انتشرت في الأوساط الاقتصادية نظرية البجعة السوداء، والتي سرعان ما لاقت اهتمامًا واسعًا من المجتمعات كافة. وصارت نظرية البجعة السوداء منهجية يعتمدها خبراء الاقتصاد في خططهم وأفعالهم، ولطالما ارتبط اللون الأبيض بالبجعة، إذ افترض الجميع أن كل البجعات هي باللون الأبيض فحسب، ما شكل مفهومًا ثابتًا لديهم يربط اللون بالطير.
ومع اكتشاف أول بجعة سوداء، تغير هذا المفهوم المترسخ، والمثير للاهتمام أننا نتبني قصة البجعة السوداء في مختلف أشكال حياتنا اليومية. حيث تشكل «البجعة السوداء» أحداثًا يعتقد أنها تقع خارج نطاق المألوف أو المحتمل، ولكنها عندما تحدث فإنها تغير مفهوم البشر لبعض المعتقدات السابقة في الحياة.
تعريف نظرية البجعة السوداء
ولدت نظرية البجعة السوداء عام 2007، حين أقدم الكاتب نسيم نيكولاس طالب، اللبناني الأصل، على صياغتها في كتابه الأشهر في عصرنا الحالي: «البجعة السوداء تداعيات الأحداث غير المتوقعة». وتتصف أحداث البجعة السوداء بأنها غير محتملة الحدوث، ومن الصعب التنبؤ بها، وغالبًا ما ينتج عنها إلحاق الضرر بالاقتصادات والمجتمعات والشعوب كافة.
اقرأ أيضًا: إعلان ميسي وكريستيانو.. دعاية لا تهدف للربح
يقسم الكاتب والمدير السابق لصندوق التحوط، الأحداث التي نتعرض لها في حياتنا اليومية، إلى أحداث يمكن التنبؤ بها، وأخرى يصعب توقعها، والتي تقع في خانة أحداث البجعة السوداء.
ويختلف تأثير أحداث البجعة السوداء باختلاف الأشخاص والمجتمعات، وقد تنتج عن جهل لكمية صغيرة من المعلومات المتوفرة. وبالتالي، فإن إدراك الفرد بأنه يجهل بعض المعطيات أو المعلومات، من شأنه أن يساعده على تقييم المخاطر قبل اتخاذ أي قرار مهم.
إن الفرق بين شركة ناشئة ناجحة، وأخرى عادية، يظهر في تكرار هذه الاستراتيجية ونسبة تعرض الشركة لمواقف تنتج تأثيرات إيجابية واستثنائية.
في كتابه الشهير، طرح المؤلف اللبناني حلًا لتخفيف من أثر حدث البجعة السوداء. فبالنسبة له تتمثل الطريقة الأفضل في بناء أنظمة وهياكل مرنة قادرة على تقليل احتمالية حدوثها، وبالتالي تجنبها، وليس بمحاولة التنبؤ بها. ومن هنا تأتي أهمية الاستعداد لأي حدث غير متوقع تجنبًا للوقوع في هاوية الهلاك.
نظرية البجعة السوداء في الاستثمار
في عالم الأعمال والاستثمار، من المهم اللجوء إلى نظرية البجعة السوداء، وتطبيقها في محيط العمل، تجنبًا للتعرض لأية خسائر كارثية. لأنها تساعد على عدة أشياء، كالتالي:
1. تقبل احتمال وقوع هذه الأحداث
لا بد من تقبل حدوث هذه الأحداث وأنها تشكل جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية. وبالتالي فإن إلغاء عامل المفاجئة المرتبط بأحداث البجعة السوداء من شأنه أن يساعد في معالجتها بهدوء واتخاذ القرارات الصائبة بوعي وتركيز.
2. اغتنام الفرص التي توفرها هذه الأحداث
إذا انهارت الأسواق نتيجة حدث مفاجئ وانخفضت قيمة الأسهم في الساحات، لا بد لأي مستثمر أن يغتنم هذه الفرصة المتاحة له وشراء الأسهم لمعاودة بيعها عندما ينتعش السوق من جديد ويتخطى الأزمة التي تعرض لها.
3. احتضان التنويع
غالبًا ما يجتمع المتضررون الفعليون من نتائج أحداث البجعة السوداء تحت خانة هؤلاء الذين لا ينوعون في استثماراتهم. إذ يعمدون في مجمل الأحيان إلى حصر استثماراتهم في مجال واحد، الأمر الذي يودي بهم إلى الهلاك إذا تعرض رأس مالهم لحدث خارج الحسبان.
لذلك، من الضروري التنويع في رأس المال المستثمر، وتقسيم الأموال، وتوزيعها على مشاريع واستثمارات متعددة، بمستويات مختلفة من المخاطر، الأمر الذي يخفف من وطأة الانكماش أو الأذى غير المتوقع.
ماذا يفعل المستثمر لو ظهرت له البجعة السوداء؟
كل ما عليك فعله هو أن تكون في المكان المناسب، في الوقت المناسب، وأن تتصرف بعقلانية وبتكلفة معقولة، بينما لا تزال تعرض أفكارك ومشاريعك لنتائج استثنائية تعود بفوائد هائلة. إن الفرق بين شركة ناشئة ناجحة، وأخرى عادية، يظهر في تكرار هذه الاستراتيجية ونسبة تعرض الشركة لمواقف تنتج تأثيرات إيجابية واستثنائية.
اقرأ أيضًا: للنساء فقط.. 3 أسباب لريادة الأعمال
بالإضافة إلى ذلك، لا بد من التدرب على تقييم احتمالية حدوث ونتائج أفعالك وتحسينها. فمن الضروري صب الجهد والوقت في تنفيذ الأفعال السهلة التي تعود بمنافع هائلة على مشروعك. وأخيرًا، تجنب التقليد. فغالبًا ما يميل الأفراد إلى اتباع بعضهم البعض بشكل أعمى. توقف وفكر جيدًا قبل المضي بأي طريق. فطريق النجاح ليس بمتناول الجميع.