لقد تحولت هواوي، التي تُعد من الشركات العملاقة في مجال التكنولوجيا والأكثر إثارة للنقاش عالميًا، إلى قوة بارزة في هذا الميدان على مدى نحو أربعة عقود. بدأت هذه الشركة الصينية مسيرتها كمُصنّع رائد لمعدات الشبكات العالمية، مُنتجةً للمكونات الأساسية مثل المحطات الأساسية، وأجهزة التوجيه، والمودمات، والمحولات، التي تُمكّن من خدمات الاتصال الهاتفي والإنترنت حول العالم.
وقد أضافت الشركة إلى مجموعة منتجاتها الأجهزة القابلة للارتداء والهواتف الذكية، التي باتت تُشكل تحديًا كبيرًا لهاتف أيفون من أبل في السوق الصينية.
بحلول عام 2023، كان لدى هواوي حوالي 207,000 موظف، وكانت تعمل في أكثر من 170 دولة ومنطقة. وفي ذلك العام، سجلت الشركة إيرادات تقارب 100 مليار دولار وأرباحًا تزيد عن 12 مليار دولار.
رغم أن رن تشينغ فاي، المؤسس والرئيس التنفيذي لهواوي، بدأ حياته المهنية بشكل متواضع، إلا أن ثروته وصلت إلى مليار دولار بحلول عام 2022، وفقًا لمجلة فوربس.
ومع ذلك، تواجه هواوي اتهامات من الولايات المتحدة بسرقة الأسرار التجارية، مما يجعلها مثار جدل. تُعتبر الشركة منافسًا قويًا لأبل وتُنظر إليها كتهديد للأمن القومي في الولايات المتحدة وعدد من دول العالم.
بداية تأسيس شركة هواوي
بداية تأسيس شركة هواويفي عام 1987، أسس رن تشنغفي شركة هواوي في شقة بمدينة شنتشن الصينية وهو في الرابعة والأربعين من عمره، ويشغل الآن منصب الرئيس التنفيذي للشركة وهو في التاسعة والسبعين من عمره.
ذكر رن أن رأس المال الأولي لهواوي كان حوالي 21,000 يوان، أي أقل قليلًا من 3,000 دولار أمريكي في مايو 2024، مؤكدًا أنه لم يحصل على أي دعم مالي من الحكومة الصينية وأنه جمع الأموال من مستثمرين خارجيين. وأشار إلى أنه لم يكن لديه خبرة سابقة في إدارة شركة، وفقًا لما ذكره موقع بيزنس إنسايدر.
كانت البدايات المتواضعة لهواوي كموزع لمعدات الهاتف التي تُصنع من قبل شركة في هونغ كونغ. وفي وثائقي لهواوي، قال رن: «لعملنا بجد وكسبنا أولى أرباحنا في تلك السنوات الأولى». ومع نمو أعمال هواوي، توقفت الشركة الموردة في هونغ كونغ عن تزويد هواوي بالمعدات، مما دفع الشركة الناشئة إلى تطوير منتجات الاتصالات الخاصة بها.
خلال التسعينات، ركزت هواوي على البحث والتطوير لإنتاج منتجات اتصالاتها الأولية، وكان الموظفون يعملون بلا كلل منذ البداية. ونظرًا لهيمنة الشركات الكبرى على المدن الصينية الكبرى، وجهت هواوي جهودها نحو بيع معدات الاتصالات في المناطق الريفية، التي كانت قادرة على تحمل الظروف الجوية الصعبة.
اقرأ أيضًا: شركة هواوي تستثمر 400 مليون دولار لإنشاء منطقة سحابية بالسعودية
بحلول العام 1995، نجحت هواوي في تحقيق مبيعات تقدر بنحو 220 مليون دولار، كما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية.
وفقًا لما ذكره ليو كي، أحد أعضاء المجلس الإشرافي لهواوي، في السلسلة الوثائقية للشركة، كانت الأيام الأولى للشركة تتميز بعمل الموظفين على مدار الساعة لمدة شهر كامل تقريبًا دون مغادرة المقر، قائلًا: «عندما تشعر بالإرهاق، خذ قسطًا من الراحة، استحم، وعد إلى العمل».
في بداية الألفية الجديدة، اتخذت هواوي قرارًا بتوسيع نطاق عملياتها لتشمل الأسواق العالمية، ولكن لم تكن الخطوات الأولى خارج الصين سهلة، حيث واجهت الشركة تحديات كبيرة في تسويق منتجاتها للعملاء الدوليين.
