بعد ساعة واحدة فقط من الموافقة التاريخية على طلبات إطلاق صناديق البيتكوين المتداولة، كتب غاري غينسلر، رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات، وهي الجهة التنظيمية المنوطة بالقرار: «بينما وافقنا على إدراج وتداول بعض أسهم البيتكوين المتداولة في البورصة اليوم، إلا أننا لم نوافق على البيتكوين أو نؤيدها. يجب على المستثمرين أن يظلوا حذرين بشأن المخاطر التي لا تعد ولا تحصى المرتبطة بالبيتكوين والمنتجات التي ترتبط قيمتها بالعملات المشفرة».
يبدو أن التدوينة التي كتبها غينسلر كانت كاشفة لما دار في كواليس «الفوضى» التي جرت على مدار الساعات التي سبقت الإعلان عن الموافقة على طلبات صناديق البيتكوين المتداولة، والتي تجلت في إعلان الهيئة عبر حسابها على منصة إكس الموافقة على 11 صندوقًا فوريًا للتداول في البورصة (ETFs)، يوم الثلاثاء 9 يناير في الساعة الرابعة مساء بالتوقيت الشرقي، لتعود بعدها بـ خمسة عشر دقيقة مؤكدة أن الحساب قد تعرض لـ «اختراق» وأن «طرفا مجهولا قد وصل إلى الحساب وأنه الآن قيد السيطرة وأنها لم توافق على شيء».
اقرأ أيضًا.. بعد الموافقة عليها.. كيف ستغير صناديق البيتكوين المتداولة قواعد اللعبة؟
شكوك حول واقعة «الاختراق»
وعلى الرغم من إعلان الهيئة ذلك إلا أن مستخدمون على منصة إكس شككوا في رواية الهيئة، وأكدوا أن من فعل ذلك هو من داخل الهيئة نفسها، وأن الحساب لم يتم اختراقه كما ادعت. لقد رفض أنتوني سكاراموتشي، أحد مؤيدي العملات المشفرة منذ فترة طويلة، تفسير الهيئة لحادث «الاختراق» الذي حدث يوم الثلاثاء. وقال عبر منصة إكس: «أراهن أن أحد الموظفين أخطأ وأطلق الرصاصة والهيئة تلقي باللوم على منصة إكس».
I think Gensler is lying. I bet an employee screwed up and jumped the gun and he is blaming it on X
— Anthony Scaramucci (@Scaramucci) January 9, 2024
بحسب تحقيق أولي أجرته منصة إكس، لم يكن حساب هيئة الأوراق المالية والبورصات ممكّنًا بالمصادقة الثنائية عندما تم اختراق الحساب، وفقًا لما نشره فريق X’s Safety على منصته مساء الثلاثاء.
لكن ذلك أثار تساؤلات حول سبب عدم استخدام هيئة الأوراق المالية والبورصات للمصادقة الثنائية لحساب X الخاص بها. ونقل موقع بارونز (Barrons) عن متحدثين رسميين باسم شركة التأمين على الودائع الفيدرالية ولجنة التجارة الفيدرالية أن الوكالات لديها مصادقة ثنائية ممكّنة على حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بها.
في الوقت نفسه ألمح اللاعبون الرئيسيون في السوق، والذين تقدموا بطلبات إطلاق صناديق البيتكوين المتداول إلى أن ذلك دليل على الموافقة. ونقل موقع ياهو فاينانس وقتها عن ثلاثة من هؤلاء المتقدمين في وقت سابق من يوم أمس الثلاثاء إنهم يتوقعون أن توافق هيئة الأوراق المالية والبورصات على طلباتهم في وقت ما من يوم الأربعاء وأن التداول يمكن أن يبدأ في وقت مبكر من يوم الخميس بناءً على ذلك التوقيت.
انقسام حاد قبل القرار
لكن في تقرير لبلومبرغ كشفت عن انقسام حاد داخل الهيئة نفسها، حول الموافقة على طلبات صناديق البيتكوين المتداولة، جاءت معلومات الانقسام بعدما كرر غينسلر رئيس الهيئة، إعلان موقفه المناهض للبيتكوين، عبر حسابه على منصة إكس، حين قال بشكل واضح إن بيتكوين هي أصل مضارب ومتقلب يستخدم بشكل أساسي في الأنشطة غير المشروعة، مثل برامج الفدية وغسل الأموال وتمويل الإرهاب. وقارن بيتكوين بالمعادن الثمينة مثل الذهب والفضة والبلاتين، والتي لها استخدامات استهلاكية وصناعية.
وفي وقت سابق من يوم الاثنين، نشر غينسلر موضوعًا حول مخاطر الاستثمار في العملات المشفرة، مسلطًا الضوء على أنها «محفوفة بالمخاطر بشكل استثنائي» و«غالبًا ما تكون متقلبة».
A thread 🧵
Some things to keep in mind if you're considering investing in crypto assets:
— Gary Gensler (@GaryGensler) January 8, 2024
ومع ذلك، أكد أن هيئة الأوراق المالية والبورصة تظل «محايدة» ولا تتخذ وجهة نظر بشأن شركات أو استثمارات أو أصول معينة يقوم عليها منتج متداول في البورصة. كما حذر المستثمرين من المخاطر المرتبطة بالبيتكوين والمنتجات التي ترتبط قيمتها بالعملات المشفرة. وكرر وجهة نظر هيئة الأوراق المالية والبورصات بأن «الغالبية العظمى» من الأصول المشفرة هي عقود استثمار ويجب أن تقع ضمن السلطة التنظيمية لهيئة الأوراق المالية والبورصة.
