قد يكون اسم كولن هوانغ غير مألوف للكثيرين خارج الصين، إلا أنه يقف خلف إحدى أكبر قصص النجاح في عالم التجارة الإلكترونية. هذا الشاب الأربعيني، مؤسس ورئيس تنفيذي سابق لشركة «Pinduoduo» الصينية، استطاع ببصيرته أن يبني إمبراطورية تجارية تقدر قيمتها بأكثر من 190 مليار دولار، متجاوزًا عمالقة التكنولوجيا مثل أوبر Uber أو سوني Sony.
تتميز منصة «Pinduoduo» بتجربة تسوق تفاعلية وموفرة، حيث يشجع المستخدمون على الشراء الجماعي للحصول على أفضل العروض. بدءًا من الإلكترونيات الاستهلاكية وحتى البقالة اليومية، توفر المنصة مجموعة واسعة من المنتجات بأسعار تنافسية. وتعتمد «Pinduoduo» على نموذج تجاري مبتكر، حيث تحقق إيراداتها من خلال توفير منصة تسويقية للبائعين، دون المشاركة المباشرة في عملية البيع والشراء.
أسس كولن هوانغ الشركة في عام 2015، ونمت بسرعة منذ ذلك الحين، وتم إدراجها في نيويورك في يوليو 2018.
بدأت قصة نجاح كولن هوانغ، مؤسس شركة «Pinduoduo»، من حبه للرياضيات، ثم انتقل إلى عالم التكنولوجيا بالعمل في غوغل. وبعد أن أسس إمبراطوريته في الصين، قرر التوسع عالميًا بإطلاق تطبيق Temu في الولايات المتحدة، والذي حقق نجاحًا باهرًا في وقت قياسي. وهكذا، تحول هذا الشاب الموهوب من عالم الأرقام إلى عالم الأعمال، ليصبح أحد أبرز رواد الأعمال في العالم.
نشأة كولن هوانغ
نشأ كولن هوانغ في بيئة متواضعة بمدينة هانغتشو، حيث كان والداه يعملان في مصنع. كانت مشاركته في أولمبياد الرياضيات نقطة تحول في حياته، فمن تلك البداية المتواضعة صعد إلى قمة عالم الأعمال، ليصبح أحد أبرز رواد التجارة الإلكترونية في العالم، في نفس المدينة التي تشهد صعود عملاق التجارة الإلكترونية الآخر، علي بابا، وفقا لموقع بيزنس إنسايدر.
في إحدى مدوناته، روى هوانغ كيف غيرت جائزة أولمبياد الرياضيات مسار حياته. فبعد تخرجه من مدرسة ابتدائية عادية، حصل على فرصة ذهبية للالتحاق بمدرسة هانغتشو للغات الأجنبية المرموقة، وذلك بعد أن أبدع في مسابقة الرياضيات.
ورغم حصوله على مقعد في المدرسة، تردد هوانغ في البداية. كان يعتقد أن اهتمام المدرسة ينصب بشكل أساسي على اللغات الأجنبية، بينما كان هو يطمح لمدرسة تتخصص في المواد العلمية كـالرياضيات والفيزياء والكيمياء. يقول هوانغ: «كنت أريد أن أذهب إلى مدرسة قوية في الرياضيات والفيزياء والكيمياء».
تردد هوانغ في البداية، لكن مدير مدرسته تمكن من إقناعه بالالتحاق بمدرسة هانغتشو للغات الأجنبية. وسرعان ما أدرك هوانغ حكمة هذا القرار، حيث يقول: «لقد تعرضنا للثقافة والتأثيرات الغربية في وقت مبكر جدًا، وبشكل أعمق وإلى حد أكبر، وكان الكثير منا أكثر ليبرالية من أقراننا في المدارس الأخرى». واشتهرت المدرسة بالفعل بنهجها التعليمي الليبرالي.
اقرأ أيضًا: «جاك ما» يعود إلى الواجهة.. تعرف على رحلة تأسيسه لإمبراطورية علي بابا
الوصول إلى الإنترنت
في أواخر التسعينيات، كان الوصول إلى الإنترنت في الصين مقتصرًا على قلة محظوظة، وكان هوانغ واحدًا منهم. هذه الفرصة النادرة، إلى جانب صداقاته الدولية، شكّلت أساسًا متينًا لمستقبله. ففي سن الثامنة عشرة، التحق بجامعة تشجيانغ المرموقة لدراسة علوم الكمبيوتر، وسرعان ما لفت أنظار مؤسسة ميلتون، التي اختارته كزميل لها.
واختارت مؤسسة ميلتون مجموعة من الشباب الواعد من مختلف أنحاء العالم، ومنحتهم الفرصة لاكتشاف عالم التكنولوجيا عن قرب. فقد زودتهم بأحدث الأجهزة والإنترنت، ومكنتهم من التواصل مع زملائهم حول العالم والسفر بين الدول الأعضاء. ويرى هوانغ أن هذه التجربة الفريدة هي التي صقلت شخصيته وأكسبتته نظرة عالمية أوسع.
