تشارلز، كارلو، كارل.. أسماء عديدة لأكبر المحتالين الماليين في التاريخ الأمريكي. إنه المهاجر الإيطالي تشارلز بونزي والذي ارتبط اسمه بأشهر مخططات الاحتيال في العالم. وصل الولايات المتحدة وفي جيبه دولارين ونصف، ثم تحول من مُفلس إلى مليونير في فترة قصيرة، ولسنوات طويلة وحتى اليوم، مازالت طريقة بونزي في الاحتيال تستخدم بتنويعات مختلفة لتحقيق الثراء السريع، حتى عرفت باسم مخطط بونزي.
ولقد ظل مخطط بونزي السبب وراء انتحار العديد من رجال الأعمال، آخرهم الرئيس السابق لبورصة ناسداك، برنارد مادوف، في عام ٢٠٢١، بعد أن تمكن من الاحتيال على كبار المستثمرين خلال 40 عامًا، وتسبب في انتحار 4 من كبار رجال الأعمال، وبعد أن انكشفت عملياته الاحتيالية الضخمة؛ حُكم عليه في عام 2008 بالسجن 150 عاماً!
مخطط بونزي.. الانتحاري
تطلق عبارة مخطط بونزي على كل عمليات النصب والاحتيال، خاصةً المتعلقة بالاستثمار، حيث يقوم هذا المخطط على تقديم وعود بعوائد ضخمة، في فترة زمنية قصيرة، وهكذا يستغل المحتال جهل أصحاب المدخرات بالضوابط المالية وتحديات الاستثمار.
اقرأ أيضًا: دليل إدارة المخاطر المالية للشركات
يأخذ مخطط بونزي شكل الهرم، يتألف رأس الهرم من المحتال الذي يعمل على جمع أكبر عدد من المستثمرين، وبالفعل يحصل المستثمر على العوائد التي وُعِد بها، ولكن مصدرها أموال المستثمرين الجدُد، ما يعني أنه في مخطط بونزي تتم عملية جمع الأموال من المستثمرين الجدد، وتوزيعها على المستثمرين القدامى، وبهذا يستمر المخطط، ويعيش المستثمرون في حالة رضا تامة بسبب العوائد المالية الكبيرة والسريعة.
وكان المستثمرون يساعدون في زيادة أعداد الضحايا من خلال الترويج لهذا الاستثمار، وتشجيع زملائهم وأصدقائهم على استثمار مدخراتهم مع تشارلز بونزي، والذي في نهاية المطاف عندما يُكشَف أمره؛ كان إمّا أن يهرب خارج البلاد بما تبقّى معه من أموال المودعين، أو يُلقى القبض عليه من قِبَل السلطات المختصة ويُعاقب بالسجن.
تشارلز بونزي.. النادل يسرق الزبائن
ولد تشارلز بونزي في إيطاليا عام 1882، عمل في بداية حياته في البريد، ثم انتقل كمهاجر إلى بوسطن عام 1903، وخسر كل مدخراته في القمار على متن السفينة التي كانت تنقله، ليصل إلى الولايات المتحدة وفي جيبه دولارين ونصف. عمل نادلًا في مطعم، كان يغسل الصحون وينام على البلاط، لكنه فُصِلَ بسبب سرقته للزبائن.
اقرأ أيضًا: قراصنة الإنترنت ينتزعون 200 مليون دولار من حسابات نوماد
تلقّى أول دروسه في مونتريال، حيث انتقل إليها عام 1907 ليعمل مساعد صرّاف في بنك إيطالي، وسرعان ما تحول إلى مدير للبنك، واكتشف أن مدير البنك السابق كان يدفع الفوائد على الودائع من أموال المودعين الجدد! وهكذا استطاع بونزي أن يصرف لنفسه شيكات من خلال تزويره لإمضاء أحد المدراء السابقين بعد أن أفلس البنك وهرب مديره إلى المكسيك، لكن لسوء الحظ، أُدين بتهمة التزوير وحُكِمَ عليه بالسجن 3 سنوات.
بونزي لا يفوت الفرص
في عام 1911؛ ألقي القبض على تشارلز بونزي مجددًا، نتيجة لمساهمته في تهريب المهاجرين الإيطاليين عبر الحدود، وحُكم عليه بالسجن لمدة عامين في أتلانتا. وفي أتلانتا تجمعت كل مكونات الخلطة اللازمة لصناعة بونزي المحتال، بفضل انخراطه اجتماعيا في شبكة من المجرمين والخارجين على القانون.