If you're considering an investment involving crypto assets, be cautious.
Crypto asset securities may be marketed as new opportunities but there are serious risks involved.
Read @SEC_Investor_Ed's Director Take:
— Gary Gensler (@GaryGensler) January 9, 2024
وصوّت غينسلر، وهو ديمقراطي عينه الرئيس جو بايدن، مع المفوضين الجمهوريين هيستر بيرس ومارك تي أويدا للموافقة على صناديق الاستثمار المتداولة الجديدة، فيما صوت الديمقراطيان الآخران، خايمي ليزاراجا وكارولين كرينشو، ضد الموافقة.
وفي بيان يوضح معارضتها، عرضت كرينشو سلسلة من الأسباب للرفض. ومن بينها، قالت إن الهيئة لم تفحص بشكل كافي مدى تأثر سعر البيتكوين بالاحتيال والتلاعب في الأسواق الفورية، وهي الأسواق التي يتم فيها شراء وبيع البيتكوين نقدًا. وقالت إن هذه الأسواق تفتقر إلى الرقابة والآليات الكافية لمنع وكشف وردع السلوكيات غير القانونية.
وانتقدت الهيئة لاعتمادها على تحليل الارتباط بين سعر البيتكوين الفوري وسعر العقود الآجلة للبيتكوين، وهي العقود التي تتفق فيها الأطراف على شراء أو بيع البيتكوين في تاريخ محدد في المستقبل، مؤكدة إن هذا التحليل غير كافٍ لضمان حماية المستثمرين.
وقالت إن رئيس الهيئة، الذي صوت لصالح الموافقة، لا يزال ينظر بشكل سلبي إلى قطاع العملات المشفرة، ويقول إنه مليء بالاحتيال والمخالفات، مشيرة إلى أن الهيئة نفسها رفعت دعاوى قضائية ضد بعض الشركات الكبرى في هذا القطاع، مثل كوين بيز وبينانس.
واتفق أويدا معها في نفس النقطة، وقال إن الهيئة كان يجب أن تعامل البيتكوين مثل أي سلعة أخرى، وأن تستخدم نفس المعايير التي تستخدمها للصناديق المتداولة الأخرى.
غرايسكيل غيّرت المسار
بحسب تقرير بلومبرغ فإن الحكم الصادر في أغسطس الماضي لصالح شركة غرايسكيل الذي يتيح لها تحويل صندوقها الاستثماري للبيتكوين غيّر المسار، بعدما رفضت الهيئة الطلب بدعوى أن سوق البيتكوين غير آمن ومعرض للتلاعب.
كانت شركة غرايسكيل رفعت دعوى قضائية ضد الهيئة، وقضت محكمة الاستئناف الفيدرالية لمنطقة كولومبيا لصالح شركة غرايسكيل، وقالت إن قرار الهيئة كان «عشوائيًا ومتهورًا»، لأن الهيئة لم توضح لماذا رفضت طلب شركة غرايسكيل، بينما وافقت على طلبات مماثلة لصناديق المؤشرات المتداولة الأخرى، التي تعتمد على العقود الآجلة للبيتكوين، وهي العقود التي تتفق فيها الأطراف على شراء أو بيع البيتكوين في تاريخ محدد في المستقبل. وقالت المحكمة إن الهيئة كان يجب أن تقدم بيانات سوقية تدعم قرارها، ولكنها لم تفعل ذلك.
وأدى حكم المحكمة، إلى قيام كبير منظمي الأوراق المالية في الولايات المتحدة بعكس مساره يوم الأربعاء وتقديم قرار تاريخي يمهد الطريق أمام عدد كبير من الصناديق المتداولة في البورصة الفورية الجديدة التي تتبع العملة المشفرة.
وقال مايكل سيليج، الشريك في شركة المحاماة وايلكي فار آند غالغر إل إل بي : «ليس هناك شك في أن القرار الذي اتخذته لجنة الاستئناف بدائرة العاصمة المكونة من ثلاثة قضاة بالإجماع في قضية غرايسكيل غل يد الوكالة»، مضيفا «كان يتعين على هيئة الأوراق المالية والبورصات في نهاية المطاف إثبات أسبابها ببيانات السوق، ولا يبدو أن البيانات تدعم وجهة النظر القائلة بأن أسواق بيتكوين الفورية وأسواق العقود الآجلة غير مرتبطة ماديًا».
اقرأ أيضًا..لماذا يعتقد محللون أن إطلاق صناديق البيتكوين ليست في صالح الكريبتو؟
وأشار رئيس اللجنة، غاري جينسلر، إلى حكم أغسطس في بيانه حول الموافقات. وأشار إلى أنه قبل قرار يوم الأربعاء، رفضت هيئة الأوراق المالية والبورصة أكثر من 20 طلبًا مشابهًا، لكن الظروف تغيرت بعد حكم غرايسكيل.
وقال: «بناءً على هذه الظروف وتلك التي تمت مناقشتها بشكل كامل في أمر الموافقة، أشعر أن المسار الأكثر استدامة للمضي قدمًا هو الموافقة على إدراج وتداول أسهم Bitcoin المتداولة في البورصة الفورية».