يمتلك جميع الأثرياء وقادة الشركات قصصًا ملهمة في الكفاح والانتقال من الفقر إلى الثراء أو حتى من الفشل إلى النجاح، لكن من أكثر القصص الملهمة للشباب ورواد الأعمال هي قصة الملياردير الصيني جاك ما، مؤسس مجموعة علي بابا العملاقة للتجارة الإلكترونية، ذلك الرجل الذي تحول من معلم فقير إلى أغنى رجل في الصين، بل وفي قارة آسيا في فترة سابقة.
بحسب تقديرات مجلة فوربس الأميركية تبلغ ثروة الملياردير جاك ما، حاليا حوالي 24 مليار دولار، بعدم خسر الكثير من ثروته خلال العامين الماضيين، ومع ذلك يظل من أكبر قادة الشركات حول العالم.
بداية جاك ما مؤسس علي بابا
يتمتع الملياردير جاك ما مؤسس مجموعة علي بابا، بشعبية كبيرة في الولايات المتحدة والصين، والسبب في ذلك قصته الملهمة من الفقر إلى الثراء، لكن من أين كانت البداية؟
وُلد جاك ما، لعائلة فقيرة في هانغتشو بالصين، ولم يكن متفوقاً في المدرسة، إذ فشل في امتحانات القبول في الكلية مرتين قبل أن يجتاز محاولته الثالثة ويدخل معهد المعلمين في هانغتشو.
بعد تخرجه من الكلية عام 1988، تقدم لعشرات الوظائف ولكنه فشل أيضًا في أن يحصل على أي منها، قبل أن يتم تعيينه أخيرًا كمدرس للغة الإنجليزية.
وبحسب موقع بيزنس إنسايدر، فقد قال أكثر من مرة مؤسس علي بابا إنه يحب وظيفته، لكنها كانت تدفع له 12 دولارًا فقط في الشهر، وعلى الرغم من كل الإخفاقات التي واجهته طوال حياته المهنية؛ إلا أنه كان منفتحًا على القيام بتجارب جديدة ومختلفة.
وقال جاك ما، في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا عام 2018: «عندما كنت صبيًا صغيرًا – حتى اليوم – لم أعتقد أبدًا أنني سأكون هنا، عندما أنظر إلى الوراء، أجد أن كل مشكلة واجهتها عندما كنت طفلاً أفادتني».
اقرأ أيضًا.. نصائح جاك ما مؤسس علي بابا الملهمة للنجاح
بدأ عمله الخاص في مجال خدمات الترجمة في عام 1994، وبعد رحلة عمل إلى الولايات المتحدة في عام 1995، أطلق مشروعًا رقميًا في الأيام الأولى للإنترنت، ورغم ذلك فإن شركته الأولى التي حملت اسم «صفحات الصين» فشلت أيضًا ولم تحقق النجاح الذي كان يأمله.
ولكن كعادته لم يفقد جاك ما الأمل؛ بل اتخذ كل التجارب الفاشلة من أجل أن تدفعه للنجاح، وبالفعل في عام 1999 استطاع أن يجمع 17 صديقا لإنشاء شركة علي بابا، وأطلق موقعًا إلكترونيًا عبر الإنترنت يسمح للمصدرين بإدراج منتجاتهم مباشرة على المنصة، مما أدخل الصين إلى عصر التجارة الإلكترونية.
والمفارقة هنا أن أنجح رواد الأعمال على الإنترنت في هذا الجيل؛ لم يكن على معرفة بالتسويق أو أجهزة الكمبيوتر.
ومع ذلك ذكر جاك ما، أن بدايته كمدرس علمته كيفية بناء شبكة علاقات قوية واكتشاف المواهب وتنميتها، ووضع المواهب المناسبة في الأماكن المناسبة، وهو ما ساهم كثيرًا في رسم الاتجاه الصاعد لشركة علي بابا.
أسلوب جاك ما في الإدارة
نجاح الملياردير الصيني جاك ما، في إدارة واحدة من أكبر شركات التجارة الإلكترونية، لم يكن وليد الصدفة؛ بل وفقًا لأسلوب الإدارة الذي كان يتبعه.
وقال بريان وونغ، الموظف رقم 52 في شركة علي بابا، لموقع بيزنس إنسايدر (Business Insider) عن أسلوب إدارة جاك ما: «لقد كان معلمًا أكثر من كونه مديرًا».
وأمضى وونغ ما يقرب من عقدين من الزمن في شركة علي بابا على مدار ثلاث فترات عمل منفصلة – من عام 1999 إلى عام 2020، ومؤخرًا، كان نائب رئيس مجموعة الشركة ولا يزال مستشارًا لوحدة علي بابا التي تركز على التعليم والتدريب.
باعتماده أسلوبًا فريدًا في الإدارة، أصبح مؤسس علي بابا مثالًا يحتذى به لأي رائد أعمال، فهو كان يحرص على تشجيع ومساندة جميع الموظفين ليقدموا أفضل ما لديهم في العمل، وهذا عامل حاسم في قيادة الشركة، فقد استطاع بجاذبيته الشخصية أن يجذب الدعم اللازم له.
وأضاف وونغ: «إنه ماهر في حشد الجميع من أجل تحقيق الهدف المشترك».
