- مسيرتي في NVIDIA بدأت بتكليف من مديري في العمل وتشجيع من أستاذي الجامعي
- انخرطت في عالم الذكاء الاصطناعي عندما كان ينظر إليه على أنه أشبه بأفلام الخيال العلمي
- أدوات الذكاء الاصطناعي تتيح لنا تجاوز الطرق التقليدية في التفكير والبحث وحتى توليد أفكار جديدة
- شركة AI Lab تمنح المشاركين القدرة على دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في أعمالهم
- الذكاء الاصطناعي وصل إلى مراحل متقدمة جدًا وأصبح لدينا أنظمة قادرة على الفهم بشكل يفوق المتخصصين
- الشباب في لبنان يدركون أهمية الذكاء الاصطناعي ويعملون بجد لتطوير معرفتهم في هذا المجال
بات الذكاء الاصطناعي أحد أبرز التحولات التقنية في عصرنا، حيث أصبح جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، من المساعدين الصوتيين والتوصيات الذكية إلى التشخيص الطبي وأنظمة القيادة الذاتية. تعتمد هذه التقنية على الشبكات العصبية (Neural Networks) وتعلم الآلة (Machine Learning)، مما يمكنها من تحليل كميات هائلة من البيانات واتخاذ قرارات تحاكي ذكاء الإنسان. ورغم الفرص الهائلة التي يوفرها، يثير الذكاء الاصطناعي أيضًا تساؤلات حول مخاطره وتأثيره على سوق العمل ومستقبل الأمن السيبراني.
في هذا السياق، برزت أسماء عديدة ساهمت في تطوير ونشر هذا المجال، ومن بينها اللبنانية د. منال جلول، الباحثة المتخصصة في هندسة الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي. منذ بداياتها الأكاديمية، كان شغفها بالذكاء الاصطناعي دافعًا لها لاكتشاف تقنياته وفهم آلياته، رغم محدودية الفرص الدراسية المتاحة آنذاك. كانت الشبكات العصبية بوابتها الأولى لهذا العالم، قبل أن تقودها رحلتها البحثية إلى التعاون مع NVIDIA واستكشاف إمكانيات معالجات الـGPUs في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.
في السطور التالية، تلتقي Fifreedomtoday بالدكتورة منال جلول للحديث عن استخدامات الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية، ومخاطر هذه التقنية، ومستقبل الذكاء الاصطناعي في لبنان.
كيف بدأت رحلتك مع NVIDIA وما دورها في تطوير مسيرتك في الذكاء الاصطناعي؟
بدأت رحلتي مع شركة NVIDIA بطريقة غير مباشرة، وذلك من خلال مديري، الذي كلّفني بالتعامل مع إحدى المحاكمات التقنية. كنت مضطرة إلى تعلم هذه التكنولوجيا واكتساب مهاراتها، رغم أنها لم تكن مرتبطة مباشرة بالذكاء الاصطناعي. في ذلك الوقت، كنا نتعلم لغة CUDA، وهي التقنية التي تُستخدم اليوم لتطوير برمجيات الذكاء الاصطناعي، رغم أن الكثيرين لم يكونوا على دراية بها آنذاك.
في ذلك الوقت، كان هذا المجال جديدًا، وقد شجعني أستاذي الجامعي على التخصص فيه، ومنحني مسؤوليات كبيرة ساهمت في تطوير مهاراتي.
خلال دراستي للدكتوراه، بدأت في تطبيق هذه التكنولوجيا، وخصوصًا Parallel Programming، وهي طريقة لكتابة البرامج، رغم أنها لم تكن مرتبطة مباشرة بالذكاء الاصطناعي حينها. لكن مع انتهاء دراستي، أطلقت NVIDIA برنامجًا متخصصًا في هذا المجال، وبدأت بتقديم دورات متعمقة في الذكاء الاصطناعي، مستفيدة من خلفيتي في وحدات المعالجة الرسومية (GPU) وأساليب برمجتها. وهكذا، بدأ تعاوني مع NVIDIA، حيث أصبح لي دور في هذا المجال المتطور.
