في شهر فبراير الجاري تحتفل منصة فيسبوك للتواصل الاجتماعي بعامها العشرين، حيث تعد أشهر وسائل التواصل الاجتماعي على مستوى العالم بأكثر من 3 مليارات مستخدم، وهي السبب الرئيسي لتتخطى شركة ميتا قيمة تريليون دولار، لكن في ظل التطور التكنولوجي وظهور تطبيقات المراسلة بدأت الناس تنسحب من وسائل التواصل الاجتماعي إلى هذه التطبيقات.
يأتي ذلك في الوقت الذي تعرض فيه مارك زوكربيرغ، مؤسس الشبكة الاجتماعية، لانتقادات حادة من قبل أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بسبب انتشار المحتوى الضار على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة الموجه إلى الأطفال، ولكن هذا الانتقاد ليس الأول ولن يكون الأخير لأن شركة ميتا (Meta)، الشركة الأم لفيسبوك، باتت تواجه هذه الانتقادات بشكل متكرر.
انسحاب الجمهور من وسائل التواصل الاجتماعي
يشهد عالم وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصًا تلك التي تتبع ميتا، تغييرًا هائلًا لم ينتبه له الكثير من الناس، بحسب ما ذكرته صحيفة ذي إيكونوميست. فبينما كانت هذه الوسائل توفر فرصة للتواصل الشخصي والجماعي، فإن الجمهور يتجه إلى الابتعاد عنها والانقسام إلى مجموعتين: مجموعة تفضل تطبيقات الفيديو مثل تيك توك وسناب شات، ومجموعة تفضل تطبيقات المراسلة مثل واتساب والبريد الإلكتروني، وذلك لأن المحتوى العام ينتقل بشكل متزايد إلى المجموعات الخاصة.
وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تمثل تجربة الإنترنت للكثير من الناس، حيث يستخدم فيسبوك وحده أكثر من 3 مليارات شخص، ويقضي معظم الناس حوالي 4 ساعات يوميًا على هذه الوسائل، وتشكل محور المناقشات على الشبكة، بحسب ما ذكرته صحيفة ذي إيكونوميست. لكن هناك تغيير جذري يحصل في هذا المجال، خاصة بالنسبة لوسائل التواصل الاجتماعي التابعة لميتا. فالناس يتركونها ويتوجهون إلى تطبيقات أخرى مثل تيك توك، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لاختيار المقاطع التي تناسب مشاهدة المستخدم، وليس صداقاته، وهو ما دفع ميتا لمنافسة تيك توك الصينية.
في نفس الوقت، ينخفض محتوى المستخدمين الذي يتناول حياتهم الشخصية على الإنترنت؛ حيث تراجعت نسبة الأمريكيين الذين يستمتعون بذلك من 40% إلى 28% منذ عام 2020، وأصبحوا يفضلون التواصل عبر تطبيقات المراسلة مثل واتساب وتليجرام.
اقرأ أيضًا: لا تتحكم في محتوى مستخدميها.. ما شبكات التواصل الاجتماعي اللامركزية؟
في الوقت ذاته، يسعى إيلون ماسك في منصة إكس – التي كانت تويتر سابقًا– إلى مواكبة التحولات في اهتمامات الجمهور، وذلك بإجراء تغييرات برمجية تركز على الوصول إلى البيانات المرتبطة بالتغريدات التي يشاهدها الناس، والتي غالبًا ما تكون في مجموعات مراسلة خاصة مشفرة بالكامل، خاصة أن هذه المجموعات تكون أكثر صحة عقلية للمراهقين، الذين يتأثرون سلبًا عندما يتعرضون للتحليل في الأماكن العامة.
وسائل التواصل الاجتماعي في مواجهة تطبيقات المراسلة
تحظى وسائل التواصل الاجتماعي بشعبية كبيرة، وتمكن مستخدميها من نشر الأفكار على نطاق واسع، لكن هذا العالم الجديد لوسائل التواصل الاجتماعي يواجه مشاكله الخاصة، خاصة مع تطبيق معايير صارمة للرقابة على المحتوى.
أما تطبيقات المراسلة فهي الأقل من حيث الرقابة، وهذا أمر جيد للمجموعات الصغيرة، فلا يجب على المنصات أن تتدخل في الرسائل المباشرة أكثر من شركات الهاتف في المكالمات.
اقرأ أيضًا.. ما وراء تصريحات «ماسك»: هل انتهى عصر منصات التواصل الاجتماعي المجانية؟
خلال جائحة «كوفيد-19» شارك العلماء والأطباء في مناقشة على الإنترنت تضمنت رؤى صحيحة ومعلومات خاطئة، بالإضافة إلى ذلك، تبدو خوارزميات الشبكة المفتوحة التي تقودها سلوكيات المستخدمين مبرمجة لنشر مقاطع الفيديو الأكثر جذبًا، حيث لإن الناس ينشرون ما يختارون مشاركته على وسائل التواصل الاجتماعي. والآن أصبحوا يدعمونها بمجرد مشاهدتها، حيث تميز الخوارزمية المحتوى الذي يحصل على أكبر قدر من التفاعل، وهذا ربما يفيد الأشخاص الذين يصنعون الأخبار المضللة.
