركية أو الحسية.
يتمثل الشكل الأكثر استخدامًا لهذه التقنية الثورية في التخطيط الكهربائي للدماغ أو الـElectroencephalograms (EEG) التي تقيس النشاط الكهربائي للدماغ البشري من دون اللجوء إلى الجراحة. وغالبًا ما يستخدم هذا التخطيط للتحكم بمؤشرات الكمبيوتر أو الآلات.
وتعد هذه التقنية مفيدة للغاية إذ أنها تعود بمنافع هائلة على القطاع الصحي والتفاعل الاجتماعي. فغالبًا ما يتم اللجوء إلى الـBCI للمساعدة في حالات الشلل أو ضعف اللغة. ولكن لا ينحصر استخدام هذه التكنولوجيا في ذوي الحالات الصحية بل يتخطى ذلك ليشمل كل إنسان ينعم بصحة جيدة.
فمن استخدام هذه التكنولوجيا لأشياء أساسية كتحريك الفأر على شاشة الحاسوب أو التحكم بالذراع الاصطناعية، إلى تسجيل الذكريات وتحميل المعلومات في الدماغ وغيرها المزيد. من المتوقع أن يشهد هذا المجال تطورًا هائلًا من شأنه أن يوفر للإنسان خدمات كانت مجرد خيال أو حلم صعب المنال. فقد يمكننا التواصل مع بعضنا البعض باستخدام أدمغتنا فحسب. وهذا ما يؤكد مستقبل هذه التقنية المشرق.
بالرغم من التطور الذي يطال هذه التكنولوجيا، وفي ظل هذه الفوائد التي تقدمها هذه التقنية للإنسان، تبقى مسألة التحكم الكلي بالعقل البشري بعيدة عن الواقع. فبسبب الطبيعة البيولوجية للدماغ البشري وتركيبته المعقدة، لا يزال العلماء بحاجة إلى إجراء دراسات عميقة وعديدة للتمكن من فهم طريقة عمل العقل البشري. فهناك حوالي 100 مليار خلية عصبية في الدماغ البشري، بحيث تقوم كل خلية عصبية بإرسال واستقبال الإشارات باستمرار من خلال شبكة معقدة من الاتصالات. بالإضافة إلى ذلك، هناك عمليات كيميائية تحصل في الدماغ والتي لا تستطيع الـEEG التقاطها.
معارضي التكنولوجيا الثورية
مثلها كمثل أي اختراع أو ابتكار جديد، تتعرض تقنية الـBCI انتقادات عديدة تتمحور معظمها حول القضايا الأخلاقية كفقدان الخصوصية والهوية والوكالة والموافقة. فبهدف تحقيق تطور وتقدم في الدراسات المطروحة على الطاولة، قد يخاف البعض من إمكانية انتهاك بعض المبادئ الجوهرية طمعًا بتعزيز الأداء والحصول على نتائج أسرع.
مصير التطور التكنولوجي
تعد واجهة الدماغ الحاسوبية وسيلة فعالة من شأنها أن تساعد الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة وأن تفتح أبوابًا واسعة للذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يبقى تطور تقنية واجهة الدماغ الحاسوبية وأوجه استخداماتها مقترنًا بالمزيد من الدراسات والاختبارات والأبحاث التي يجب مواصلتها بصورة دائمة بهدف فهم العقل البشري أكثر فأكثر ومحاولة الاستفادة منه ومن قدراته بكل الطرق الممكنة.