وفي مقابلة أجريت معه على شبكة CBS في عام 2019، أعرب رن تشنغفي عن صعوبات البدايات قائلًا: «كان من الصعب جدًا الحفاظ على بقاء هواوي بعد تأسيسها».
وبحلول العام 2000، بلغت مبيعات هواوي الدولية 100 مليون دولار أمريكي، وفي عام 2005، تجاوزت قيمة العقود الدولية المبيعات المحلية للمرة الأولى.
التوسع من الصين إلى الأسواق المختلفة
التوسع من الصين إلى الأسواق المختلفة بعد النجاح الكبير الذي حققته الشركة في الصين، بدأت هواوي في دخول سوق الأجهزة الاستهلاكية، وكان هاتف «Huawei U626» أول هاتف 3G للشركة، وفي عام 2004، قامت الشركة بشحن أول هاتف لها وهو «C300»، مع ميزات مثل المكالمات الصوتية الأساسية والرسائل النصية القصيرة، وهي خدمة رسائل نصية.
وبعد ذلك بعامين، أصدرت الشركة هاتف «Huawei U626»، أول هاتف 3G لها مزود بشاشة ملونة وكاميرا واتصال بيانات أسرع، في محاولة لدخول سوق الهواتف المتقدمة.
وأصدرت الشركة مودم USB في عام 2006، والذي يمكن توصيله بأجهزة الكمبيوتر للوصول إلى الإنترنت، وبحلول أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وصلت هواوي إلى سلسلة من الإنجازات المالية.
اقرأ أيضًا: لماذا تسعى الصين لحظر منتجات شركة أبل؟
وعلى الرغم من بعض السنوات الصعبة، واصلت شركة هواوي عملها خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وبين عامي 2008 و2009، زادت مبيعات العقود بنسبة 46% – جاء معظمها من الخارج – وحققت إيرادات تقترب من 23.3 مليار دولار، وفقًا لرويترز.
وكانت الشركة تسعى أيضًا إلى التوسع في الولايات المتحدة، وبالفعل بعد نجاح هواتفها الذكية، توسعت هواوي لتشمل الأجهزة القابلة للارتداء، ومنذ نجاح هواتفها المحمولة، غامرت هواوي بتصنيع المزيد من الأجهزة الذكية، وفي عام 2015، أصدرت الشركة ساعة هواوي، التي جمعت بين وظائف الساعة النموذجية وميزات الساعة الذكية الحديثة.
وبحلول عام 2019، بدا أن عملاق الاتصالات يقود ثورة 5G للاتصال اللاسلكي الأسرع على مستوى العالم، واعتبارًا من فبراير 2019، كان لدى الشركة أكثر من 30 عقدًا لشبكة 5G ونشرت أكثر من 40 ألف محطة 5G على مستوى العالم، حسبما ذكرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز، مما يدل على نفوذها العالمي.
سياسة العمل في شركة هواوي
سياسة العمل في شركة هواوي في هواوي، يُعتقد أن الشركة تتفوق على العديد من مزودي الخدمات الأمريكيين في مجال تطوير التكنولوجيا، ويُشار إلى أن الرواتب التي يتقاضاها موظفو هواوي مرتفعة رغم التحديات التي تطرحها بيئة العمل.
تُعرف الشركة بثقافتها العملية الشاقة، ويُذكر أن العمال يتلقون مكافآت سخية تفوق الراتب الأساسي لإتمام المهام الموكلة إليهم.
في تصريح لصحيفة لوس أنجلوس تايمز عام 2019، وصف أحد الموظفين السابقين المكافآت بأنها «مبالغ ضخمة»، وأفاد موظف آخر بأن هواوي تقدم للعاملين فرصة لشراء أسهم الشركة إذا استطاعوا تحقيق أهداف معينة.
أما بالنسبة لتقييمات الأداء، فيُقال أن الموظفين في الصين يُصنفون ضمن فئات A، B، C، أو D، مما يخلق منافسة بين العمال للوصول إلى النجاح. ووفقًا لما ذكره أحد العاملين في شنتشن لصحيفة التايمز، يتلقى العمال الذين يحصلون على تصنيف “A” مكافآت تعادل ضعف ما يتلقاه الحاصلون على تصنيف «B»، ويُفصل العمال الذين يحصلون على تصنيف «C» لمدة عامين متتاليين.
هواوي تنافس شركة أبل
هواوي تنافس شركة أبل تحولت الهواتف الذكية من هواوي إلى منافس قوي لهواتف آيفون من أبل في السوق الصيني، وهي من بين المنتجات الاستهلاكية الأكثر نجاحًا للشركة.