وعلى الرغم من امتنانه الكبير للفرص التعليمية التي أتيحت له، والتي وصفها بأنه ‘طائر الفينيق الذي يحلق خارجًا من حظيرة الدجاج، يعاني هوانغ من شعور بالندم العميق، ربما بسبب عدم قدرته على مساعدة الآخرين أو الشعور بالذنب تجاه مجتمعه.
في تدوينة له على Medium، عبّر هوانغ عن ندمه على تركيزه الزائد على الدراسة، قائلاً: «لقد كنت شديد التركيز على الأهداف وأهدرت الكثير من الوقت في السعي لأكون الأول في الفصل وطالبًا جيدًا». ويمنى لو استغل وقته في تجارب أكثر مرحًا.
العمل في غوغل
بعد فترة تدريب ناجحة في مايكروسوفت، حيث عمل في مقرها الرئيسي في ريدموند، واشنطن، وفي فرعها في بكين، انتقل هوانغ للعمل في غوغل بناءً على نصيحة أحد المرشدين. وقد لعبت تجربته في مايكروسوفت دورًا هامًا في تهيئته للعمل في بيئة عمل ديناميكية مثل غوغل، حيث كان جزءًا من فريقها الذي كان يستعد لدخول السوق الصيني.
وتم طرح غوغل في 19 أغسطس 2004، وجمعت أكثر من 1.9 مليار دولار، وكان هوانغ قد انضم قبل ستة أشهر فقط. وأشار إلى هذا الوقت العصيب في منشور بالمدونة. وكتب قائلاً: «لقد نمت أرباح التشغيل وعدد الموظفين بسرعة، بينما ارتفع رصيدي البنكي فجأة بشكل كبير أيضاً».
اقرأ أيضًا: نصائح جاك ما مؤسس علي بابا الملهمة للنجاح
تأسيس غوغل الصين
وذكرت بلومبرغ أن كولين هوانغ انتقل إلى الصين عام 2006 للمساعدة في تأسيس فرع غوغل هناك. خلال عمله في الشركة، لاحظ هوانغ بوضوح التناقض الصارخ بين السمعة العالمية لغوغل وصعوباتها في المنافسة مع الشركات المحلية. على الرغم من الموارد الهائلة والاسم التجاري الكبير، عانت جوجل من جذب أفضل المواهب الصينية. كما كتب هوانغ: رغم المظهر الخارجي القوي، فإن بناء فريق قوي في الصين يعتبر تحديًا أكبر للشركات الدولية مما هو عليه للشركات المحلية.
وأعرب هوانغ عن امتنانه الشديد لخبرته في غوغل، مؤكدًا أنه لم يدرك قيمتها الحقيقية إلا بعد مغادرته الشركة عام 2007. قال: «لم أدرك إلا بعد سنوات أنني كنت محظوظًا للغاية بالانضمام إلى عملاق مثل غوغل في بداية مسيرتي المهنية. كانت فرصة فريدة من نوعها لن تتكرر».
ترك غوغل
بعد أن حقق استقرارًا ماليًا، قرر كولين هوانغ ترك شركة غوغل في عام 2007 ليشق طريقه الخاص. أسس هوانغ بعد ذلك موقع التجارة الإلكترونية «Oukou» المتخصص في بيع الأجهزة الإلكترونية، ثم باعه بعد ثلاث سنوات. وفي خطوة جديدة، أسس شركة «Leqi» التي ساعدت العلامات التجارية العالمية على الدخول إلى السوق الصينية عبر منصات التجارة الإلكترونية الرائدة عبر منصات مثل مثل Tmall وJD.com.
الانتقال إلى «Pinduoduo»
بعد أن أسس استوديو الألعاب Xunmeng المتخصص في ألعاب تقمص الأدوار، قرر هوانغ أخذ استراحة مبكرة بسبب مشكلة صحية. إلا أن شغفه بالعمل لم يمنحه راحة طويلة، فسرعان ما عاد إلى عالم الأعمال.
هذه المرة، انتقل إلى قطاع التجارة الإلكترونية الذي كانت تهيمن عليه شركة علي بابا، وأطلق منصة «Pinduoduo» التي تحدت عمالقة السوق. استفاد هوانغ من خبرته السابقة في صناعة الألعاب لتقديم نموذج تجاري مبتكر، مما جذب استثمارات ضخمة، وقد جمع 8 ملايين دولار من مجموعة المستثمرين بقيادة بانيان في عام 2015، وما يقرب من 100 مليون دولار أخرى في العام التالي، وفقًا لبلومبرغ.