بعد الإفراج عن تشارلز بونزي، انتقل إلى بوسطن، وأسّس شركة خدمات إعلانية بواسطة نظام الكتالوج، لكنها سرعان ما فشلت وصار وجودها مهددًا. وبعد أسابيع، استلم بونزي خطابًا ساعده في تطبيق كل ما تعلّمه في السجن من أفكار الاحتيال.
كان الخطاب من شركة إسبانية، تطلب من بونزي الكتالوج الذي تقدمه شركته، وكان الخطاب مصحوبًا بكوبون بريدي يمكن استخدامه لدفع قيمة الرد البريدي، كما يمكن استبداله بطوابع بريدية لتغطية تكلفة البريد في البلد المُرسَل إليه.
اقرأ أيضًا: أشهر حالات الاحتيال المالي وأكثرها تكلفة على مر العصور
وبما أن قيمة الطوابع من الممكن أن تختلف من بلد الى آخر، يستطيع الشخص أن يحقق أرباحًا بفضل هذه الفروقات؛ وهذا ما لفت انتباه تشارلز بونزي للوهلة الأولى وهو يطالع خطاب الشركة الإسبانية، وهكذا صارت الثلاث دولارات بين يديه 15 مليون دولار!
لقد حسبها بونزي ببساطة، فقد اتّضح له أن أرباحه من الممكن أن تصل إلى 400%، فسارع إلى إرسال 3 خطابات، إلى إيطاليا، وإسبانيا، وفرنسا، وفي كلٍّ من تلك الخطابات ورقة بدولار، وطلب أن يتم استبدال هذا الدولار بكوبونات، وبهذا حقق أرباحًا ضخمة في وقت قياسي.
اتصل بونزي بأصدقائه وأقنعهم بأنه سيضاعف استثماراتهم في غضون 90 يومًا وفعلًا بدأوا بالاستثمار معه، وبهدف الترويج لمخططه أسس شركته الخاصة. وانتشر الخبر لدرجة دفعت بعض الناس لبيع منازلهم والاستثمار معه طمعاً في العوائد الكبيرة التي وعد بها.
كان مخطط بونزي يسير على ما يرام، وبدأت الأموال تتدفق على تشارلز بونزي، ما ساعده على شراء حصة من بنك صغير في بوسطن. لفتت سمعة بونزي الأنظار إليه، حتى كتب أحد الصحافيين مقالاً شكك فيه بقانونية عمل بونزي، وأنه من غير المعقول أن يحقق الاستثمار العادي هذه الأرباح الضخمة، في هذا الوقت القياسي، لكن بونزي نجح في الحصول على تعويض من هذا الصحافي بعد أن رفع عليه دعوى تشهير!
القانون لا يحمي المغفلين
نشرت صحيفة «بوسطن بوست» عدة مقالات حول تشارلز بونزي، ووجهت له أسئلة صعبة عن طريقة عمله، وكيفية تحقيقه للأرباح وأنها من المستحيل أن تكون فقط من الكوبونات البريدية. بدأت الشكوك تحوم حوله، وأخذ الجميع يتساءل: كيف تحول تشارلز بونزي من مُفلس إلى مليونير في فترة قصيرة للغاية؟
وعلى إثر ذلك؛ انتشرت حالة الذعر بين المستثمرين، وطالبوا باسترجاع أموالهم، إلّا أن بونزي وزع القهوة والدونات عليهم وأقنعهم بأنه لا داعي للقلق، وبالطبع نجح في إقناع بعض المغفلين الذين تركوا أموالهم معه.
نهاية درامية للص كبير
في أغسطس 1922م؛ كانت كل تلك الجرائم، وحالات الاحتيال على مكتب المدعي العام، والذي بدوره شرع في تدقيق حسابات شركة بونزي، ومراقبة حساباته المصرفية، حتى توصَّل إلى إقناع عدد من المستثمرين بتعبئة استمارة إفلاس إجباري لتشارلز بونزي، مع تقرير يشير إلى أنه مدين ب7 ملايين دولار على الأقل!
سلَّم تشارلز بونزي نفسه إلى السلطات في 12 أغسطس 1922م، وحُكِمَ عليه بالسجن في عدة قضايا. تم ترحيله من الولايات المتحدة إلى إيطاليا بعد أن أُفرِج عنه عام 1934، عاش أيامه الأخيرة فقيرًا حتى توفّيَ في ريودي جانيرو في مستشفى خيري عام ١٩٤٩م. مات تشارلز بونزي، ولكن مازال مخططه يعيش معنا حتى اليوم!