في مكالمة هاتفية لا تتعدى مدتها 5 دقائق بين ملياردير من جيل الألفية وخبير اقتصادي، خرجت إلى النور «فاست غرانتس»، «Fast Grants»، وهي مؤسسة خيرية لتمويل الأبحاث في العلوم، حظيت بدعم نخبة من عمالقة قطاع التكنولوجيا منذ اليوم.
«فاست غرانتس» لدعم التقدم العلمي
ومع دخول عمليات الإغلاق الأولى بسبب تفشي وباء كورونا، حيز التنفيذ، توقف الباحثون عن تجاربهم، في انتظار معرفة ما إذا كان بإمكانهم إعادة توجيه منحهم التي تقدمها الحكومة الأمريكية إلى العمل المتعلق بكوفيد 19. وفي تلك الفترة، كان باتريك كوليسون، الملياردير البالغ من العمر الآن 34 عاما، الرئيس التنفيذي لشركة المدفوعات عبر الإنترنت «سترايب – Stripe»، والخبير الاقتصادي تايلر كوين لديهما قلقًا مشتركًا بشأن تباطؤ التقدم العلمي. شعر كوليسون وكوين بالقلق من أن معاهد الصحة الوطنية الأمريكية لم تتحرك بالسرعة الكافية، لذلك أطلقوا في مارس 2020، مؤسسة «فاست غرانتس»، للحصول على أموال لدعم أبحاث الطوارئ لعلماء الفيروسات وخبراء الفيروسات التاجية وغيرهم بسرعة.
اقرأ أيضـًا: بنك جي بي مورغان يطلق مدفوعات اليورو بلوكشين.. كيف ستعمل؟
50 مليون دولار لـ«فاست غرانتس»
وفي مقابلة مع موقع «fortune.com»، تذكر كوين بداية التجربة، خلال المكالمة الهاتفية، قائلاً: «قولنا لأنفسنا، لنقم بذلك». وساهم كوليسون وشقيقه جون – المؤسس المشارك لشركة المدفوعات عبر الإنترنت «سترايب»- وجمع مع كوين أكثر من 50 مليون دولار من بعض أكبر الأسماء في مجال التكنولوجيا مثل جاك دورسي وإيلون ماسك ورجل الأعمال بيتر ثيل ومارك زوكربيرغ وزوجته بريسيلا تشان والرئيس التنفيذي السابق لشركة «جوجل» إريك شميدت وزوجته ويندي.
«فاست غرانتس» وسرعة التمويل
لم تستغرق «فاست غرانتس» وقتـًا طويلاً لتبدأ نشاطها، وبدأت في تقديم الدفعة الأولى من المنح في غضون 48 ساعة، وتم توزيع الدفعات اللاحقة في غضون أسبوعين، وهو اختلاف جذري عن عما يحدث من استغراق شهور ينتظرها العلماء للحصول على دعم معاهد الصحة الوطنية.
المؤسسة الخيرية «فاست غرانتس» قدمت منحـًا تتراوح بين 10 آلاف دولار و500 ألف دولار لدعم الجهود المبكرة للأبحاث العلمية حول متحورات فيروس كورونا الجديدة، والتجارب السريرية للأدوية التي يمكن إعادة توظيفها، وفحص كورونا البسيط والموثوق به والقائم على عينة من لعاب المريض. وبحلول يناير 2022، تم تخصيص جميع الأموال إلى أكثر من 260 مشروعًا.
«فاست غرانتس» لتطوير العلوم
وتعد «فاست غرانتس» إحدى المشروعات التي تهدف إلى تطوير العلوم، والتي أطلقها أو دعمها مليارديرات وادي السيليكون منذ بدء الوباء. ووجه المانحون مئات الملايين من الدولارات إلى مختبرات الأبحاث والمنظمات غير الربحية لمعالجة ما يعتبرونه مشاكل تتعلق بكيفية تمويل الوكالات الحكومية والمؤسسات الخيرية للعلوم. ويقول المانحون إن العلماء يقضون الكثير من الوقت في البحث عن تمويل محدود للغاية ويرون الحاجة إلى دعم العلماء الشباب ذوي الإمكانات الفذة والتجارب العلمية الحساسة التي غالبا ما يتم تجاهلها أو ينقصها التمويل.
