بعد 30 عامًا من العمل، أصبحت أمازون شركة عملاقة بقيمة 2 تريليون دولار وواحدة من أكبر تجار التجزئة في العالم. ولكن بالعودة إلى عام 2001، كان بقاءها موضع شك بعد انفجار فقاعة الدوت كوم وتراجع سهم أمازون بنسبة 90%. اعتقد بعض المراقبين أن شركة أمازون محكوم عليها بعدم التعافي أبدًا، لكن مؤسسها جيف بيزوس قلب الأمور رأسًا على عقب – مع بعض النصائح المفيدة من جيم سينيجال، مؤسس شركة التجزئة المنافسة كوستكو.
في ذلك العام، وفي أجواء مقهى ستاربكس الدافئ داخل بارنز آند نوبل، بالقرب من صرح أمازون في بلفيو، واشنطن، دار حوار مثمر بين بيزوس وسينيجال. وفقًا لما جاء في كتاب “متجر كل شيء” لبراد ستون، كان اللقاء بمثابة نقطة تحول حيث طرح بيزوس فكرة التعاون مع كوستكو لتزويد أمازون ببعض المنتجات. ومع ذلك، سرعان ما اتجه الحوار إلى موضوع أعمق وأكثر استراتيجية، ألا وهو تحديد أسعار المنتجات، مما يشير إلى عمق التفكير الذي كان يسود هذا اللقاء الحاسم.
اقرأ أيضًا.. البحرين تتعاون مع أمازون في برنامج لتمكين المواهب بمهارات الذكاء الاصطناعي
شرح سينجال لبيزوس كيف استطاعت كوستكو تقديم أسعار منخفضة بشكل استثنائي من خلال نهج استراتيجي يركز على التبسيط وخفض التكاليف. فبالتخلص من أي تكاليف إضافية غير ضرورية، وبناء علاقات قوية مع الموردين لتحقيق أفضل الصفقات على المشتريات الضخمة، تمكنت كوستكو من تقديم منتجات عالية الجودة بأسعار تنافسية للغاية. كما أشار سينجال إلى أن هذه الأسعار المنخفضة كانت المحفز الرئيسي الذي يدفع العملاء لشراء عضوية سنوية، والتي تشكل الجزء الأكبر من أرباح الشركة، كما يذكر براد ستون في كتابه “متجر كل شيء”.
وأوضح سينجال لبيزوس كيف أن رسوم العضوية، على الرغم من كونها دفعة أولية، إلا أنها جزء لا يتجزأ من تجربة التسوق في كوستكو. فكل مرة يجد فيها العميل منتجًا بسعر أقل بكثير من المتاجر الأخرى، مثل تلفزيون مقاس 47 بوصة بسعر مخفض، يتأكد من أن عضويته تستحق الثمن. هذه التجربة الإيجابية المتكررة تعزز قيمة العضوية في نظر العملاء، وتجعلهم يشعرون بأنهم جزء من مجتمع خاص يتمتعون بامتيازات حصرية.
وأكد سينجال لبيزوس أن فلسفة كوستكو تتمحور حول تقديم “القيمة القصوى” للعملاء، مشددًا على التزام الشركة الدائم بتوفير أفضل المنتجات بأقل الأسعار. وفي حديثه مع ستون، أشار سينجال إلى اعتقاده بأن بيزوس قد استلهم هذا النهج ورأى فيه إمكانية تطبيقه على نطاق واسع في أمازون.
اقرأ أيضًا.. مارك زوكربيرغ يصبح ثاني أغنى شخص في العالم.. كيف تفوق على مؤسس أمازون؟
لم يعترف بيزوس صراحة بأن اجتماعه مع سينجال قد ألهم أيًا من استراتيجيات التسعير التي تبنتها أمازون. ومع ذلك، يشير ستون إلى أن بيزوس قد عقد اجتماعًا داخليًا بأمازون لبحث “عدم الاتساق” في استراتيجيات التسعير الحالية للشركة، وذلك بعد فترة وجيزة من لقائه بسينيجال. ويبدو أن هذا الاجتماع الداخلي كان بمثابة نقطة تحول في إعادة تقييم أمازون لنهجها في التسعير، سعياً منها للوفاء بوعدها بتقديم أسعار أقل دائماً من منافسيها.
في ذلك الصيف، أقدمت أمازون على خطوة جريئة بخفض أسعار عدد من منتجاتها الرئيسية، مثل الكتب والموسيقى ومقاطع الفيديو، بنسبة وصلت إلى 30% في بعض الحالات. وقد صرح بيزوس لصحيفة نيويورك تايمز بأن هذا الإجراء يتماشى مع فلسفة الشركة التي تتمثل في “خفض الأسعار وليس رفعها”، مؤكدًا التزام أمازون بتوفير أفضل قيمة للعملاء.
اقرأ أيضًا: 5 دروس في الإدارة يمكن تعلُّمها من مارك زوكربيرغ
انتعشت المبيعات مرة أخرى بحلول نهاية عام 2001، عندما سجلت أمازون أول ربع مربح لها على الإطلاق. وذكرت صحيفة التايمز أن بيزوس عزا هذا الانتعاش إلى انخفاض الأسعار، ووعد بإلغاء التكاليف غير الضرورية من أجل إتاحة المزيد من الخصومات، وهي استراتيجية مماثلة لاستراتيجية كوستكو.
أكد بيزوس في مقابلة مع قناة فوكس نيوز في يناير 2002 أن الربع الرابع كان استثنائياً، مشيراً إلى أن السبب الرئيسي وراء هذا النجاح هو خفض أسعار المنتجات. وأوضح بيزوس قائلاً: “رغم أننا لطالما تميزنا بأسعارنا المنخفضة، إلا أن تخفيضها بشكل أكبر في هذا الربع قد حقق نتائج مبهرة”.
بعد سنوات قليلة من تركيزها على خفض الأسعار، أطلقت أمازون في عام 2005 برنامجها الشهير برايم، الذي يقدم مزايا حصرية مثل الشحن المجاني والوصول المبكر للمنتجات الجديدة. وفي رسالة إلى المساهمين عام 2016، وصف بيزوس برايم بأنها قيمة لا تقدر بثمن، مستلهماً بذلك فلسفة الشركات التي تركز على العميل مثل كوستكو.