بعد أن دخلت مرحلة الدراسات العليا، حصلت على جميع الدورات التدريبية المتاحة في مجال تخصصي. وفي عام 2018، سافرت إلى ألمانيا لحضور مؤتمر تنظمه شركة NVIDIA. كان هذا المؤتمر يُعقد مرتين سنويًا، مرة في أكتوبر في أوروبا، ومرة في مارس في سانتا كلارا في كاليفورنيا. في ذلك الوقت، توجهت إلى مدينة ميونيخ في ألمانيا لحضور المؤتمر، حيث حصلت على فرصة ثمينة لتطوير معرفتي الأكاديمية.
كيف أثرت خلفيتك العلمية في فهمك وتطورك في هذا المجال الجديد؟
بالتأكيد، بفضل خلفيتي القوية الناتجة عن الدورات التدريبية التي حصلت عليها بالإضافة إلى خبرتي في تدريس المختبرات ومعرفتي بتقنية CUDA بدأت بالمشاركة في المؤتمرات لبعض الأشخاص في أوروبا، ثم أصبحت أشارك في مؤتمرات أخرى في الشرق الأوسط، وهكذا، كانت تجربتي ممتدة على نطاق واسع، وليست مقتصرة على لبنان فقط.
تجربتي لم تكن محصورة في لبنان وأول شيء نتعلمه من كل تجربة هو اكتشاف عوالم جديدة وبناء شبكات تواصل
في الواقع، لم تكن تجربتي محصورة في مكان واحد، بل كانت موزعة على العديد من الأماكن. وقد استمتعت بهذه التجربة كثيرًا، حيث كنت دائمًا أبحث عن الفرص الجديدة. لأن أول شيء تتعلمه من كل تجربة هو أن تكتشف عالمًا جديدًا، تبني شبكة تواصل، وتتعلم التفاصيل التقنية. بالإضافة إلى ذلك، تتعرف على ثقافات أخرى، مما يوسع آفاقك ويزيد من خبرتك.
كيف كانت تجربتك في استكشاف هذا المجال الذي كان لا يزال في بداياته؟
في عام 2018، عندما بدأ الاهتمام العالمي بالذكاء الاصطناعي يزداد، كنا في لبنان والعالم العربي ما زلنا بعيدين عن هذا المجال. كان الكثيرون ينظرون إلى الذكاء الاصطناعي على أنه شيء خيالي، أشبه بأفلام الخيال العلمي، ولم يكن هناك فضول أو رغبة حقيقية للتعمق في فهمه أو تطبيقه.
في ذلك الوقت، بدأت تصلني فرص عديدة للعمل كاستشارية مع العديد من الشركات الناشئة، هذه الشركات كانت تتواصل معي لأن لديّ خبرة ومعرفة في هذا المجال، وقد بدأوا يدركون أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة قوية لتطوير منتجاتهم. كان لدى هؤلاء أفكارًا أو منتجات فعلية، لكنهم لم يكونوا يعرفون كيفية تطبيق الذكاء الاصطناعي لتحقيق أهدافهم. كانوا يحلمون بأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا، وطلبوا مني مساعدتهم في تطبيق هذه التقنيات.
قفزت على هذه الفرص وبدأت العمل مع عدة شركات ناشئة. ما يميز العمل مع هذه الشركات هو أنك ترى المعرفة النظرية والتقنية التي تعرفها تتحول إلى منتجات حقيقية. عندما ترى الأفكار تتحول إلى واقع، تشعر بسعادة كبيرة. بالطبع، العمل ليس سهلًا، فهو يتطلب جهدًا كبيرًا وتحديات تقنية، ولكن بمجرد أن تنجح في التطبيق، تدرك أن المعرفة ليست مجرد نظريات مكتوبة في الكتب أو أوراق بحثية، بل هي معرفة تطبيقية يمكن أن تغير طريقة عمل الأشياء بشكل جذري.