اقرأ أيضًا: شركة آبل تواجه كابوسًا جديدًا في الصين.. ما القصة؟
يتنافس هاتف «Huawei Mate 60» مع أحدث إصدارات آيفون، وقد أطلقت هواوي سلسلة «Ascend»، أول خطوطها للهواتف الذكية، في عام 2010، مما مهد الطريق لدخولها السوق العالمي للهواتف الذكية بعد ظهور آيفون.
وفي عام 2012، كشفت النقاب عن هاتف «Ascend P1 S» الذي كان يُعتبر وقتها من أنحف الهواتف الذكية عالميًا. وتبع ذلك إطلاق سلسلة هواتف Mate و«P Lines» المتقدمة، بالإضافة إلى أجهزة أقل تكلفة تحت العلامة التجارية الفرعية “Honor”.
هواوي تثير الجدل
هواوي تثير الجدل لقد كانت مسيرة هواوي العالمية محط أنظار ومثار للنقاش، إذ تعرضت لاتهامات بالتجسس وسرقة المعلومات السرية من شركات عالمية. في عام 2003، اتهمتها شركة سيسكو بسرقة تقنياتها، وهو ما تم تسويته لاحقًا. وفي 2010، وجهت موتورولا اتهامات مماثلة لهواوي، لكن القضية أُسقطت في العام التالي.
بحلول عام 2017، وجدت هيئة محلفين أن هواوي قد استولت على أسرار تجارية من T-Mobile في حوادث وقعت بين عامي 2012 و2013. وقد أثارت هذه الأحداث قلق الولايات المتحدة، التي اعتبرت هواوي تهديدًا للأمن القومي، وأدت إلى حظر منتجاتها في 2019 بأمر من الرئيس السابق دونالد ترامب.
اقرأ أيضًا.. آيفون 15.. تحديات تواجه مبيعات هاتف آبل الجديد
كما عبرت الولايات المتحدة ودول أخرى عن مخاوفها من استغلال الصين لمعدات هواوي في أعمال التجسس. وفي 2012، نصح تقرير لجنة الاستخبارات بالكونغرس الأمريكي الشركات بتجنب منتجات هواوي لأسباب أمنية.
وعلى الرغم من التوترات، أبرمت AT&T صفقة مع هواوي في 2018 لبيع هواتفها الذكية في الولايات المتحدة، لكن الإدارة الأمريكية منعت استخدام معداتها في الوكالات الفيدرالية بين 2017 و2018. وتصاعدت الإجراءات ضد هواوي في 2019، مع توسيع القائمة السوداء وزيادة التوترات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة.
اعتقال ابنة رئيس هواوي
اعتقال ابنة رئيس هواويفي 2018، وقعت منغ وانزهو، التي تشغل منصب المديرة المالية لشركة هواوي وهي كذلك ابنة المؤسس، تحت طائلة القانون في كندا بتهم تتعلق بالاحتيال وخرق العقوبات. وقد تم فرض الإقامة الجبرية عليها استجابةً لطلب التسليم الصادر عن الولايات المتحدة، والذي يستند إلى اتهامات بالاحتيال المصرفي والتحويلات المالية الإلكترونية، وكذلك بالتحايل للتهرب من العقوبات المفروضة على إيران عبر شركة سكايكوم.
اقرأ أيضًا.. أبل تعتزم دمج الذكاء الاصطناعي في جميع منتجاتها
بعد انتظار دام ثلاث سنوات لتسليمها إلى الولايات المتحدة، تم الإفراج عن منغ وانزهو في 2021 وعادت إلى الصين بموجب اتفاق مع وزارة العدل الأمريكية.
وفي سياق المنافسة التكنولوجية، تسعى هواوي لتعزيز موقعها في السوق الصينية في مواجهة أبل، حيث قدمت هاتفها الجديد «Pura70» بثلاث كاميرات، مماثلة لهاتف «iPhone Pro».
ومع حلول عام 2024، تراجعت مبيعات آبل في الصين، مما أفسح المجال أمام منافسين محليين مثل هواوي. وقد أطلقت هواوي هاتف «Huawei Mate 60 Pro» بسعر 960 دولارًا في 2023، وقد لاقى استحسانًا كبيرًا كبديل للآيفون، خاصة بعد الحظر المفروض على استخدام الآيفون من قبل المسؤولين الحكوميين الصينيين. وفي العام الجاري 2024، أطلقت هواوي سلسلة «Pura 70» بأسعار تنافسية تبدأ من 760 دولارًا، لتشكل تحديًا لأبل بأسعار أكثر تنافسية.
