في سبعينيات القرن الماضي، كان جون لينون، عضو فرقة الروك الموسيقية ذي بيتلز (The Beatles) الأكثر نجاحًا في التاريخ بشهادة الأرقام والنقاد، جالسًا في شقته بنيويورك، يسجل بصوته الأغنية التي ستستعيد بعد 53 عامًا عقد الفرقة الذي انفرط وقتذاك، فما قصة الأغنية، والفرقة، وكيف عادت إلى الحياة مرة أخرى حتى بعد رحيل لينون نفسه في حادث اغتيال بخمس رصاصات صوّبها عليه أحد عشاق الفرقة ذي بيتلز؟ وما الدور الذي لعبه الذكاء الاصطناعي في ذلك؟
ما ذي بيتلز؟
في عام 1960، وفي مدينة ليفربول البريطانية، تشكلت فرقة الروك ذي بيتلز (The Beatles) وفي غضون أعوام قليلة، أصبحت أكبر الفرق الموسيقية نجاحًا، وأشهرها في تاريخ الموسيقى الشعبية. تألفت الفرقة من جون لينون، (غيتار الإيقاع، غناء) وبول مكارتني (غيتار البيس، غناء) وجورج هاريسون (غيتار رئيسي، غناء) ورينغو ستار (الطبل، غناء). انطلقت شعبية البيتلز الهائلة ومعها ما عرف باسم ظاهرة البيتلمانيا (Beatlemania) أو «هوس البيتلز».
مع أول إصدار للأغنية المنفردة «لوف مي دو» في أواخر عام 1962، حققت فرقة ذي بيتلز نجاحًا كبيرًا. في العام التالي اكتسبت الفرقة شعبيتها العالمية مع إصدار ألبومها الرسمي الأول «بليز بليز مي». وبعد ستة أشهر من صدور ألبوم «آبي رود» وقبل شهر من طرح «ليت إتِ بي»، وبالتحديد في عام 1970، أعلنت بيتلز انفصال أعضائها الأربعة. وأصدرت الفرقة خلال السنوات العشر قبل انفراط عقدها 14 ألبوماً تصدرت المبيعات، وبيعت أكثر من مليار نسخة من أسطواناتها.
اقرأ أيضًا.. أول مطرب ذكاء اصطناعي.. هل تُهدد التكنولوجيا مستقبل الفن؟
ذي بيتلز: غيت باك
قبل أعوام على واقعة الاغتيال الدرامية التي راح ضحيتها جون لينون بخمس رصاصات صوّبها عليه أحد عشاق فرقة ذي بيتلز كان «لينون» قد سجل نسخة أولية من أغنيته ناو أند ذِن (Now and Then). لم تبصر الأغنية التي تعد آخر أعمال الفرقة النور حتى سنوات قريبة. مرّت الأغنية بمحطات عدة.
المحاولات لإحياء الأغنية بدأت في عام 1994، حين منحت أرملة جون لينون أعضاء الفرقة الثلاثة الأغنية. جرى في ذلك الوقت استنباط الأغنية الجديدة استنادًا إلى النسخة الأوليّة التي سجّلها لينون، لكن فشلت التقنيات المتاحة حينها في استخراج صوت جون لينون بنوعية جيدة، وبقيت الأغنية في الادراج، إلى أن جاءت لحظة الذكاء الاصطناعي.
في عام 2021، أخرج بيتر جاكسون، مخرج ثلاثية «لورد أوف ذي رينغز»، عملًا وثائقيًا يحمل عنوان: «ذي بيتلز: غيت باك» كشف فيه عن مشروع الأغنية الجديدة. جذب العمل الوثائقي عشاق ذي بيتلز الذين تلقوا نبأ عودة الفرقة إلى الحياة من خلال أغنية جون لينون «ناو أند ذِن».
استخرج بيتكر جاكسون صوت لينون من أحد الأشرطة فاصلاً إياه عن موسيقى البيانو بمساعدة تقنية الذكاء الاصطناعي بعد أن أُضيفت إلى النسخة الأولية الأساسية موسيقى عزفها على غيتار كهربائي 1995 عضو ذي بيتلز جورج هاريسون الذي توفي بسرطان الرئة في العام 2001. وتم إنجاز الأغنية خلال العام الفائت في أحد استوديوهات لوس أنجليس، من خلال مزج إيقاعات كل من رينغو ستار على الدرامز وبول مكارتني على البيانو، مع أداء مكارتني وستار.
