زينب فيضي المعروفة بـاسم (Daby).. فنانة ومهندسة معمارية عراقية، تقيم في الولايات المتحدة الأمريكية. اختارت العمل في مجال الرسوم المتحركة، لتروي لنا قصصًا من الواقع، بأسلوب خاص، تدمج فيه بين هويتها العربية، والهندسة المعمارية، وفنيات الرسوم المتحركة.
ساهمت زينب فيضي في فيلم بريد وينر (The Bread Winner)، الذي يسلط الضوء على رسالة أو فكرة معينة. وعملت في العديد من المشاريع والأفلام القصيرة الأخرى، التي حازت على عدد من الجوائز العالمية.
كيف التحقتِ بالعمل في مجال صناعة الرسوم المتحركة؟
لم أفكر يومًا بأن أترك مجال الهندسة المعمارية؛ إلا بعد عملي في هذا المجال. لقد أخذت القرار بالمضي قدماً وأن أعطي نفسي فرصة لتنمية مهاراتي. وتأكدتُ أن شغفي هو أن أرسم الشخصيات، لا سيما كل ما يتعلق بتعابير الوجه. لذا أعطيت نفسي فرصة وقررت دراسة تصميم الرسوم المتحركة، إنني أؤمن أن الفرصة الذهبية تأتي مرة واحدة في الحياة.. ولذلك انتقلت إلى لندن وبدأت مسيرتي الفنية.
هل كان سهلًا أن تنتقلي من الهندسة المعمارية إلى عالم الرسوم المتحركة؟
كانت نقلة غير محسوبة.. ترعرعتُ في بغداد وسط محيط عائلي محب للفن بأنواعه. كان والدي معماريًا ناجحًا جدًا في العراق، ووالدتي موهوبة في العمل اليدوي والخياطة، فزرعوا فينا حبنا للفن، وكبرنا في جو عامر بالحب والرسم والفن.
درستُ الهندسة تأثرًا بوالدي، ورغم أنها ساعدتني على تنمية مهاراتي وحسي الإبداعي، لكن يومًا بعد يوم شعرتُ أن الهندسة بدأت تتخذ المسار العلمي وتفقد جانبها الإبداعي. ومع ذلك ظل شغفي للرسم مرافقًا لي طوال فترة دراستي الجامعية.
اقرأ أيضًا: جايك المير.. من إصدار أوّل تطبيق إلى إقامة ذهبية في الإمارات
كنت أرسم اللوحات بجانب دراستي، ورويدًا صرتُ مسؤولة عن تنفيذ بعض المشاريع الفنية لصالح بعض الأصدقاء، والمعارف، أو مؤسسات إعلامية. كنت ضائعة بين مهنتي ودراستي للهندسة.. لكنني لا أنكر أنني حصلتُ على دعم حقيقي من العائلة، والأصدقاء.
في بداية مسيرتك.. هل شعرت بوجود توازن بين الرجال والنساء في سوق العمل؟
بصراحة، في بداية دراستي لم أنتبه لهذا الأمر. كنت أفكر كيف يمكن أن أشق طريقي وأبدع في هذا المجال؛ وكنت أرى مهارات وقدرات متفوقة تستطيع أن تفرض نفسها بغض النظر عن إذ كان رجلًا أو امرأة. والمضحك في الأمر أن العنصر النسائي كان طاغيًا في الجامعة؛ ولكن عندما تخرجت انقلبت المعادلة.
بدأتِ من استوديوهات كارتون صالون.. كيف تصفين تلك البداية؟
لقد واجهت الكثير من الصعوبات.. إن التأقلم مع ثقافة جديدة بلا شك كان إحدى العوامل، فليس من السهل الانتقال من الشرق الأوسط إلى الغرب، وبناء العلاقات، والشعور بأنك فرد من هذا المجتمع. في كرتون صالون كان من السهل التعرف على الأصدقاء وخلق مجتمع معين، وما يميز هذا الاستديو هو أن الموظفين من جنسيات مختلفة.
كانت المنافسة جدًا عالية، حيث كان الاستوديو يحصد شهرة بشكل سريع للغاية في أنحاء أوروبا وجميع من يعملون كانوا من صغار السن، وأنا دخلت هذا المجال عن عمر 31 عامًا، فكان هذا تحديًا آخر بالنسبة لي، كنت أريد أن أظهر مهاراتي وقدراتي دون أن أفقد لمستي الخاصة.