العمل لدى الشركات الناشئة وفر لي المعرفة النظرية والتقنية التي تتحول إلى منتجات حقيقية
من خلال هذه التجارب، استفدت كثيرًا وتعلمت أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد مفهوم نظري، بل هو أداة قوية يمكن أن تحدث تغييرًا حقيقيًا في طريقة عملنا وحياتنا.
كيف تطبقين الذكاء الاصطناعي في حياتك اليومية وعملك؟ وهل تنصحين الآخرين باستخدام هذه الأدوات؟
أنا من المؤمنين بفكرة أننا يجب أن نبدأ بتطبيق الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية واستخدامه بشكل فعّال. أنا شخصيًا أستخدم مجموعة من الأدوات المختلفة، وأحرص على أن أكون متقنة لاستخدامها.
الأمر الجميل في هذه الأدوات هو أنها تتيح لك تجاوز الطرق التقليدية في التفكير والاستخدام. يمكنك استخدامها بأي طريقة تريدها، سواء للبحث، أو التفكير، أو الإلهام، أو حتى لتوليد أفكار جديدة.
كثير من الناس يخافون من التكنولوجيا أو يقولون إنهم ليسوا متخصصين فيها، ولكن عليهم تجاوز هذا الحاجز النفسي. بمجرد أن يجربوا، سيكتشفون القيمة الهائلة التي يمكن أن تقدمها لهم هذه الأدوات.
أنا شخصيًا أستخدم الذكاء الاصطناعي بشكل مكثف في عدة مجالات. أولاً، في عملي كأستاذة جامعية، حيث أستخدمه لإعداد المحتوى التعليمي، وتمارين المختبرات، والكورسات التي أقدمها في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، ومعالجة اللغة الطبيعية (NLP)، والهندسة. ثانيًا، في عملي كرئيسة تنفيذية لـ AI Lab، أستخدمه في التسويق والمبيعات، حيث إنني لست متخصصة في هذه المجالات، ولكن الذكاء الاصطناعي يساعدني على تغطية هذه الجوانب بشكل فعّال.
الذكاء الاصطناعي يعد بمثابة مساعد شخصي خبير في كل شيء
أعتبر الذكاء الاصطناعي بمثابة مساعد شخصي خبير في كل شيء. يمكنك أن تطلب منه أن يعمل كخبير برمجة، أو كمستشار قانوني، أو حتى كمسوّق. هذه الأدوات تتيح لك الحصول على مساعدة في مجالات متعددة دون الحاجة إلى أن تكون خبيرًا فيها. وهذا يعتبر نعمة كبيرة في عصرنا الحالي.
كيف قررتِ من خلال شركة AI Lab تقديم ورشات عمل وتدريبات للجمهور العام؟ وما هي الفئات المستهدفة؟
قررت من خلال شركة AI Lab أن أبدأ بتقديم تدريبات وورشات عمل موجهة للجمهور العام، مع مراعاة الأدوار الوظيفية والمجالات المختلفة. على سبيل المثال، إذا كنت تعمل في مجال التسويق، فإن هذه التدريبات ستساعدك على فهم كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في مجال عملك. وإذا كنت تعمل في مجال التعليم، فإننا نقدم لك الأدوات والطرق التي يمكنك من خلالها استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة التعليم والتعلم.
شركة AI Lab تمنح المشاركين القدرة على دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في أعمالهم
هذه البرامج التوعوية تهدف إلى تعليم المشاركين مجموعة من الأدوات المتاحة وكيفية استخدامها بشكل فعّال. الفكرة هي أن يصبح المشاركون قادرين على استخدام هذه الأدوات بشكل يومي وبطلاقة، مع القدرة على دمجها في عملهم بشكل طبيعي. بهذه الطريقة، يصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من حياتهم المهنية.
من خلال AI Lab، أقدم نوعين من المحتوى: الأول هو محتوى تقني متقدم، وهو موجه للمطورين والأشخاص التقنيين الذين يرغبون في تطبيق الذكاء الاصطناعي في مشاريعهم. والثاني هو محتوى موجه للأشخاص العاديين من مجالات مختلفة، لمساعدتهم على البدء في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في حياتهم اليومية والعملية.
