في خضمّ التنافس العالمي المتزايد في مجال الذكاء الاصطناعي، تضع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية بصمتها كلاعبٍ رئيسيّ في هذا المجال. فمع استثماراتٍ ضخمةٍ من كبار شركات التكنولوجيا ومراكز الأبحاث، تُسارع الجامعة خطواتها لتصبح مركزًا رائدًا للبحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، مُساهمةً في تحقيق رؤية المملكة العربية السعودية 2030.
يُعدّ الذكاء الاصطناعي التوليديّ أحد أحدث وأهمّ تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث أحدث ثورةً في عالم التكنولوجيا منذ إطلاق برنامج تشات جي بي تي. وباتت هذه التقنية تُستخدم في مختلف جوانب الحياة، ممّا دفع المملكة العربية السعودية إلى تبنّيها كجزءٍ من رؤيتها المستقبلية.
للمساهمة في تحقيق هذه الرؤية، أعلنت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية عن إطلاق مركز تميز للذكاء الاصطناعي التوليدي. ويهدف هذا المركز إلى أن يكون مركزًا رائدًا للبحث والتطوير والابتكار في مجال هذه التقنية.
اقرأ أيضًا: 4 معسكرات من «سدايا» للطلاب والباحثين في الذكاء الاصطناعي بالسعودية
خارطة طريق مستقبلية
يرسم مركز تميز الذكاء الاصطناعي التوليدي في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية خارطة طريقٍ مُستقبليةٍ واسعة النطاق.
فبحسب تصريحات الدكتور برنارد غانم، رئيس المركز، “سيُساهم المركز في توسيع نطاق قدرات تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي وتطبيقاته، ممّا سيُعزّز تأثيره على مختلف جوانب الحياة الواقعية.”
وأوضح غانم، في تصريحات نقلها موقع عرب نيوز: “أنّ المركز سيلعب دورًا رئيسيًا في تنشيط وتسريع مشهد الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI) في المملكة العربية السعودية والعالم بأسره. ممّا سيُؤدّي إلى ظهور نماذج جديدة مُبتكرة مع تطبيقاتٍ واقعيةٍ في قطاعات البحث والتطوير ذات الأولوية الوطنية الأربعة التي حددتها المملكة.”
وتتوافق هذه الرؤية مع مهمة جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في تمكين أبحاث وتطورات الذكاء الاصطناعي التوليدي وذلك من خلال نماذجٍ مبنيةٍ على هذه التقنية تُساهم في إيجاد حلولٍ فعّالةٍ تُعالج التحديات المُلحّة في المجالات الوطنية الأربعة ذات الأولوية في رؤية المملكة 2030، وهي: تحسين جودة الرعاية الصحية وتطوير علاجاتٍ جديدةٍ وأكثر فعالية، ومعالجة التحديات البيئية وتحقيق الأمن الغذائي والمائي، وتعزيز كفاءة استخدام الطاقة وتطوير تقنياتٍ صناعيةٍ مُبتكرةٍ، ودعم ريادة الأعمال وخلق فرصٍ اقتصاديةٍ جديدةٍ.
خارطة طريق للابتكار في مجالات حيوية
يُرسي مركز التميز للذكاء الاصطناعي في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية استراتيجيةً مُتكاملةً تُعزّز مكانة المملكة العربية السعودية كرائدةٍ في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي .
فقد كشف الدكتور برنارد غانم، رئيس المركز، عن تفاصيل هذه الاستراتيجية التي تركز على مجالاتٍ بحثيةٍ وتطويريةٍ ذات أولويةٍ وطنية، تشمل:
1. مجال الصحة:
- تطوير نموذج أساسي متعدد الوسائط عبر الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحليل الصور السريرية.
- إنشاء خط أنابيب لتصميم الأدوية وتطويرها على الأساس التقني للسكان العرب.
يهدف ذلك إلى تحسين دقة التشخيص الطبي وتطوير علاجاتٍ جديدةٍ مُخصصةٍ لاحتياجات المنطقة.
2. مجال الاستدامة:
- تطوير نماذج أساسية للذكاء الاصطناعي التوليدي لبيانات مراقبة الأرض من مدخلات الأقمار الصناعية.
- استخدام النماذج المُطوّرة للحصول على رؤى حول مراقبة الأرض.
يساهم ذلك في معالجة التحديات البيئية وتحقيق التنمية المستدامة في المملكة.
اقرأ أيضًا: أكاديمية آبل للمطورين بالرياض.. بوابة للريادة في الذكاء الاصطناعي بالسعودية
3. مجال الطاقة والصناعات:
- تطوير وتخصيص نماذج الذكاء الاصطناعي التأسيسية في مجال الكيمياء.
- استخدام نماذج أساسية لتحسين التفاعل الكيميائي واكتشاف المواد المتقدمة وتخليقها.
يُساعد ذلك على تعزيز كفاءة العمليات الصناعية وتطوير تقنياتٍ جديدةٍ ذات قيمةٍ مُضافةٍ عالية.