اقرأ أيضًا.. شركة علي بابا تقتحم المنافسة في الميتافيرس
وشارك جاك ما في تأسيس موقع علي بابا في يونيو 1999. وفي أكتوبر، تمكنت الشركة من جمع 5 ملايين دولار من عملاق وول ستريت غولدمان ساكس و20 مليون دولار أخرى من مستثمر التكنولوجيا الياباني سوفت بنك.
بالرغم من ضغوط العمل في شركة علي بابا، إلا أن جاك ما حافظ على روح الدعابة والمرح، وهذا ما انعكس بوضوح على إطلاق منصة «تاوباو» للتسوق، حيث أتاح لفريقه الكثير من الأوقات ليستريحوا فيها، لتعزيز نشاطهم وطاقاتهم.
الانتقال إلى مرحلة الازدهار
على الرغم من التجارب الفاشلة الكثيرة في حياته المهنية؛ إلا أن الملياردير الصيني جاك ما، كان واثقًا من نجاحه هذه المرة، وبالفعل بدأت شركته تزدهر بشكل كبير داخل الصين في عام 2010، ومع ذلك كان طموحه أكبر من ذلك وهو الازدهار خارج الصين وفي مختلف أنحاء العالم.
في عام 2014، بدأت علي بابا التداول في بورصة نيويورك، مما جعل جاك ما، أغنى شخص في آسيا بحلول نهاية ذلك العام بثروة تقدر بـ 25 مليار دولار.
وقال مؤسس علي بابا، للصحفي تشارلي روز في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس عام 2015: «ما أفكر فيه هو كيف يمكننا أن نجعل علي بابا منصة للشركات الصغيرة العالمية».
ازدهار شركة علي بابا في مختلف أنحاء العالم، جعلها رائدة في التجارة الإلكترونية، وأصبح هو من أبرز قادة الشركات ما جعل اسمه يذكر جنبا إلى جنب مع أكبر الأسماء في مجال الأعمال والتكنولوجيا والحكومة على مستوى العالم، بما في ذلك بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت، و ماسايوشي سون، الرئيس التنفيذي لشركة سوفت بنك.
لكن جاك ما دخل في خلافات مع بعض السياسيين في بكين، كما ذكرت صحيفة فايننشال تايمز في أبريل 2021.
وانتقد مؤسس علي بابا، علنًا الهيئات التنظيمية الصينية في أكتوبر 2020 بسبب خنق الابتكار، وبعد خلافات كبيرة اختفى جاك ما لفترة من الوقت، وخسر جزءا كبيرا من ثروته، حتى ترك مقعد القيادة في الشركة.
جاك ما يتجه إلى القطاع الزراعي
بعد تنحي جاك ما عن رئاسة شركة علي بابا العملاقة في مجال التجارة الإلكترونية، لم يبتعد عن العمل، بل واصل نشاطه خلال السنتين الأخيرتين، وزار العديد من المراكز البحثية حول العالم التي تهتم بالزراعة الحديثة والمتطورة.
وفي شهر أكتوبر من عام 2021، كان جاك ما في رحلة استكشافية في إسبانيا، للتعرف على أحدث تقنيات الزراعة وعلاقتها بالمشاكل البيئية، كما سافر إلى هولندا واليابان وتايلاند لمتابعة الابتكارات الزراعية.
وفي شهر مايو من العام الماضي، أصبح جاك ما عضوًا في هيئة التدريس في كلية طوكيو، حيث يقوم بأبحاث في مجال الزراعة الصديقة للبيئة وإنتاج الغذاء، وكذلك كان في تايلاند، حيث اجتمع بسوباكيت تشيرافانونت، رئيس مجموعة تشاروين بوكفاند، وهي شركة رائدة في صناعة الأعلاف الحيوانية.
اقرأ أيضًا.. مؤسس علي بابا يعود للتدريس.. هل انتهت مسيرة جاك ما؟
وأفادت صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست «South China Morning Post»، أن جاك ما، أنشأ شركة تسمى «Hangzhou Ma’s Kitchen Food»، والتي تتخصص في بيع وتوزيع المنتجات الغذائية والزراعية المعبأة.
وعلى الرغم من عدم الإفصاح عن دوافعه للانتقال إلى الزراعة، إلا أن بريان وونغ، أحد موظفي شركة علي بابا، ومساعد سابق لجاك ما، قال إنه كان مهتمًا بكيفية دعم الاقتصاد الرقمي لربط القرى والمناطق الريفية بفرص التنمية، وهو ما ينعكس على مؤسسته التي تساعد المعلمين في هذه المناطق.
وألمح مؤسس علي بابا، في خطاب بالفيديو أمام مجموعة من المعلمين الريفيين في شهر أغسطس الماضي، إلى أنه سيعمل في القطاع الزراعي بنفس الروح الريادية التي طبقها في مشاريعه السابقة.
وقال جاك ما: «لقد اكتشفت أن النجاح في الزراعة لا يعتمد على مدى توفر الموارد، بل على مدى تميز الأفكار والإبداع للأشخاص، القرى والمناطق الريفية تحتاج إلى التكنولوجيا، لكني أعتقد أن الفكر الفريد والابتكار مهمان أيضًا».