هل سيأخذ الذكاء الاصطناعي وظائف البشر؟ وهل سيتمكن من التفوق على الذكاء البشري؟
حقيقةً، وصل الذكاء الاصطناعي إلى مراحل متقدمة جدًا، وأصبح لدينا أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على الفهم بشكل يفوق حتى الأشخاص المتخصصين في مجالات معينة، حتى أولئك الذين لديهم خبرة تصل إلى خمسين عامًا. اليوم، تتجه صناعة الذكاء الاصطناعي نحو بناء ما يُسمى وكلاء الذكاء الاصطناعي (AI Agents)، وهي أنظمة ذكاء اصطناعي متخصصة يمكن استخدامها في أي مجال تريده.
التوقعات الحالية من قبل العلماء والخبراء التكنولوجيين تشير إلى أنه في أقل من عام، قد نصل إلى مرحلة يكون فيها الذكاء الاصطناعي قادرًا على محاكاة الذكاء البشري أو حتى تجاوزه. هذا الأمر قد يكون مخيفًا، وبالتأكيد هو يثير القلق لدى الكثيرين.
ما هي المهارات التي يجب على البشر تطويرها لضمان بقائهم قادرين على المنافسة في سوق العمل مع تقدم الذكاء الاصطناعي؟
أنا أؤمن بأن أفضل طريقة لمواجهة هذا التحدي هي أن نتعلم كيف نسبق الذكاء الاصطناعي. كيف يمكننا ذلك؟ من خلال الجمع بين ذكاء الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري. عندما تجمع بين الاثنين، ستتمكن من التفوق على الذكاء الاصطناعي. عندما تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي لتعزيز ذكائك الخاص، وتستخدم أنواعًا مختلفة من هذه الأدوات، فإن ذكاءك البشري سيتقدم إلى الأمام، وستصبح قادرًا على حل مشاكل لم تكن قادرًا على حلها من قبل.
الذكاء الاصطناعي سيحل محل بعض الوظائف، خاصة تلك التي تعتمد على التكرار ولا تتطلب مستوى عاليًا من الذكاء البشري أو الإبداع أو الابتكار.
هذا هو الاتجاه الذي سنراه في المستقبل. سيكون هناك عدد كبير من “وكلاء الذكاء الاصطناعي” المتخصصين، القادرين على أداء المهام التي يقوم بها البشر عادةً في مختلف الوظائف. بالطبع، هذا يعني أن الذكاء الاصطناعي سيحل محل بعض الوظائف، خاصة تلك التي تعتمد على التكرار ولا تتطلب مستوى عاليًا من الذكاء البشري أو الإبداع أو الابتكار. هذه الوظائف يمكن استبدالها بوكلاء الذكاء الاصطناعي.
الذكاء العاطفي هو أحد العناصر التي تجعل بعض الوظائف صعبة الاستبدال بالذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، دور المعلم في الفصل الدراسي، وخاصة في المدارس، يعتمد بشكل كبير على العلاقة الإنسانية بين المعلم والطالب. هذه العلاقة لا يمكن استبدالها بسهولة بالذكاء الاصطناعي.
كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد لبنان في تخطي التحديات الكبيرة التي يواجهها، ليواكب التطور الذي تشهده الدول الأخرى؟
لبنان يواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك الأزمات الاقتصادية والحروب، ولكن هناك إصرار من قبل العديد من الأشخاص لا سيما الشباب للتغلب على هذه التحديات ومواكبة التطور في مجال الذكاء الاصطناعي. على الرغم من أن دولًا أخرى قد تكون متقدمة علينا في هذا المجال، إلا أن لبنان لديه إمكانات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالشباب.
أنا أؤمن بأن لبنان يمكنه في وقت قصير تجاوز هذه التحديات، والعمل على بناء مستقبل أفضل. المفتاح الرئيسي لهذا التقدم هو الطاقة الشبابية التي يتمتع بها لبنان. الشباب اللبناني متعلم، طموح، ويسعى دائمًا لاكتساب المعرفة والخبرات. هذه الديناميكية والشغف بالعلم والمعرفة هي كنز حقيقي للبنان.