وضربت صحيفة ذي إيكونوميست، مثالاً بالصور المزيفة التي انتشرت للمغنية الأميركية الشهيرة تايلور سويفت، على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي دون التحقق منها، وجعلت المغنية الشهيرة ضحية للتزييف العميق.
وقال مارك زوكربيرغ، ذات مرة، إنه يريد أن يصبح فيسبوك مثل صحيفة شخصية، ولكن بما أن الشبكة تركز على الترفيه، فإن الأخبار تشكل 3% فقط مما يراه الناس عليها، حيث أظهرت الدراسات أن 19% فقط من البالغين يشاركون القصص الإخبارية أسبوعيًا على وسائل التواصل الاجتماعي، بانخفاض عن 26% في عام 2018، بينما يرى ما يقرب من نصف الشباب أن الأخبار لم تعد مثيرة للاهتمام.
وعلى الرغم من أن بعض الخبراء يرون أن عيوب الشبكات الاجتماعية يمكن إصلاحها من خلال إدارة أفضل، أو برمجة ذكية، أو نموذج عمل مختلف، لكن المشكلات التي يثيرها الجيل الجديد تشير إلى أن عيوب وسائل التواصل الاجتماعي هي أيضًا نتيجة للمقايضات بسبب القيود، بينما أن المجموعات الخاصة الموجودة في تطبيقات المراسلة حتماً تكون أقل رقابة.
إنستغرام والشعور بالإحباط
يعتقد آتي بروينينغ، 22 عامًا، صانع محتوى، أن تطبيق التواصل الاجتماعي إنستغرام، لم يعد يعكس الواقع؛ بل أصبح مكانًا للعمل قائلا: «من العجيب بالنسبة لي أن يذهب الجميع إلى هذا المكان معتقدين أن المحتوى يجب أن يكون متناسقًا جدًا، فلا يمكنك إظهار ما تطبخه لتناول العشاء، لأن هذا ليس رائعًا بما فيه الكفاية».
ولذلك شعر بالإحباط من منصة التواصل الاجتماعي وبدأ حملة تحت شعار «Make Instagram Instagram Again» في عام 2022، والتي اعترضت على تغييرات النظام الأساسي التي أولت الأهمية لمقاطع الفيديو المقترحة خوارزميًا على الموجز الزمني للحسابات التي تتابعها، وانضم إليها الآلاف من المستخدمين، وحتى بعض المشاهير مثل كايلي جينر، وبعد ذلك بقليل، خفض إنستغرام حجم توصياته على مقاطع الفيديو ومنتجات التسويق، ولكنها مازالت هي السائدة على المحتوى بدلاً من محتوى الحسابات الشخصية.
اقرأ أيضًا.. 4 أدوات لإدارة مواقع التواصل الاجتماعي بالذكاء الاصطناعي.. تعرف إليها
ونتيجة لذلك ذهب العديد من الأشخاص العاديون إلى النشر الخاص والمجموعات المغلقة، مثل الأصدقاء المقربين – قائمة خاصة بالأشخاص الذين يمكنهم الوصول إلى المحتوى الخاص بك-، خاصة أن ظهور الدردشات الجماعية منح الأشخاص مكانًا أكثر أمانًا لمشاركة الميمات والحديث مع الأصدقاء وحتى التعرف على أشخاص جدد.
ولم يكن آتي برونينغ وحده الذي هرب إلى المجموعات المغلقة، آدم موسيري، رئيس إنستغرام، اعترف بأن المستخدمين انتقلوا إلى الرسائل المباشرة والمجتمعات المغلقة والمحادثات الجماعية، وأصبح نشر المحتوى بانتظام يقتصر الآن إلى حد كبير على منشئي المحتوى والمؤثرين، بينما يتجه غير المبدعين نحو مشاركة أجزاء من حياتهم خلف حسابات خاصة.
ومع مواجهة المزيد من الناس لعواقب المشاركة المستمرة، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أقل اجتماعية وأكثر وسائط – كوكبة من منصات الترفيه حيث يستهلك المستخدمون المحتوى ولكن نادرا ما ينشئون المحتوى الخاص بهم.
ووفقًا لموقع بيزنس إنسايدر، يتفق المؤثرون، والمسوقون، والمستخدمون العاديون، وحتى المسؤولون التنفيذيون في وسائل التواصل الاجتماعي، على أن وسائل التواصل الاجتماعي التي عرفناها ذات يوم قد انتهت.
