فيما يشبه سباق تسلح قد يشعل حرب الروبوتات، يبحث علماء في الذكاء الاصطناعي لابتكار روبوتات جديدة تتحقق من مصداقية ما تبثه الروبوتات الأخرى التي بإمكانها إطلاق ملايين الصور المزيفة بشكل متقن. وتلقى هذه الروبتات اهتمامًا من قبل مستثمرين يضخون عشرات الملايين من الدولارات في الشركات المسؤولة عن تطويرها، باعتقاد أنها ستولد قيمة اقتصادية بتريليونات الدولارات.
يأتي اتجاه العلماء في هذا المسار على خلفية الصور المزيفة فائقة الجودة التي أنتجتها أنظمة الذكاء الاصطناعي، التي غزت مواقع التواصل الاجتماعي، ومن بين هذه الأنظمة، ميدجورني Midjourney، ودال إي DALL-E، وديب إيه آي DeepAI، وستايبل ديفيوشن Stable Diffusion التي تعمل جميعها على تحويل النص إلى صورة حسب طلب ورغبة المستخدم.
ففي الآونة الأخيرة شاهد الملايين من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، ما قد يكون وقودًا لـحرب الروبوتات، يتمثل في انتشار صور تم إنتاجها بأدوات الذكاء الاصطناعي تظهر شخصيات مهمة في مواضع تثير الجدل، مثل صور للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تزعم تعرضه للاعتقال ومقاومته لقوات الشرطة، والتي أنتجها نظام ميدجورني Midjourney، وسبقتها صور أخرى تزعم أنها للحظة اعتقال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون، وصور لشخصية ثالثة هي للرئيس الفرنسي مانويل ماكرون تصور أنه يتعرض لمطاردة من قبل متظاهرين وسط دخان هائل.
اقرا أيضًا.. زوكربيرغ مهتم بالذكاء الاصطناعي.. ماذا تريد ميتا من هذه التكنولوجيا؟
حرب الروبوتات وسباق التسلح
في مواجهة مخاطر هذه الصور المزيفة المنتشرة بشكل فيروسي، بدأ علماء في ابتكار روبوتات مضادة بإمكانها كشف هذه الصور المزيفة، فيما يمكن أن نطلق عليه بداية حرب الروبوتات.
«ستكون المعركة بين أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تنتج الصور المزيفة من جهة، وأنظمة الذكاء الاصطناعي الأخرى التي تكشف الصور المزيفة، سباق تسلح»، يقول وائل عبد المجيد، الباحث في علوم الحاسوب بجامعة كاليفورنيا، في مقابلة مع ساينتفيك أميريكان SCIENTIFIC AMERICAN، في نهاية مارس الماضي، ولا يتوقع عبد المجيد فوز أي من الطرفين في حرب الروبوتات في الوقت القريب.
لكن الباحث في جامعة كاليفورنيا ليس متفائلًا بشأن أن تحقيق الانتصار على الجانب الذي يمارس التضليل سيكون سريعًا، وإن كان يقول في الوقت نفسه «هذا لا يعني أننا يجب أن نستسلم»، مقترحًا أن تبادر مواقع التواصل الاجتماعي من تلقاء نفسها بمواجهة المحتوى المنتج بواسطة الذكاء الاصطناعي على مواقعها؛ لأن إدارات هذه الشبكات في وضع أفضل الآن للمواجهة.
بشكل أوضح تحدث عالم الحاسوب في جامعة ويسكونسن ماديسون، يونغ جاي لي، عن فكرة الروبوتات المضادة، بعدما شعر بالتطور المتسارع في روبوتات الذكاء الاصطناعي التوليدية للصور المزيفة، فيقول إن «أفضل طريقة للدفاع عن البشر من الخداع الرقمي عبر الذكاء الاصطناعي أن يكون هناك نظام آخر للذكاء الاصطناعي بإمكانه الكشف عن الصور المصطنعة».
