إن تزايد أهمية الذكاء الاصطناعي، والطلب المتصاعد على وحدات معالجة الرسومات من شركة إنفيديا (Nvidia) قد أسهما بفعالية في صعود أسهم الشركة وإكساب جنسن هوانغ، المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة، شهرة واسعة باعتباره واحداً من أعظم رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا، حتى مارك زوكربيرغ وصفه بلقب «تايلور سويفت للتكنولوجيا».
وارتفعت قيمة شركة إنفيديا (Nvidia)، إلى أكثر من 3 تريليونات دولار، لتصبح ثاني الشركات الأعلى قيمة في العالم خلفًا لمايكروسوفت، بينما ارتفعت ثروة جنسن هوانغ إلى حوالي 116 مليار دولار، ليصبح في المركز الـ11 ضمن قائمة أغنياء العالم، وفقًا لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات.. فكيف أدار الشركة التريليونية؟
عقلية النمو
في مقابلات منفصلة مع ثمانية موظفين حاليين وسابقين عملوا مع جنسن هوانغ خلال مسيرته في إنفيديا (Nvidia) كشفوا عن أسرار إدارته وكيف تمكّن من تحقيق قيمة سوقية تزيد عن 3 تريليونات دولار لشركته.
وأشار هؤلاء الموظفون إلى أن نهج القيادة لدى رئيس شركة إنفيديا يتمثل في مزيج فريد من الطموح عالي السقف والسعي المستمر لتحقيق الكمال، حيث دائمًا ما يضع مطالب كبيرة ويتطلع للتميز المطلق. لقد ساعدت هذه الاستراتيجية على دفع نجاح وإنجازات إنفيديا وخلق ثقافة مؤسسية مشبعة بعقلية النمو.
اثنان من المديرين التنفيذيين السابقين وصفا هوانغ لموقع بيزنس إنسايدر بأنه أكثر الأفراد ذكاءً التقيا به على الإطلاق. وأكدا: «إنه مميز في تبسيط الأمور المعقدة بطريقة واضحة وبسيطة، حيث يمتلك قدرة فريدة على تلخيص المعلومات بشكل دقيق ويتميز بمعرفة واسعة وعميقة تمكنه من التعمق في أي موضوع تقريبًا بوضوح تام».
اقرأ أيضًا.. جنسن هوانغ يعلن ثورة صناعية جديدة على الأعتاب بقيادة إنفيديا
شخصية المحقق
كما أفاد مصدر آخر بأن هوانغ غالباً ما يطرح أسئلة يعرف إجاباتها بالفعل كوسيلة لتقييم مدى فهم الموظفين لموضوع معين؛ وسلط الضوء على هذا الأسلوب باعتباره تكتيكًا استراتيجيًا يشبه تصرفات شخصية الملازم كولومبو في الدراما التلفزيونية الشهيرة «كولومبو»، الذي كان يتظاهر بالجهل ليتمكن من استغلال نقاط ضعف الآخرين أو إثارتهم للإدلاء بمعلومات مهمة.
أحد الموظفين الحاليين أشار إلى أن هوانغ قائد عملي للغاية ويتسم بدقة كبيرة في اهتمامه بالتفاصيل، مشددًا: «جنسن ينخرط بعمق في كل التفاصيل ويعمل بلا هوادة – بل يُعتبر العمل هوايته المفضلة».
وأكد موظفون آخرون أن هوانغ يقوم عادة بمراجعة العروض التقديمية، وكثيراً ما يقترح تغييرات عاجلة لضمان توافق المحتوى مع معاييره العالية والدقيقة.
بيئة تنظيمية أفقية
جنسن هوانغ يفضل البنية التنظيمية الأفقية، وهذا ما انعكس في تصميم مكاتب إنفيديا في بدايات القرن الحادي والعشرين، حيث كان حتى القادة التنفيذيين يجلسون في مكاتب مفتوحة. وفقًا لأحد الموظفين السابقين، كانت هذه الطريقة تهدف إلى منع حدوث فجوة بين العاملين العاديين والإدارة.