وعُرّف عن الأغنية أنّها «آخر عمل لفرقة ذي بيتلز، كتبها وغناها جون لينون، ثم طوّرها وعمل عليها بول مكارتني وجورج هاريسون ورينغو ستار، وأكملها أخيراً بول ورينغو بعد أكثر من أربعة عقود».
اقرأ أيضًا.. «ستينغ» ينضم لمناهضي استخدام الذكاء الاصطناعي في الفن
لحظة الذكاء الاصطناعي وعودة ذي بيتلز
وبفضل الذكاء الاصطناعي أطلقت الأغنية، اليوم الخميس، ولوحظ أن صوت جون لينون فيه «شديد النقاء»، لكنّ ردود الفعل الأولى عليها بدت متفاوتة ولم تخلُ من بعض النقد السلبي، بحسب وكالة فرانس برس.
وقال بول ماكارتني (81 عاما) عضو الفرقة في مقطع وثائقي قصير نُشر عبر الإنترنت مساء الأربعاء، «قد تكون (ناو أند ذِن) آخر أغنية لفرقة ذي بيتلز بعد أكثر من 53 سنة على انفصال أعضائها الأربعة. وأضاف «نشارك جميعنا فيها. هو عمل فعلي للفرقة».
ماكارتني، أشار أيضًا إلى أن «الأغنية الأخيرة لفرقة بيتلز، مستنبطة من نسخة أولية التي أنجزها جون، جاءت بعدما نجحنا في الحصول على صوت جون وتنقيته باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي لمزج مكوّنات الأغنية».
وقال مكارتني في البيان الذي أُعلن فيه عن إصدار الأغنية «بتنا أمام صوت لجون واضح بصورة كبيرة». وقال رينغو ستار (83 عاماً)، إن «الأغنية مؤثرة جداً لنا. فكأنّ جون لا يزال معنا».
اقرأ أيضًا.. الذكاء الاصطناعي في صناعة الموسيقى.. ثورة أم انتهاك؟
ذي بيتلز.. «الخاتمة الحلوة المرة»
لكنّ ردود الفعل الأولى على الأغنية تنوّعت، وانطوى بعضها على انتقادات. اعتبرت صحيفة واشنطن بوست أن الأغنية «جيدة»، لكنها رأت أن ذلك «غير كافِ». ورأت صحيفة «ذي غارديان» أنها «لن تأخذ يوماً مكان (ستروبري فيلدز فوريفر) أو (إيه داي إن ذي لايف) في قلوب عشاق ذي بيتلز، لكنها أغنية أفضل من (فري آز إيه بيرد) أو (ريل لاف). وتابعت الصحيفة: «إذا كنتم تريدون أن تتأثروا، فإن الكلمات تمنحكم مساحة كبيرة لذلك».
وقالت صحيفة «ذي تليغراف»، إنها «محاولة لطيفة ولكن كئيبة لإحياء سحر أعظم فرقة في تاريخ البوب، جرى لم شملها ما بعد الموت». أما مجلة فرايتي فأشادت بـ«الخاتمة الحلوة والمرة» لمسيرة الفرقة، ووصفتها بأنها مع ذلك «متعة غير متوقعة».
ورغم رحيل لينون عام 1980 وهاريسون عام 2001، لا يزال الشغف بـ«ذي بيتلز» قوياً في مختلف أنحاء العالم. وسبق أن مكّنت قدرات الذكاء الاصطناعي عدداً من المعجبين من جمع أعضاء الفرقة مجدداً أو استخدام صوت مكارتني شاباً في أغنيات حديثة له.
وبعد أغنية «ناو أند ذن»، سيعاد إصدار ألبومي «ذي بيتلز 1962-1966» و«ذي بيتلز 1967-1970» ضمن نسخة تعمل بالواقع المعزز في العاشر من نوفمبر.