يوم الأحد الماضي، حطت طائرة الرئيس التنفيذي لشركة صناعة السيارات الكهربائية تسلا، إيلون ماسك في بكين، في زيارة غير معلنة التقى فيها رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ في بكين. لكن تقارير صحفية كشفت النقاب عن فحوى الزيارة التي تناولت اهتمام الصين بطرح سيارة تسلا FSD التي تعمل وفق برنامج القيادة الذاتية الكاملة.
ما سيارة تسلا FSD؟
تعمل سيارة تسلا وفق مساعدين ذكيين، الأول: الطيار الآلي (Autopilot) والثاني: القيادة الذاتية الكاملة (FSD). وبرنامج الطيار الآلي، هو نظام مساعدة السائق الذي يتيح التحكم الآلي في القيادة داخل الحارة المرورية، بما في ذلك التسارع والتباطؤ والتوجيه. ومع ذلك، يتطلب الطيار الآلي إشرافًا نشطًا من السائق ولا يجعل السيارة مستقلة بالكامل، بحسب موقع الشركة نفسه. يُعتبر الطيار الآلي خطوة نحو القيادة الذاتية الكاملة، لكنه لا يزال يتطلب من السائقين البقاء متيقظين وجاهزين للتدخل عند الضرورة.
أما تقنية FSD، أو القيادة الذاتية الكاملة في سيارات تسلا فهي نظام متقدم يمكّن السيارة من القيادة بشكل ذاتي في معظم الظروف دون تدخل السائق. تشمل هذه التقنية مجموعة من الميزات مثل التحكم التلقائي في السرعة والتوجيه، والقدرة على تغيير الحارات، والتنقل في المواقف المزدحمة، وحتى الاستدعاء الذكي للسيارة. ويعد FSD الإصدار الأكثر استقلالية من برنامج Autopilot وتم طرحه في عام 2020. وتشمل ميزاته ركن السيارة ذاتيًا وتغيير المسار تلقائيًا.
اقرأ أيضًا.. هل «ضلَّلت» شرِكة تسلا المستهلكين؟
لماذا زار إيلون ماسك؟
وفق تقارير صحفية فقد كان هناك تحفظًا صينيًا بشأن برنامج FSD بسبب مخاوف الأمان والخصوصية ونقل البيانات إلى خارج البلاد. لكن يبدو أن هناك تطورات إيجابية، حيث أشارت التقارير إلى أن زيارة ماسك قد تكون قد أسفرت عن تقدم في المفاوضات، وربما توصلت تسلا إلى اتفاق مع السلطات الصينية لتقديم خدمات FSD في الصين. هذا التطور يُعد خطوة مهمة لتسلا وللسوق الصيني، وقد يكون له تأثير كبير على مستقبل القيادة الذاتية في الصين وعلى مستوى العالم.
لماذا تتوفر تسلا FSD بشكل محدود في الصين؟
توفر تسلا نظام FSD في الصين بنسخة محدودة لمدة أربع سنوات، حيث يقتصر استخدام النظام على وظائف معينة مثل التغيير الأوتوماتيكي للمسارات.
تشكل قضايا أمان البيانات حجر عثرة أمام تطبيق النظام بشكل كامل، ولذلك يسعى ماسك للحصول على إذن رسمي لنقل البيانات المجمعة داخل الصين إلى خارجها لتحسين خوارزميات القيادة الذاتية للشركة، وفقًا لمصادر مطلعة.
منذ العام 2021، تلتزم تسلا بتخزين بيانات أسطولها الصيني داخل البلاد بناءً على طلب الجهات التنظيمية الصينية، دون نقل أي منها إلى الولايات المتحدة. وكدليل على التقدم المحتمل الذي قد يؤدي إلى إطلاق نسخة كاملة من تسلا FSD في الصين، تم إدراج سيارات تسلا من طرازي Y و3 في قائمة الاتحادات الصينية للسيارات التي تضم 76 طرازًا متوافقًا مع معايير أمان البيانات الصينية.
ما زالت الإجراءات التنظيمية الأخرى المطلوبة لتسلا، إن وجدت، غير واضحة، وكذلك الشروط التي قد تضعها الشركة قبل أن تتمكن من تقديم نظام FSD بشكل كامل في الصين.
اقرأ أيضًا.. «روبوتاكسي» يثير فوضى في «تسلا»
ماذا يعني إطلاق تسلا FSD في الصين للشركة الأميركية؟
إطلاق نظام تسلا FSD في الصين يعد خطوة مهمة للشركة الأمريكية، حيث يمكنها من خلاله تعزيز موقفها التنافسي في أضخم أسواق السيارات عالميًا، وهو سوق يُقدّر فيه دور مساعدة السائق والتقنيات المتقدمة للسيارات المتصلة.
منذ دخولها السوق الصيني قبل عشر سنوات، باعت تسلا أكثر من 1.7 مليون سيارة، ويُعتبر مصنعها في شنغهاي الأكبر عالميًا.