الشباب في لبنان يدركون أهمية الذكاء الاصطناعي ويعملون بجد لتطوير معرفتهم في هذا المجال. الجامعات اللبنانية أيضًا تقوم بتحديث مناهجها باستمرار، وتقدم اختصاصات تركز على الذكاء الاصطناعي. هذا التطور في البرامج الأكاديمية يسمح للشباب اللبناني باكتساب شهادات ومعرفة في هذه التكنولوجيا، مما سيكون سر تقدم البلد.
الشباب في لبنان يدركون أهمية الذكاء الاصطناعي ويعملون بجد لتطوير معرفتهم في هذا المجال
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للشباب اللبناني أن يجدوا فرص عمل داخل لبنان وخارجه، ليس فقط في بناء البنية التحتية التي يحتاجها البلد، ولكن أيضًا في المساهمة في تحويل لبنان إلى مركز للتكنولوجيا والابتكار. لبنان بلد صغير، مما يسهل تطبيق الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، سواء من خلال الحكومة أو المجتمع المدني.
نحن الآن في مرحلة بناء الأساس، حيث نعمل على تطوير الخبرات والكفاءات التي ستساعد لبنان على مواكبة التطور التكنولوجي. الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة قوية لتحقيق هذا الهدف.
كيف ترين واقع الذكاء الاصطناعي حاليًا في لبنان ومستقبله خلال الخمس سنوات القادمة؟
حاليًا، أرى أن القطاع التعليمي والأكاديمي في لبنان يسير بخطوات متقدمة في إعداد الشباب لاكتساب المهارات اللازمة في مجال الذكاء الاصطناعي. هناك جهود كبيرة تُبذل في هذا الاتجاه، خاصة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. لبنان يتمتع بطاقة شبابية كبيرة، ونسبة كبيرة من الشباب لديهم شهادات في هذه المجالات، مما يعطي البلد استعدادًا جيدًا لتطبيق الذكاء الاصطناعي.
ومع ذلك، ما زلنا بحاجة إلى وعي أكبر من قبل الدولة. هناك حاجة ماسة إلى وضع استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي تُحدد خطة عمل للبلد على مدى 5 إلى 20 سنة. هذه الاستراتيجية يجب أن تركز على كيفية تطبيق الذكاء الاصطناعي في مختلف الصناعات، مثل الخدمات المالية، الزراعة، الصناعة، وغيرها. يجب أن تُحدد الأولويات وتُخصص ميزانيات لتطوير هذه القطاعات باستخدام الذكاء الاصطناعي.
أيضًا، يجب أن تشمل هذه الاستراتيجية برامج بناء القدرات (Capacity Building Programs) التي لا تقتصر على التعليم الجامعي فقط، بل تمتد لتشمل جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن دورهم الوظيفي. هذا يتطلب تخصيص ميزانيات لتدريب الأشخاص على استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات عملهم.
دور الدولة هنا هو الربط بين القطاع الخاص، الصناعات، الأكاديميا، والمجتمع المدني. يجب أن تعمل هذه الجهات معًا لتحقيق التكامل في تطبيق الذكاء الاصطناعي. القطاع الخاص يمكنه الاستفادة من الخبرات التي تنتجها الجامعات والمؤسسات التعليمية لتطوير صناعاته وحل مشاكله.
حاليًا، هناك اهتمام كبير من المجتمع المدني والصناعيين في لبنان بموضوع الذكاء الاصطناعي، ولكن ما زلنا بحاجة إلى نقطة الربط التي تجمع هذه الجهود وتوجهها نحو تحقيق خطوات كبيرة. آمل أن تكون هذه الاستراتيجية جزءًا من خطة عمل الحكومة الجديدة، مما سيسرع من عملية التحول التكنولوجي في لبنان.
