على الرغم من التطور والتقدم الذي يعيشه الإنسان في هذه العصور التكنولوجية الثورية، لا تزال بعض الأسئلة والمسائل شغل الناس الشاغل ومحور الحديث السائد خاصةً في الميتافيرس أو العالم الافتراضي. فمن منا لم يتساءل قط عن الحياة ما بعد الموت؟ ماذا سيحصل بعد وفاتنا؟ أين سنذهب؟ سؤال بشري طبيعي يجول في فكر كل فرد منا. كثيرون هم الذين وضعوا نظريات واحتماليات بل وتوقعات لرسم المشهد بعد الوفاة. ولكن حتى اليوم، لا إجابة علمية دقيقة للحياة ما بعد الموت. وانطلاقًا من هذه الحقيقة المثبتة، وجد علماء النفس أن الخوف من الموت ليس إلا مصدر تحفيز لعمل الإنسان ونشاطه. وهذا ما يفسر الابتكارات التكنولوجية الضخمة التي تحتل العناوين الكبرى ومنها العوالم الرقمية والافتراضية.
عمد البشر إلى خلق عوالم افتراضية خاصة بهم، بطلها الإنسان الرقمي أو ما يدعى بالأفاتار. بات الإنسان اليوم المهندس الحصري لعالم رقمي جديد بل ولحياة رقمية جديدة كليًا. ففي فضاء الويب 3 الرائد، اكتسب الميتافيرس شعبية وإقبالاً شديدًا من المستثمرين كباقي الأفراد في العالم. وهذا ما يفسر التوقعات الهائلة التي تشير إلى وصول قيمة هذا القطاع إلى 5 تريليون دولار بحلول عام 2030.
ومع ذلك، تبقى مسألة الموت سؤالًا يحير العالم. فهل سيتخذ الموت وجهًا جديدًا في الحياة الافتراضية؟ ماذا سيحدث لشخصيات العالم الرقمي بعد موت أشخاصهم في العالم الحقيقي؟
في حديثه مع كوين تيليغراف، أشار المؤسس المشارك لمنصة الميتافيرس الشهيرة وايلدير وورلد Wilder World، السيد فرانك وايلدير Frank Wilder، إلى خروج مفهوم «الموت» من قوقعته المتمثلة بالموت الجسدي فحسب في ظل تطور الميتافيرس والأفاتارز الرقمية. فبالنسبة إليه، أصبح من الممكن تخيل أشكال جديدة للحياة ما بعد الموت في عالم افتراضي بحت، كالمحافظة على الوعي الرقمي للشخص أو بناء نصب تذكاري افتراضي للراحل. انطلاقًا من هذا المبدأ، سيجد الفرد نفسه أمام خيارات عديدة لكيفية تكريم حياتهم ما أن يرحلوا عنها للأبد.
اقرأ أيضا.. لتخفيض النفقات.. ديزني تغلق وحدة الميتافيرس
كبسولات الذاكرة
أكدت ماريانا كابوغيرا Mariana Cabugueira، المهندسة المعمارية الرئيسية والمخططة الحضرية لأول مدينة رقمية في ميتافيرس Wilder World ، على ضرورة اتباع نهج جديد للحفاظ على الموروثات بعد الموت. ومن هنا تغيرت النظرة بشأن المقابر التي بدورها تحولت إلى مساحات تذكارية خاصة مع كبسولات تحمل ذاكرة وروح الأفاتار الرقمي بعد موته. وفي الحقيقة، ستعرب هذه الكبسولات الرقمية عن الطريقة التي يرغب بها الفرد أن يتم تذكره وتكريمه وإخبار قصته وتجربته. ولا بد الإشارة إلى أن الأفاتارز كائنات خالدة لا تتقدم في العمر، يتحكم بها أفراد طبيعيون الذين هم بدورهم يتقدمون بالعمر شيئًا فشيئًا.
وتكريمًا لهذه العقول النَيّرة والأرواح المسنة وراء الشخصيات الرمزية الرقمية، لا بد من توفير نهاية تليق بحجمها وعطائها. وبالتالي، ستكون مقابر كبسولات الذاكرة بمثابة أماكن إنهاء الرحلة ومرحلة أخيرة يطوي فيها الفرد قصة حياته الواقعية. تمتلك كابوغيرا رؤية واضحة لشكل هذه المساحات، إذ ستكون ضخمة وعالية كالكاتدرائيات، مع ربط الرمزية بالضوء والسماء.
أخلاقيات الحياة الرقمية بعد الموت
والأصول الرقمية والبيانات الشخصية، ما مصيرها بعد وفاة الإنسان؟ لا يزال المعنيون يبحثون في المجال للإجابة على هذا السؤال الشهير. وكثيرون هم الذين يبحثون في كيفية نقل ملكية الأصول إلى الورثة بعد وفاة الشخص. وانطلاقًا من مبدأ أخلاقيات الحياة الرقمية بعد الموت، سلطت مارجا كونتينن Marja Konttinen ، مديرة التسويق في ديسنترالاند فاوندايشن Decentraland Foundation، الضوء على أن التوأم الرقمي الذي يتابع الحياة بعد الموت الفعلي والجسدي للمستخدم من شأنه أن يدفع تساؤلات حول أخلاقيات الحياة ومبادئها.
لا يزال الميتافيرس في طور النشوء والصياغة. ولا شك في أن أوجه الحياة البشرية تم استنساخها وضمها إلى عالم افتراضي بحت. إذ تشكلت بعض النشاطات البشرية في الميتافيرس، وتظل بعض النشاطات الأخرى في طور البحث والتصميم كالموت مثلًا. ومع غياب الجواب لشكل حياة الإنسان الفعلية بعد موته، قد يقترب العالم شيئًا فشيئًا من الجواب في العالم الافتراضي.
اقرأ أيضا.. الذكاء الاصطناعي في الميتافيرس.. المشاعر والأصوات تدخل العالم الافتراضي