تتبع الشركة نهجًا يعتمد على التواصل عبر البريد الإلكتروني، وهو جانب آخر يبرز فيه تأثير هوانغ، حيث يُطلب من الموظفين إرسال قائمة بأهم خمسة أولويات لهم كل أسبوع إلى هوانغ وإلى فرقهم الإدارية.
حتى أن هوانغ شخصيًا قام بالرد على بعض هذه الرسائل، وذلك وفقًا لثلاثة أشخاص، مما جعلهم يشعرون بأنه مشارك بشكل فعال في كافة جوانب عملية الشركة.
معايير عالية
جنسن هوانغ، القائد الاستثنائي لشركة إنفيديا، يرسي معايير عالية ليس فقط لفريقه ولكن لنفسه أيضًا. يُشبه بالمدرب الذي يدفعك لتخطي حدودك، مؤمنًا بأن الإمكانات الحقيقية تُكتشف من خلال التحدي والتطوير المستمر. «إنه يطلب الكثير لأنه يرغب في أن تحقق أقصى ما لديك، لصالحك ولصالح الفريق»، وفق أحد زملائه.
في عالم إنفيديا، الخطأ ليس عيبًا بل فرصة ذهبية للتعلم والتجويد. يُشجع هوانغ على ما يُعرف بـ “الصدق الفكري”، حيث يُثمَّن الاعتراف بالأخطاء كخطوة نحو التحسين. في حادثة بارزة عام 1999، بعد إطلاق أول وحدة معالجة رسومات، سأل هوانغ فريقه: «ماذا كان بإمكاننا فعله بشكل أفضل؟»، مؤكدًا على أهمية التفكير النقدي والتطور المستمر.
تُظهر قصة هوانغ التزامًا راسخًا بالتميز والتعلم من التجارب. يُعتبر توجيه الأفراد وإبراز فرص التعلم جزءًا لا يتجزأ من دوره كقائد، وهو نهج يُعتبره الكثير من المسؤولين التنفيذيين سابقًا مثالًا للسعي المستمر نحو الكمال.
اقرأ أيضًا.. ماذا تقدِّم شركة إنفيديا وما سر تفوّقها؟
معايير عالية للتحسين المستمر
يتميز جنسن هوانغ بأسلوبه الصارم في التعامل مع الموظفين الكبار، حيث يقوم بتحقيق دقيق معهم. أفاد العديد من الأشخاص لبيزنس إنسايدر بأن الاجتماعات معه تكون مشحونة بالتوتر نتيجة الأسئلة الصعبة التي يطرحها.
ذكر مسؤول تنفيذي سابق أنه من المهم معرفة طبيعة عملك جيدًا، لأنه في حال بدا أنك غير ملم بها، سيبدأ هوانغ بالتحقيق لكشف الثغرات في معرفتك ويحثك على التغلب عليها.
وقارن أحد الموظفين أسلوب استجواب هوانغ بأسلوب المدعين العامين، موضحًا أنه لا يتوانى عن الضغط حتى يتم توضيح الأمور، وأضاف: «إذا لم يوجه جنسن النقد لك، فهذا يعني أنه لا يعيرك اهتمامًا».
اقرأ أيضًا.. «مهمة شاقة».. رئيس شركة إنفيديا يشارك تجربة تأسيس عملاق الرقائق الإلكترونية
الأعمال الإنسانية
يُعرف الملياردير جنسن هوانغ بسخائه وأعماله الإنسانية داخل الشركة. فقد ذكر أحد المسؤولين التنفيذيين السابقين أن هوانغ كان يستضيف بعض الموظفين في منزله بجزيرة هاواي ويُعد لهم وجبة الإفطار بنفسه لأنه يستمتع بالطبخ.
وفي بداية القرن الحادي والعشرين، اختار هوانغ التخلي عن إقامة حفلات عيد الميلاد التقليدية للشركة، مفضلاً دعم الموظفين الذين يشاركون في مبادرات خيرية.
وأضاف موظف آخر: «بدأنا بدعم المدارس التي تعاني من نقص في الموارد، وتوظيف أشخاص، أو المشاركة في أعمال تطوعية بأنفسنا». وفي عام 2011، عقب كارثة الزلزال والتسونامي في اليابان، سارع هوانغ إلى التبرع بالأموال وحث الموظفين على المساهمة أيضًا.