اقرأ أيضاً.. نصائح إيلون ماسك أغنى رجل في العالم للاستثمار
استغل هوانغ خبرته في صناعة الألعاب ليحول منصة Pinduoduo إلى تجربة تسوق تفاعلية وممتعة. فبفضل الميزات المشوقة والمكافآت الحصرية، شجع المستخدمين على الزيارة اليومية والتسوق بشكل متكرر. كما وصف هوانغ في نشرة الاكتتاب العام، فإن Pinduoduo تمثل مزيجًا فريدًا بين كوستكو وديزني لاند. ولتعزيز نموها، اعتمدت المنصة على نموذج أعمال مبتكر يعتمد على المكافآت النقدية والتسويق الشفهي، مما جذب أعدادًا كبيرة من المستخدمين والبائعين على حد سواء. وقد ساهم هذا النمو في زيادة الإيرادات بشكل كبير، حيث تعتبر الإعلانات هي المحرك الرئيسي لدخل الشركة.
رغم النجاح الكبير الذي حققته الشركة، وبالرغم من حلم العديد من رواد الأعمال بإدراج شركاتهم في بورصة ناسداك، قرر هوانغ بشكل استراتيجي أن يبقى في الصين. ففي حين بدأت أسهم Pinduoduo بالتداول في ناسداك في يوليو 2018، فضل المؤسس البقاء في شنغهاي. وعندما سئل عن السبب، أشار هوانغ إلى رغبته في مشاركة هذا الإنجاز مع موظفيه وعملائه، لكنه أدرك صعوبة ترتيب تأشيرات للسفر إلى الولايات المتحدة. كما أضاف أن مشاكله الصحية المتعلقة بالأذن تجعله يفضل تجنب الرحلات الطويلة.
الاستقالة من رئاسة Pinduoduo
واستقال كولين هوانغ من منصب الرئيس التنفيذي لشركة Pinduoduo في يوليو 2020، ليتولى زمام الأمور تشين لي، أحد مؤسسي الشركة وكبير مسؤولي التكنولوجيا السابق. وفي مارس 2021، أصبح تشين لي رئيسًا لمجلس الإدارة أيضًا. ومنذ أبريل 2023، شارك تشين لي منصب الرئيس التنفيذي مع جياذهن ذوهو، وهو عضو مؤسس آخر في الشركة وكان يشغل منصب نائب الرئيس الأول. وقد ساهم ذوهو في تطوير العديد من المجالات الحيوية في الشركة، بما في ذلك البقالة والزراعة وسلسلة التوريد.
ومنذ أن ترك قيادة الشركة، ركز هوانغ على الأبحاث في مجال الغذاء وعلوم الحياة، وفقًا لبلومبرغ، ولكن الشركة التي أسسها ازدهرت، منذ أن أطلقت تطبيق التسوق Temu بسعر مخفض، حتى وصل إلى الولايات المتحدة، بل وأصبح من أكثر التطبيقات في قوائم التنزيل على متجري غوغل بلاي وأبل ستور.
وتعمل شركة Temu حصريًا كسوق، حيث يقدم البائعون – المتمركزون في الغالب في الصين – مجموعة واسعة من العناصر التي تتراوح من الأزياء السريعة والمكياج إلى الإلكترونيات والأدوات المنزلية على موقعها الإلكتروني وتطبيقها. تم إطلاقه للتنافس مع أمثال موقع سي إن Shein الصيني للأزياء السريعة.
اقرأ أيضاً.. نصائح وارن بافيت لبناء ثروة في سن الـ30
وتبيع شركة Temu سلعها الرخيصة باستخدام عبارة «تسوق مثل الملياردير»، وتركز موقعها وتطبيقها على الخصومات التي يمكن للعملاء الحصول عليها. كما أنه يدفع المتسوقين إلى الشراء بسرعة باستخدام عبارات مثل ‘م بيعه تقريبًا وبقي 29 فقط.
النجاح الدولي لشركة Temu
وساعد النجاح الدولي الذي حققته شركة Temu في زيادة مبيعات الشركة الأم وتقييمها الإجمالي، حيث أعلنت الشركة عن إيرادات بقيمة 34.9 مليار دولار في عام 2023، بزيادة قدرها 90٪ عن عام 2022. وللمقارنة، سجلت Walmart إيرادات بقيمة 648.1 مليار دولار في العام حتى أواخر يناير 2024.
والآن مع ارتفاع القيمة السوقية للشركة أصبح كولن هوانغ أغنى شخص في الصين، بثروة تقدر بـ 48.6 مليار دولار، وفقًا لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات.
لكن ثروته لم تكن مستقرة، فهي بعيدة كل البعد عن ذروتها التي بلغت أكثر من 70 مليار دولار في أوائل عام 2021، وانخفضت في العام التالي ولكنها ظلت منذ ذلك الحين في ارتفاع بشكل عام.