هل ينتهي عصر وسائل التواصل الاجتماعي قريبًا؟
إن وسائل التواصل الاجتماعي هدفها الأصلي هو المشاركة المجتمعية بين الأشخاص، لكن مع الوقت فقدت هذا الهدف، فعلى سبيل المثال، منصة إنستغرام، اتخذت سياسات وقيود زعمت بأنها للحماية من زيادة مخاطر النشر، وذكرت أنها وضعت ميزات جديدة، لكنها جعلتها بعيدة عن المهمة الأصلية، حيث بدأت المنصة في إعطاء الأولوية للفيديو، ثم البث المباشر، ثم التسوق، وأدى كل تغيير إلى تشويش غرض إنستغرام بشكل أكبر.
وكان الناس ولا يزالون ينشرون يوميًا على المنصة، لكن المزيد والمزيد من المحتوى أصبح للتكسّب، وجلب المدونون جمهورهم ومهارات التحرير والكاميرات باهظة الثمن إلى المنصة، وأصبحت مكانًا للصفقات والعلامات التجارية، وحوّل مدونو الموضة المنصة إلى مكان عمل احترافي، وشجع إنستغرام (Instagram) ظهور الشخصيات المؤثرة من خلال البرامج التي ساعدت منشئي المحتوى على فهم أفضل الممارسات، ومنحتهم الدعم الفني، وإعداد برامج دفع سرية.
اقرأ أيضـًا: «ثريدز» ليس الأول.. إمبراطورية «زوكربيرغ» المستنسخة!
واليوم أصبح التطبيق تطبيقًا ترفيهيًا طموحًا، فبدلاً من مشاركة لقطات من أفضل لحظات حياة الشخص أصبح اختيار كل صورة يتم من ألبو يضم عشرات الصور المتطابقة تقريبًا، وبالتالي أصبح الذي تراه مثاليًا على إنستغرام (Instagram) هو في الأصل ليس مثاليًا، وكان لهذه التحولات تأثير سلبي على المستخدمين العاديين ومحاولة الهروب من التطبيق الاجتماعي.
وقالت هانا ستو، البالغة من العمر 23 عاماً والتي تعيش في نيويورك، إنها بينما تستخدم إنستغرام كل يوم، إلا أنها نادراً ما تجد نفسها تنشر هذه الأيام.
وأضافت ستو، في رسالة مباشرة إلى موقع بيزنس إنسايدر: «اعتدت أن أنشر على إنستغرام (Instagram) أسبوعيًا أو كل شهرين، لكن الآن أصبح الأمر أقل تكرارًا، مثل أربع أو خمس مرات في السنة، أضيف قصصًا بشكل أكثر اندفاعًا ولكن بشكل أقل بكثير مما اعتدت عليه».
لكن بينما تضاءلت المشاركة، لم يتباطأ استهلاك المحتوى، خاصة منذ بداية وباء كوفيد-19، حيث قالت أندريا كازانوفا، الخبيرة الاستراتيجية المؤثرة، إنه عندما كان الناس محاصرين في منازلهم، شهدت التطبيقات تدفقًا للصور من أشخاص لديهم أسلوب حياة معين أو لديهم مواهب محددة، وهذا بدوره يعزز قرار الأشخاص العاديين بعدم النشر على حساباتهم الخاصة، لأنهم يفترضون أن مستوى ما يريد الناس رؤيته أعلى.
وتابعت: «لقد منعت الثقافة بشكل عام الكثير من الناس من الظهور لأنهم لا يعتقدون أن حياتهم أكثر جمالًا أو تلائم المحتوى المنشور لمشاركتها، أو أنهم لا يعتقدون أنهم يبيعون أي شيء، فلماذا ينشرون على وسائل التواصل الاجتماعي؟، فأنا لا أمتلك أسلوب الحياة الذي يتمتع به كل هؤلاء المبدعين، لذلك لا أعرف ما الذي سأشاركه، وبالتالي أقع في حلقة عدم مشاركة أي شيء مطلقًا».
ومع انخفاض عدد منشورات المستخدمين على إنستغرام، حاولت التطبيقات الجديدة للتواصل الاجتماعي، مثل تطبيق الوسائط الاجتماعية الفرنسي «BeReal»، اكتساب شعبية جديدة، واستخدمت تطبيقات أخرى مثل «Dispo» و«Poparazzi» و«Locket» جميعها حيلًا مختلفة لمحاولة جذب الجمهور، ولكنها جميعا فشلت في تخطي إنستغرام الذي بدأ عدد المنشورات فيه في الانخفاض، في ظل تزايد المستخدمين لتطبيقات المراسلة.
وحتى عندما حاولت شركة ميتا، أن تعيد إحياء الشعبية إلى وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال إطلاق منصتها الجديدة ثريدز (Threads)، التي أحدثت حالة من الزخم في بداية إطلاقها، لكن سرعان ما بدأ ينخفض عدد المشتركين فيها، ليبقى السؤال الأهم: هل ينتهي عصر وسائل التواصل الاجتماعي قريبًا؟