سلبيات العمل عن بٌعد أصبحت محور جدل في عالم ما بعد الوباء، خاصة عندما أصبح العمل عن بُعد خيارًا مغريًا للكثيرين، لاسيما الشباب من الجيل زد، إذ يرون فيه فرصة لتحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، والاستمتاع بالحرية والمرونة في اختيار مكان ووقت العمل. لكن هل يعني هذا أنهم يستطيعون تحقيق النجاح الذي يحلمون به؟ هل يمكنهم أن يصلوا إلى أعلى المناصب في الشركات التي يعملون فيها؟ هل يحصلون على نفس المكافآت المالية التي يحصل عليها زملاؤهم الذين يعملون بدوام كامل في المكاتب؟
سلبيات العمل عن بٌعد: التضحية بفرص التقدم المهني
هذه هي بعض الأسئلة التي طرحتها سوزي ويلش، أستاذة إدارة الأعمال بجامعة نيويورك، في تقرير نٌشر على موقع بيزنس إنسايدر. وجهت ويلش تحذيرًا إلى الموظفين الذين يختارون العمل عن بُعد، وقالت إنهم قد يضحون بفرص كبيرة للتقدم في مسيرتهم المهنية. وأشارت إلى أن العمل عن بُعد يعني أنهم يفقدون الاتصال الوثيق مع زملائهم ورؤسائهم، وينقصون من فرصهم للتعلم والتطوير والابتكار. وأضافت أن العمل عن بُعد يتطلب مهارات وصفات مختلفة عن العمل في المكاتب، مثل الانضباط والمبادرة والقدرة على التعامل مع العزلة والضغوط.
اقرأ أيضًا.. كيف ينظر المديرون إلى الجيل زد في بيئات العمل؟
وقالت ويلش: «الشباب الذين يختارون أن يعيشوا تلك الحياة التي تذهب إلى العمل ربما ليوم أو يومين في الأسبوع أو لا يذهبون إلى العمل أبدا ويعملون عن بعد تمامًا، قد يكون لديهم نسخة من النجاح، لكنها ليست نسختنا من النجاح التي نعرفها الآن». وأوضحت أنها لا تقصد بذلك أن العمل عن بُعد لا يمكن أن يكون مجزيًا أو ممتعًا، ولكنها تريد أن تنبه إلى أنه يحمل معه بعض المقايضات التي يجب أن يكون الشباب على دراية بها. وأضافت: «الأمر كله يتعلق بكيفية تعريف النجاح، بالفعل ربما لن يصبحوا رؤساء تنفيذيين أو أصحاب وظائف عليا، ولكن ربما هذا ما يريدونه بالفعل».
سلبيات العمل عن بًعد: غياب التفاعل بين الزملاء
وأشارت ويلش إلى أن الموظفين الذين عملوا في المكاتب التقليدية قبل الوباء يمتلكون ميزة عن الأشخاص الذين بدأوا حياتهم المهنية في العمل عن بُعد خلال الوباء. وقالت: «لقد رأيت السحر الذي يحدث عندما يكون الناس معًا بالفعل في العمل». وأكدت أهمية الحضور الجسدي لبناء الثقة والعلاقات والتأثير في الآخرين. ونصحت الشباب الذين يرغبون في العمل عن بُعد بأن يكونوا حذرين وواعين بالتحديات والفرص التي يواجهونها، وأن يحددوا أهدافهم وتوقعاتهم بوضوح، وأن يبحثوا عن طرق للتواصل والتعاون مع زملائهم ورؤسائهم بشكل فعال.
سلبيات العمل عن بٌعد: خيار سيء من الناحية العاطفية
في الوقت نفسه يعتبر العمل عن بُعد حلم بالنسبة للكثير من الشباب، إذ يمكنهم العمل من أي مكان يشاؤون، وفي أي وقت يناسبهم، كما يمكنهم تجنب الضغوط والملل والروتين الذي يصاحب العمل في المكاتب التقليدية. لكن هل هذا حقًا ما يريدونه؟ هل هذا يضمن لهم النجاح الذي يطمحون إليه؟ هل هذا يمنحهم الفرص والمكافآت التي يستحقونها؟
هذه هي بعض التساؤلات التي طرحها سكوت جالواي، أستاذ بجامعة نيويورك. انضم جالواي إلى زميلته سوزي ويلش، التي حذرت من أن العمل عن بُعد قد يكون عائقًا أمام تطور مسيرة الشباب المهنية. وقال جالواي إن العمل عن بُعد قد يكون خيارًا سيئًا للشباب، ليس فقط من الناحية المهنية، ولكن أيضًا من الناحية العاطفية.
اقرأ أيضًا: الذكاء الاصطناعي ومستقبل العمل.. قادة شركات يتحدثون لـ«فاينانشيال فريدوم توداي»
واستند جالواي إلى استطلاع أجرته شركة «Deloitte»، خلال عام 2023، أظهر أن نصف الشباب من الجيل زد والألفية يعتبرون العمل جزءًا أساسيًا من هويتهم. ومع ذلك، فإنهم يسعون إلى تحقيق مزيد من التوازن بين العمل والحياة، ويتبنون بعض الاتجاهات التي تدعو إلى العمل بأقل جهد ممكن، والتي انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة بين النساء.
وانتقد جالواي هذه الاتجاهات، وقال إنها تعكس نوعًا من الهروب من الواقع، وأنها تضيع فرصًا ثمينة للشباب للتميز والتألق في مجالاتهم. وقال: «لم يكن هناك أبدًا وقتًا يمكنك فيه البقاء في المنزل، والعمل بدون ضغط، وتحقيق نجاح باهر، لم تكن هذه هي الصفات في جيلي، ولن تكون صفات تستحق في المستقبل».
سلبيات العمل عن بًعد: عدم خوض تجربة مواجهة التحديات والمخاطر
وأرجع جالواي سبب تفضيل الجيل زد للعمل عن بُعد إلى أنهم يعانون من القلق، وهو ما يمنعهم من مواجهة التحديات والمخاطر التي تصاحب العمل في المكاتب. ونصحهم بأن يتعلموا كيف يتغلبون على القلق، وأن يستخدموه كحافز للتحسن والتطور.
وقال جالواي إن القلق هو مشكلة كبيرة لهذا الجيل في العمل، لأنه يجعلهم يتجنبون الوضعيات التي تسبب لهم الضيق أو الخوف. وأضاف أن القلق يختلف عن الإجهاد، الذي يمكن أن يكون مفيدًا في بعض الأحيان، لأنه يدفع الشباب إلى العمل بجد والتفوق في أدائهم.
اقرأ أيضًا: الجيل Z في بيئة العمل.. رفض لمبدأ «الاستقرار» وتطلع لتقاعد مبكر!
وأعطى جالواي مثالًا على كيفية تأثير القلق على قرارات الشباب، وقال: «قد تريد الذهاب إلى حفلة، ولكن عليك أيضًا التعامل مع العملاء، وإذا أردت النجاح في العمل، فعليك التخلي عن الحفلة، هذه هي مقايضات الحياة الواقعية التي عليك القيام بها». وأكد على أن الشباب يجب أن يتقبلوا هذه المقايضات، وأن يروا فيها فرصة للنمو والتعلم.
واختتم جالواي بالقول: «هذا في الواقع عمل حياتك هو نوع من اكتشاف هويتك والسعي إلى تحقيق أحلامك، وقد يسبب ذلك بعض الصعوبات والقلق، ولكن هذا طبيعي، فهذا جزء من العيش في العالم».