لم يعد الذكاء الاصطناعي بالموضوع الغريب في العالم الحالي، إذ انتشرت هذه التقنية في كل مكان ونجحت في حجز مكان مهم لها في جميع قطاعات الأفراد والمجتمعات. واليوم، دق باب التوظيف التقليدي، بحيث وجد الذكاء الاصطناعي مدخلًا له ليقدم خدماته. ولكن هل هذا التدخل مرحب به أم بات نقمة على قطاع التوظيف السائد في الساحة؟
أسواق مواهب الذكاء الاصطناعي
عرفت المجتمعات مؤخرًا مفهوم أسواق مواهب الذكاء الاصطناعي الذي استقطب اهتمامًا واسعًا نظرًا لحاجة سوق المهن والوظائف إلى مهارات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وإن هذه الأسواق ليست إلا منصات إلكترونية تهدف إلى ربط الأعمال التجارية بخبراء ذوي مهارات عالية بالذكاء الاصطناعي.
وبالتالي، تجسد أسواق المواهب هذه جسر الوصل أو الوسيط بينهم موفرة بالتالي للأعمال والعلامات التجارية وسيلة فعالة لإيجاد الموهبة المطلوبة لأداء مهمة متعلقة بالأتمتة بالإضافة إلى ما تم ذكره، تضم هذه الأسواق خدمات متعددة مثل توفير التدريب المختص لخبراء الذكاء الاصطناعي ناهيك عن المصادر الجوهرية المفيدة لإتمام مهامهم بالكامل.
اقرأ أيضًا.. سام ألتمان أمام «الشيوخ»: الذكاء الاصطناعي التوليدي يحتاج لتدخل الحكومات
تبدأ العملية بخطوة أولية تقوم بها الشركة المعنية. فبدورها، تنشر هذه الأخيرة مشاريعها المتعلقة بالذكاء الاصطناعي على المنصة، محددة المهارات والخبرات المطلوبة للوظيفة. وتلبية لهذه العروض، يعمد خبراء الذكاء الاصطناعي في مرحلة ثانية إلى إنشاء ملفاتهم الخاصة وعرضها على المنصة. بمجرد انتهاء هذه المرحلتين، يلجأ سوق مواهب الذكاء الاصطناعي إلى الاستعانة بالخوارزميات الآلية بغرض ربط الأعمال التجارية بما يوافقها من الخبراء آخذًا بعين الاعتبار المهارات المطلوبة. وبعيد حصول تطابق وتوافق، يسهل السوق عملية التواصل بين الموارد البشرية في الشركة وخبير الذكاء الاصطناعي تمهيدًا لبداية المشروع وتنفيذه.
وبالمقارنة مع أساليب التوظيف التقليدية، يتميز سوق الذكاء الاصطناعي بخصائص مثيرة للاهتمام. فهو يسهل عملية إيجاد الشخص الصحيح للمشروع المراد. فلا عوائق للشركة أمام إيجاد الخبير الصح لمشروعها ولو كان في آخر بقاع الأرض، وكله بفضل بوابة التوظيف العالمية هذه.
اقرأ أيضًا.. شركة أمازون تدخل معركة الذكاء الاصطناعي.. إليك التفاصيل
تغيير منطق التوظيف التقليدي
ولا شك في أن الذكاء الاصطناعي بدأ بتغيير منطق التوظيف التقليدي السائد في العالم التجاري، مضيفًا نوعًا من المرونة والحيوية إلى استراتيجيات التوظيف. فيمكن للشركات اليوم الاستعانة بالموظفين أو المقاولين المستقلين عوضًا عن فريق عمل بدوام كامل ما يسمح لها بالتالي بالتحكم أكثر بقوتها العملية بما يتناسب مع الحاجات والطلبات المتبدلة. وهذا الأمر ليس بالإيجابي للشركة فحسب، بل هو مفيد لخبير الذكاء الاصطناعي الذي يجد نفسه قادرًا على استلام عدة مشاريع ومع شركات متعددة مغذيًا خبراته وتجربته المهنية على نطاق أوسع.
ولا يتوقف هذا التغيير لمسار التوظيف عند هذا الحد، إذ يشجع هذا السوق اعتماد نهج أكثر جدارة لاختيار المواهب. فبدلًا من التركيز على المعايير التقليدية كالشهادات سنوات الخبرة، تلجأ هذه الأسواق إلى الخوارزميات المهمة وأدوات الذكاء الاصطناعي لتقييم الأفراد استنادًا إلى مواهبهم وتاريخ أدائهم وبعض المعايير الأخرى.
وبهذه الطريقة، يضمن أصحاب المهارات فرصة توظيفهم عندما فقدوا الأمل في التوظيف التقليدي. وبكلمات أخرى، يعزز سوق المواهب استراتيجية تفضيل المهارات والأداء على الشهادات لضمان قوة عاملة أكثر تنوعًا وشمولية. هذا وتأتي هذه الأسواق لتملء الفراغ الكامن في بعض القطاعات من حيث المهارات. فبتوفير التدريب الخاص والهادف، تساعد هذه الأسواق الأفراد لثقل خبراتهم وتحسينها لحثهم على المنافسة الشفافة. فلا مهرب إذًا من تطور الاقتصاد ونموه المستدام.
اقرأ أيضًا.. الدبلجة بالذكاء الاصطناعي.. فكرة تجمع 2 مليون دولار !
وككل أدات تكنولوجية أو ابتكار جديد، قد يمتلك هذا السوق بعض السلبيات. فمن الصعب مثلًا التحكم بجودة عمل الموظف المستقل خاصة عندما يكون يعمل عن بعد. هذا وقد يظهر بعض خبراء الذكاء الاصطناعي الذي تم توظيفهم عبر المنصة المعنية أقل التزامًا من موظفي الشركة الدائمين نظرًا لانشغالهم بمشاريع وعملاء آخرين.
أما من حيث الأمان والخصوصية، فإن توظيف أشخاص عبر المنصة قد يهدد خصوصية الشركة، إذ من الضروري أحيانًا مشاركة بعض البيانات السرية لإتمام المشروع المطلوب. وأخيرًا، قد يشكل العمل مع موظفين مستقلين من بلد آخر ومن ثقافة أخرى عائقًا كبيرًا من جهة التواصل والتفاهم. وقد يصب كل ذلك سلبيًا على نوعية العمل والمنتج النهائي للمشروع.
مع انتشار الذكاء الاصطناعي وتطوره يومًا بعد يوم، من المتوقع أن يشهد سوق مواهب الذكاء الاصطناعي توسعًا ونجاحًا كبيرًا مقابل تدهور التوظيف التقليدي.