تُعد الرافعة المالية (Leverage) إحدى أقوى الأدوات وأكثرها جاذبية في عالم التداول والاستثمار، حيث تُمكّن المتداولين من التحكم في صفقات ذات حجم كبير تفوق قدراتهم الشرائية الفعلية، وذلك عن طريق استخدام أموال مقترضة من الوسيط.
هذه الأداة المالية تهدف إلى تضخيم العائدات المحتملة، حيث يمكن لحركة سعر صغيرة أن تتحول إلى أرباح كبيرة عند تطبيقها على مركز مالي موسّع. ومع ذلك، فإن هذه القوة تأتي بثمن باهظ، إذ أن خاصية التضخيم ذاتها تنعكس على الجانب السلبي، محوّلة الخسائر البسيطة إلى كوارث مالية محتملة قد تهدد كامل رأس مال المتداول. ونظراً للمخاطر المتأصلة فيها، والتي تتراوح بين نداءات الهامش المُفاجئة وصولاً إلى احتمال تكبد خسائر تتجاوز قيمة الإيداع الأولي، فما هي أبرز هذه المخاطر؟
ما هي الرافعة المالية؟
الرافعة المالية للمتداولين هي ببساطة استخدام الأموال المقترضة لزيادة حجم مركز التداول إلى ما هو أبعد من القدرة الشرائية لأموال المتداول الخاصة فقط. جوهرها هو أنها تعمل كـ قرض يمنحه الوسيط (Broker) للمتداول.
تسمح هذه الأموال المقترضة للمتداول بـ زيادة القوة الشرائية، أي التحكم في صفقات أكبر بكثير باستخدام كمية صغيرة نسبياً من رأس ماله الشخصي، والتي تُعرف باسم “الهامش”. الغرض الأساسي هو تضخيم النتائج المحتملة، سواء كانت في صالح المتداول أو ضده.
في حالة سير الصفقة في صالح المتداول (تحقيق ربح)، يتم تضخيم هذا الربح لأنه يتم تطبيقه على حجم تداول أكبر بكثير مما كان ممكناً بدون الرافعة المالية. ومع ذلك، إذا سارت الصفقة ضد المتداول (تكبد خسارة)، يتم تضخيم هذه الخسارة أيضاً بشكل كبير، مما قد يؤدي إلى خسارة أكثر بكثير من المبلغ الأولي الذي تم استخدامه كهامش.
مثال على التداول بالرافعة المالية
لتوضيح ذلك بمثال بسيط، تخيل أن لديك 1,000 دولار. بدون رافعة مالية، يمكنك شراء أسهم بقيمة 1,000 دولار كحد أقصى. ولكن عند استخدام رافعة مالية بنسبة 1:10 (10 أضعاف)، يمكنك التحكم في صفقة بقيمة 10,000 دولار (1,000 دولار × 10). إذا حقق هذا الاستثمار ربحاً بنسبة 1%، فبدلاً من ربح 10 دولارات، ستربح 100 دولار. لكن في المقابل، إذا خسر الاستثمار 10% من قيمته، فستخسر 1,000 دولار، وهو ما يساوي كامل رأس مالك الأصلي.
ما هي مخاطر التداول بالرافعة المالية؟
التداول بالرافعة المالية ينطوي على مخاطر كبيرة بسبب خاصية تضخيم النتائج التي ذكرناها سابقاً. إليك أبرز هذه المخاطر:
- تضخيم الخسائر (Magnified Losses):
- هذه هي المخاطرة الأكبر. كما تضخم الرافعة المالية الأرباح، فإنها تضخم الخسائر بنفس القدر.
- قد تؤدي حركة صغيرة نسبياً وغير مواتية في السوق إلى خسارة جزء كبير، أو حتى كل، رأس مالك المستثمر (الهامش الأولي).
- خطر نداء الهامش (Margin Call):
- إذا بدأت قيمة تداولك تنخفض وتراجعت الخسائر إلى مستوى يقل فيه رصيد حسابك عن الحد الأدنى المطلوب للاستمرار في الصفقة (مستوى الهامش المطلوب)، سيقوم الوسيط بإصدار “نداء الهامش”.
- في هذه الحالة، يجب عليك إيداع أموال إضافية فوراً لتغطية الخسارة وإعادة الحساب إلى مستوى الهامش المطلوب. إذا لم تستجب لنداء الهامش، يحق للوسيط تصفية (إغلاق) مركزك تلقائياً بخسارة.
- الخسائر التي تتجاوز رأس المال (Losses Exceeding Capital):
- في الأسواق شديدة التقلب، قد تحدث تحركات سريعة جداً في الأسعار لا تترك مجالاً للوسيط لتصفية صفقتك في الوقت المناسب.
- في هذه الحالة، قد تتجاوز خسائرك المبلغ الأولي الذي أودعته (رأس مالك)، وتصبح مديناً للوسيط بالفرق. (تطبق بعض الهيئات التنظيمية حماية ضد الرصيد السلبي لمنع ذلك، ولكنها ليست مضمونة في جميع الولايات القضائية).
- تكاليف التمويل (Funding Costs / Overnight Interest):
- الرافعة المالية هي أموال مقترضة، وعادة ما يفرض الوسيط رسوم فائدة على هذه الأموال المقترضة إذا احتفظت بالصفقة مفتوحة بين عشية وضحاها (أي بعد إغلاق السوق اليومي).
- هذه التكاليف يمكن أن تتراكم وتقلل من أرباحك بشكل كبير، أو تزيد من خسارتك، خاصة في الصفقات طويلة الأجل.
- زيادة الضغط النفسي (Increased Psychological Stress):
- الحجم الكبير للصفقات وارتفاع المخاطر المرتبطة بالرافعة المالية يزيد من الضغط العاطفي والنفسي على المتداول.
- هذا قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات تداول متسرعة أو غير عقلانية (مثل المبالغة في المجازفة لتعويض الخسائر)، مما يزيد من احتمالية حدوث أخطاء مكلفة.
باختصار: الرافعة المالية تزيد بشكل كبير من عامل الخطر في أي تداول، وتحول الحركات الصغيرة في السوق إلى مكاسب أو خسائر ضخمة. لذا، يجب استخدامها بحذر شديد وبخطط صارمة لإدارة المخاطر.




