الشركة التي تأسست من خلال 5 دقائق على الهاتف، لم يتوقف تأثيرها عند هذا الحد بل باتت مثالاً يحتذى به في مؤسسات خيرية أخرى تسعى لتمويل البحث العلمي. فقد تعهد كوليسون، جنبا إلى جنب مع فيتاليك بوتيرين، مبتكر منصة البلوكشين «إيثريوم»، وجهات مانحة أخرى، بأكثر من نصف مليار دولار لدعم «معهد آرك»، وهو منظمة غير ربحية جديدة للأبحاث الطبية الحيوية تريد من العلماء التركيز على العلوم، وليس مطاردة المنح.و ويوفر «معهد آرك»، الذي يتخذ من بالو ألتو ، بولاية كاليفورنيا، مقرًا لا، للعلماء تمويلاً غير مقيد على مدى ثماني سنوات لدراسة أسباب الأمراض المعقدة مثل السرطان. ولكن هذا الجهد كله يعتمد على الدروس المستفادة من مؤسسة «فاست غرانتس».
اقرأ أيضـًا: عبدالله الغزيوي.. مبتكر سعودي يشخص الإصابة بالسرطان عبر الذكاء الاصطناعي
في حين أن هذه المساهمات لا تعد شيـًا يُذكر، مقارنة بما يقرب من 50 مليار دولار تنفقها معاهد الصحة الوطنية على الأبحاث كل عام، فقد قوبلت بالترحيب والتردد أحيانـًا من العلماء ومراقبي الأعمال الخيرية. ولطالما لعب المانحون من القطاع الخاص دورًا في تشكيل العلوم في الولايات المتحدة، بداية من إنشاء جامعات الأبحاث الحديثة إلى مؤسسات البحث المستقلة في أوائل القرن العشرين وما بعده.
وأصبحت الحكومة الفيدرالية الممول الأكبر لأبحاث العلوم الأساسية في الجامعات ومعاهد البحوث غير الربحية في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. واليوم لا يزال التمويل الفيدرالي للعلوم الأساسية، والذي يوفر أساسًا للمعرفة والاكتشاف بدلا من حل مشكلة معينة ، يتجاوز المساهمات المجمعة من الشركات والجامعات والمؤسسات الخيرية. ولكن هذا الهامش يتضاءل، وفقًا لاستطلاعات مؤسسة العلوم الوطنية.
وقالت فرانس كوردوفا، رئيس تحالف العمل الخيري العلمي، وهي مؤسسة تعمل على زيادة التبرع للبحث العلمي، إن تأثير المانحين من القطاع الخاص نما منذ تسعينيات القرن العشرين.و زادت المساهمات من المؤسسات غير الربحية والخيرية للبحوث الأساسية من 1.5 مليار دولار في عام 1990 إلى 9.8 مليار دولار في عام 2020، وفقًا لاستطلاعات مؤسسة العلوم الوطنية.
وأكدت أن هذا النمو يرجع إلى حد كبير إلى الأعمال الخيرية الجديدة المبنية على الثروة من التكنولوجيا والبيانات والتمويل. وأشارت كوردوفا إن هؤلاء المانحين «يريدون تطبيق بعض من نفس روح المبادرة التي استخدموها للحصول على أموالهم للأعمال الخيرية».
وعلى سبيل المثال، في مؤسسة «E11 Bio»، يقوم فريق متعدد التخصصات من تسعة علماء بتطوير منصة تقنية للعلماء لرسم خريطة لكل دائرة بين 100 مليار خلية عصبية أو نحو ذلك في الدماغ. إن فهم البنية الكاملة للدماغ يمكن أن يؤدي في النهاية إلى علاجات جديدة لاضطرابات الدماغ.
اقرأ أيضـًا: راتب ساندر بيتشاي يغضب موظفيه.. كم يبلغ دخل رئيس غوغل؟
يتم تمويل مؤسسة «E11 Bio»، من قبل شركة « Schmidt Futures»، التي أسسها والرئيس التنفيذي السابق لشركة «جوجل» إريك شميدت، والتي انبثقت عن مؤسسة «كونفرجينت ريسيرش – Convergent Research»، غير الربحية في عام 2021 للمساعدة في إطلاق منظمات مستقلة تركز على مجالات مثل البيولوجيا التركيبية. وتحظى كل منظمة بحثية بميزانية تتراوح بين 20 مليون دولار و 100 مليون دولار لمدة خمس إلى سبع سنوات.