4. مجال اقتصاد المستقبل:
- تطوير وتخصيص نماذج متعددة الوسائط لتحويل الأعمال والحكومة.
- إنشاء نماذج للذكاء الاصطناعي لقطاع التعليم مثل التدريس الذكي للطلاب ومساعدة المعلمين.
يهدف ذلك إلى دعم ريادة الأعمال وخلق فرصٍ اقتصاديةٍ جديدةٍ في مختلف القطاعات.
ولم يقتصر عمل المركز على هذه المجالات الأربعة، بل امتدّ إلى:
- إنشاء نماذج أكثر تعبيرًا وأكثر كفاءة لإنشاء المحتوى المرئي لدعم الصناعة الإبداعية.
وتُشير التوقعات إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيُحدث ثورةً في مختلف المجالات، ومن المتوقع أن يُساهم بشكلٍ كبيرٍ في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية بحلول عام 2030.
ويُؤكّد الدكتور غانم “التزام مركز التميز للذكاء الاصطناعي في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بالتعاون مع الشركاء المحليين والعالميين لتحقيق أهداف هذه الاستراتيجية الطموحة، ممّا سيُساهم في تعزيز مكانة المملكة كمركزٍ رائدٍ للابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي”.
معالجة المخاوف من الذكاء الاصطناعي
مع التقدم في الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي، أثيرت مخاوف جديدة من هذه التقنية حول التأثيرات المجتمعية السلبية، مثل خصوصية البيانات، والاستدامة البيئية، والتفاوت في الجودة والتغطية بين المناطق والثقافات.
ويخطط مركز التميز في جامعة الملك عبدالله لمعالجة هذه المخاوف من خلال مشاريعه البحثية حول مصداقية الذكاء الاصطناعي التوليدي والتدريب الفعال والاستدلال، وتطوير نموذج اللغة العربية.
وأكد غانم، أن مهمتهم في هذه المشاريع هي الدخول في المرحلة التالية من التطور التكنولوجي للذكاء الاصطناعي التوليدي، والتي تتلخص في الجدارة بالثقة والتدويل والوصول المفتوح والتأثير الأقل على البيئة.
ويعتزم مركز التميز للذكاء الاصطناعي التركيز على إحداث تأثير إيجابي من خلال برامج تدريب الذكاء الاصطناعي وتحسين المهارات للباحثين والشركاء وعامة الناس في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، ومن خلال مبادرات التوعية التدريبية، يأمل مركز التميز في معالجة النقص في مواهب الذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية.
وتهدف جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية أيضًا إلى إنشاء نماذج الذكاء الاصطناعي لقطاع التعليم مثل التدريس الذكي للطلاب ومساعدة المعلمين، وذلك في إطار برنامجًا واسعًا لتنمية المواهب في هذا المجال.
منح من غوغل في جامعة الملك عبدالله
في ذات السياق منحت شركة غوغل Google، خمس منح أولية لأعضاء هيئة التدريس في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية لدعم الأبحاث في مجال الذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية.
وستمول المنح، التي يبلغ مجموعها 100 ألف دولار، مشاريع بحثية تركز على التعلم الآلي متعدد اللغات ومتعدد الوسائط، وتحديدًا باستخدام نماذج اللغات التوليدية والكبيرة (LLMs).
وسيقوم الباحثون من قسم العلوم والهندسة الحاسوبية والكهربائية والرياضية (CEMSE) في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية باستكشاف موضوعات مثل الصحة وفهم اللغات بين الثقافات والاستدامة والخصوصية والتعليم، وتعد المنح جزءًا من جهود غوغل (Google) الأوسع لدعم أبحاث الذكاء الاصطناعي وتطويره في جميع أنحاء العالم.
اقرأ أيضًا: بصندوق قيمته 40 مليار دولار.. السعودية قد تصبح أكبر مستثمر في الذكاء الاصطناعي بالعالم
وأكدت سارة الحسيني، رئيسة السياسة العامة في شركة غوغل Google في السعودية، التزام الشركة بتمكين الباحثين والمؤسسات المحلية من تطوير حلول تفيد المستخدمين والشركات والحكومات في عالم يعتمد على الذكاء الاصطناعي، وفقا لموقع عرب نيوز.
وقالت: “تلتزم Google بتمكين الباحثين والمؤسسات المحلية من تقديم الحلول ذات الصلة للمستخدمين والشركات والحكومات في عالم الذكاء الاصطناعي، ومن خلال الاستثمار في الأبحاث الرائدة مع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، نأمل في مواصلة تعزيز اختراقات التعلم الآلي متعدد اللغات والوسائط التي ستفيد المنطقة وخارجها”.
وتتزامن هذه المنح مع إعلان جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية عن إنشاء مركز جديد للتميز في الذكاء الاصطناعي التوليدي يرأسه غانم. ويهدف المركز إلى تسريع وتأسيس التميز