هناك مخاوف من أن الذكاء الاصطناعي قد يشكل تهديدًا للبشرية، كما أشار جيفري هينتون وغيره. إلى أي درجة تعتقدين أن هذه المخاوف واقعية؟ وكيف يمكن مواجهتها؟
مخاوف جيفري هينتون وغيره من الخبراء بشأن الذكاء الاصطناعي هي مخاوف مشروعة ومهمة. هذه المخاوف ليست جديدة، بل كانت موجودة لدى العديد من التكنولوجيين والعلماء الذين ساهموا في تطوير هذه الصناعة. نتيجة لهذه المخاوف، بدأ المجتمع العالمي بالتركيز على موضوع أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، والذي أصبح اليوم في طليعة المواضيع التي يتم مناقشتها في المجتمعات العلمية والدولية.
أخلاقيات الذكاء الاصطناعي تهدف إلى وضع قوانين وتنظيمات تحدد كيفية استخدام هذه التكنولوجيا لصالح البشرية، مع تجنب المخاطر المحتملة. كل تكنولوجيا في التاريخ لها إيجابياتها وسلبياتها، والطريقة الأفضل لمواجهة المخاطر هي تحديد طريقة الاستخدام الصحيحة. هنا يأتي دور أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، والتي يجب أن تكون جزءًا من استراتيجيات الدول.
أخلاقيات الذكاء الاصطناعي تهدف إلى وضع قوانين وتنظيمات تحدد كيفية استخدام هذه التكنولوجيا لصالح البشرية
من واجبات الدول سن القوانين التي تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي، بحيث يتم معاقبة أي شخص أو جهة تخالف هذه التعليمات، وبالتالي حماية المجتمع من المخاطر المحتملة. هذه القوانين يجب أن تكون على مستوى الدولة، بالإضافة إلى التعاون مع الدول الأخرى لمواكبة التطورات العالمية في هذا المجال.
مثال على ذلك هو “قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي European AI Act، الذي يحدد كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في أوروبا. هذا القانون يضع إطارًا تنظيميًا يحدد أين يُسمح باستخدام الذكاء الاصطناعي وأين يُمنع، وما هي العقوبات المترتبة على المخالفات. كما يرسم خارطة طريق للشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي، بحيث تضمن الشفافية واحترام خصوصية المستخدمين.
ما هي نصيحتك للشباب فيما يتعلق باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات؟
أقول للشباب: ليس عليكم جميعًا أن تتعلموا البرمجة أو علوم الكمبيوتر. اليوم، الذكاء الاصطناعي أصبح أداة يمكن للجميع استخدامها، بغض النظر عن مجال تخصصهم. المطلوب منكم هو توسيع نطاق تعلمكم ليشمل التكنولوجيا، حتى لو كنتم لا تعتبرون أنفسكم مهتمين بها.
لا تقولوا: “أنا لا أحب التكنولوجيا، أنا أحب الفن أو الإعلام أو المحاسبة”. اليوم، التكنولوجيا أصبحت عنصرًا أساسيًا في كل التخصصات. لذلك، حاولوا أن تفتحوا آفاقكم وتتعلموا كيف تكونوا متفتحين على العالم التكنولوجي. حتى لو لم تحبوا التكنولوجيا، لا تدعوا هذا الحاجز يوقفكم. ليس مطلوبًا منكم أن تصبحوا مبرمجين، ولكن المطلوب هو أن تتعلموا الأدوات التي يمكن أن تفيدكم في مجال عملكم.
هناك فكرة خاطئة لدى الكثير من الشباب، وهي أنهم إذا درسوا علوم الكمبيوتر أو هندسة البرمجيات، فإنهم سيضمنون مستقبلًا ناجحًا. هذا ليس صحيحًا بالضرورة. هناك أشخاص لديهم طاقات ومؤهلات تمكنهم من التفوق في مجالات أخرى غير البرمجة، وهذا جيد تمامًا. المهم هو أن تعملوا على تطوير أنفسكم في المجال الذي تحبونه، ولكن مع إضافة أدوات الذكاء الاصطناعي إلى مهاراتكم لتعزيز أدائكم في هذا المجال.