اقرأ أيضًا.. في ظل تطور تزييفها المذهل.. كيف تتحق من الصور عبر الإنترنت؟
حرب الروبوتات تستدعي تدريبًا جيدًا
الاستعداد لـ حرب الروبوتات ليس هينًا.. حيث تعتمد الروبوتات التوليدية بالأساس على تجهيزها بخوارزميات تمنحها في النهاية القدرة على اكتشاف البصمات الدقيقة للصور، ولذلك فإن يونغ لي يرى أن الحل يكمن في إنشاء روبوت يعتمد على تجميع أكبر قدر من الصور الحقيقية ونظيرتها المصطنعة التي تم إنشاؤها بالذكاء الاصطناعي، ثم يتم تدريب هذا الروبوت عبر نموذج تعلم آلي يمكنه من التمييز بين الصورتين.
لكن يونغ لي ومعه خبراء آخرين يرون أن هذه الأنظمة ستواجه تحديات كبيرة تعيق ظهورها إلى النور سريعًا، من بينها أن هذه الروبوتات ستعمل وفق خوارزميات محددة وليس بإمكانها التعرف على الصور التي تم توليدها عبر روبوتات أخرى بخوارزميات أخرى مختلفة تمامًا، بالإضافة إلى عامل آخر وهو التطور المتسارع في روبوتات إنتاج الصور المزيفة التي تعمل على أن تكون هذه الصور أقل قابلية للاكتشاف.
ومع ذلك فإن يونغ لي، وفريقه البحثي يعملون على طريقة لتجنب هذه المشكلة عن طريق تدريب نظام التحقق على التعرف على الصور الحقيقية.
اقرأ أيضًا.. كيف سيقود ChatGPT ثورة في قطاع التعليم؟
حرب الروبوتات تغذيها ملايين الدولار
ويبدو أن المسألة اقتصادية بحتة ويتم النظر فيها فقط إلى العوائد، حيث يعتقد مستثمرون أن مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يحقق تريليونات من الدولارات من حيث القيمة الاقتصادية، وتجلّى ذلك واضحًا في ظهور أكثر من 150 شركة ناشئة تعمل حاليا في مجال الذكاء الاصطناعي، فعلى سبيل المثال في هذا السياق، فإن شركة ستابيليتي إيه آي Stability AI الناشئة التي تقف وراء روبوت ستابيل ديفيوشن Stable Diffusion، قد جمعت مؤخرًا 101 مليون دولار، بحسب موقع المنتدى الاقتصادي العالمي The World Economic Forum.
وما قد يشعل حرب الروبوتات فعلًا استمرار تدريب الروبوتات على مجموعات بيانات ضخمة.
من جهة أخرى، فإنه لا توجد قيود على عمل الشركات التي تجري أعمال تطوير الروبوتات فعلى سبيل المثال ترى شركة Stability AI، أنه يجب إطلاق هذه النماذج بشكل مفتوح؛ لإضفاء الطابع الديمقراطي وإحداث أكبر تأثير ممكن على المجتمع والاقتصاد.
وتسمح الشركة لمستخدمي روبوت ستابيل ديفيوشن بتنزيل برامجه مفتوحة المصدر دون أي قيود، باستثناء قيود ضعيفة على الصور الجنسية أو العنيفة.
على الجانب الأخلاقي فإن مطوري روبوتات الصور المزيفة يلقون بالمسؤولية على عاتق مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، حيث نقلت واشنطن بوست عن عماد مستقى الرئيس التنفيذي لشركة Stability AI، قوله إن «المسؤولية تقع على عاتق المستخدمين سواء كانت هذه المسؤولية أخلاقية او معنوية أو قانونية».
في النهاية يبدو أن العالم يسير بسرعة كبيرة نحو حرب الروبوتات، التي من غير الواضح مدى تكلفتها الضخمة التي سيتحملها العالم على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.