مع إطلاق نسخة كاملة من نظام FSD، قد تتحول السوق الصينية إلى ساحة تنافسية للحصول على تقنيات مساعدة السائق بأسعار معقولة، مما قد يزيد من حدة المنافسة السعرية التي بدأتها تسلا في العام الماضي وجذبت أكثر من 40 علامة تجارية محلية.
يعد أيضًا، دخول تسلا FSD إلى السوق الصينية سيكون إضافة للبرامج المماثلة التي تقدمها الشركات المحلية. على سبيل المثال، أعلنت شاومي عن خطط لطرح ميزة Navigate on Autopilot في أول سيارة لها، SU7، خلال معرض بكين للسيارات.
تمكين تسلا FSD في الصين قد يساعد في الحفاظ على مبيعات تسلا الكهربائية من خلال تسريع التوسع في مجالات التقنيات المستقلة، الذكاء الاصطناعي، الروبوتات، وإدارة أسطول ضخم من السيارات ذاتية القيادة.
بعد انخفاض تسليمات تسلا في الربع الأول لأول مرة في نحو أربع سنوات، بدأت الشركة الربع الثاني بإعلان تقليص أكثر من 10% من القوى العاملة عالميًا وخفض أسعار السيارات في أسواق رئيسية مثل الولايات المتحدة، الصين، وأوروبا، وفق وكالة رويترز.
اقرأ أيضًا.. إيلون ماسك يتبرع بنحو 2 مليار دولار من أسهم تسلا
ما الذي قد يعنيه إطلاق تسلا FSD بالنسبة للصين؟
إطلاق نظام تسلا FSD في الصين يمكن أن يكون له دلالات مهمة بالنسبة للبلاد. استقبال إيلون ماسك بحفاوة في بكين والموافقة المتوقعة على FSD يأتيان في وقت تواجه فيه الصين تراجعًا في ثقة المستثمرين الأجانب، الذين يعبرون عن قلقهم من التشديدات التنظيمية، خاصة فيما يتعلق بإدارة البيانات.
لقد أظهرت الصين استعدادًا لتحسين هذا الوضع، وقد خففت مؤخرًا من القيود المفروضة على تدفق البيانات عبر الحدود، وسمحت للمناطق التجريبية للتجارة الحرة بتحديد البيانات التي يجب أن تخضع لتقييمات الأمان بشكل مستقل.
مصنع تسلا في الصين يقع ضمن منطقة تجارة حرة كبرى في شنغهاي، مما يعكس النهج المتباين للحكومة الصينية في التعامل مع الشركات الأجنبية.
اللقاء بين لي وماسك يتعارض مع قرار الحكومة الصينية السابق بعدم الاجتماع مع الرؤساء التنفيذيين الأجانب خلال منتدى بكين السنوي، مما يثير تساؤلات حول التزام الصين بجذب الاستثمار الأجنبي.
الموافقة على نظام FSD من تسلا قد تتماشى مع أهداف الصين لتشجيع المنافسة والابتكار، والحفاظ على مكانتها الرائدة في مجال التكنولوجيا. شركات صينية مثل XPeng وHuawei تطور برامج تقنية مشابهة لتلك التي تقدمها تسلا، مما يدل على رغبة الصين في البقاء في طليعة الابتكار التكنولوجي.
عقبات تواجه تسلا FSD
من ناحية أخرى، عرض إيلون ماسك تقنية FSD كمصدر دخل واعد لشركة تسلا، لكنه لم يتمكن من تحقيق وعده بإتاحة تجربة قيادة ذاتية بالكامل، وذلك في ظل الفحص التنظيمي والقانوني المشدد الذي تواجهه الشركة فيما يخص الأمان.
أعلنت الهيئات المنظمة لسلامة السيارات في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي عن بدء تحقيق لتحديد ما إذا كان الاستدعاء الذي أجرته تسلا في ديسمبر لتثبيت تحديثات أمان جديدة على أكثر من مليوني سيارة كافيًا، وذلك عقب عدة حوادث.
في عام 2023، صرح ماسك بأن سعر FSD، الذي كان حينها 15000 دولار أمريكي، منخفض جدًا، مشيرًا إلى أن قيمة السيارات سترتفع بشكل ملحوظ إذا تحققت القيادة الذاتية.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قامت تسلا بتخفيض سعر FSD إلى 8000 دولار أمريكي من 12000 دولار أمريكي في الولايات المتحدة.
كما يُقدم FSD عبر نظام الاشتراك، حيث خفضت تسلا مؤخرًا السعر الشهري إلى 99 دولارًا كنديًا (ما يعادل 72.52 دولارًا أمريكيًا) في كندا، في محاولة لتشجيع الاعتماد على هذه التقنية في ظل انخفاض مبيعات السيارات الكهربائية وزيادة المنافسة السعرية.