زينب فضي: ما يهم الشركات الكبرى هو مستوى مهاراتك وقدرتك على التفاني في العمل.
ولوهلة ما بدأتُ أفقد هويتي في العمل، وانجرفت إلى أسلوب بعيد عني. الجميع من حولي يذكرونني أنه تم اختياري لمهارتي وشغفي للرسم لذا بدأت باستعادة ثقتي بنفسي شيئًا فشيئًا.
هل مازالتِ تواجهين صعوبة أن تثبتي نفسك كامرأة في مجال عملك؟
أعملُ الآن في وارنر براذرز (Warner Brothers)، وقد تضمن ذلك انتقالي من إيرلاندا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما نتج عنه عدة صعوبات فيما بعد. في بداية عملي هدفي كان أن أطور نفسي وأكتسب الخبرة اللازمة بشركة عالمية عريقة مثل وارنر براذرز. عندما استقريت وأثبت نفسي وطورت علاقاتي مع زملاء العمل لاحظت حينها أنني محاطة ببيئة عمل مهيمن عليها الرجال أكثر من النساء.
أن تكوني عراقية في أوروبا والولايات المتحدة.. هل مثل ذلك عائقًا أم حافزًا؟
لا، لم يكن عائقاً أمامي على الإطلاق، ولم أفكر يومًا بهذا الأمر، بالعكس؛ كان مرحبًا بي وبشدة. وسرعان ما أدركتُ أن ما يهم الشركات الكبرى هو مستوى مهاراتك وقدرتك على التفاني في العمل. فهم منفتحون يتقبلون الجميع ولا سيما الاهتمام الزائد بالمرأة مع ظهور حركة مي تو/ أنا أيضًا (Movement Me Too) في الولايات المتحدة الأمريكية.
هل سوق العمل في الغرب يفتح ذراعيه بما يكفي لاستيعاب العرب رغم اختلافات اللغة والثقافة؟
كل تجربة ولها ظروفها.. واللغة ليست عائقًا في يومنا هذا، لا سيما أن الرسامين يكمن تميزهم في الرسم؛ وليس في الكلام. من السهل جدًا على أي شخص النجاح في سوق العمل في الغرب.. عندما يبدع، ويتعاون ويتقبل النقد. وينبغي ألا ننسى أن مجال الإعلام صعب، إن الأعمال معروضة أمام الجميع، ومن السهل على أي فنان أن يتأثر بعمل زميل له.. هنا تلقى على الفنان مسؤولية أن يبدع ويتفرد، ويبرهن على قدراته الذاتية الخاصة.
كيف كانت تجربتك مع فيلم بريد وينر (The Bread Winner)؟
العمل على هذا الفيلم تجربة لا مثيل لها، الجميع يدعم بعضهم البعض لا سيما الممثلة أنجيلينا جولي المعروفة بدعمها للمرأة وقضايا الهجرة.
اقرأ أيضًا: كيف تحول فنك الرقمي إلى NFT للبيع؟
ورغم عملي مع فريق محترف، وفي استوديو رائع؛ لكن لا يمكنني أن أنسى نورا تومي فهي امرأة عظيمة وملهمة، إنني محظوظة بالعمل معها وبلا شك أعتبرها مرشدتي في حياتي، فرسالتها دائمًا هي مساندة الفنانات، ورسالتها في الفيلم نقل واقع الفتيات الصعب في أفغانستان تحت ظل طالبان. وكنت أريد أن أكون حقًا جزءًا من هذه الرسالة.
في أعمالك لمسة خاصة بك، تضم هويتك العربية، والهندسة المعمارية، والرسوم المتحركة.. كيف تحافظين على ذلك؟
إنني كالإسفنجة أتأثر بمحيطي، ولكن أحافط على هويتي. ففي الحقيقية عملي هو خليط ما بين المعلومات المكتسبة وكل ما هو جديد. إنني أؤمن أن الرسام مثل الممثل يتقمص الدور وهذا ما يحدث معي أتأثر بكل شخصية أعمل عليها. وكما ذكرتي الطابع المعماري ظاهر في لوحاتي ولكن بطريقة كرتونية غير منطقية.
ما هي نصيحة زينب فيضي الأخيرة خاصة للنساء؟
الحياة مليئة بالصعاب.. لكن لا تستسلمي، بل اسعي دائمًا للأفضل وكوني واثقة في نفسك وفي قدراتك.