في تصريحات جديدة له، حث جيفري هينتون، المُلقب بالأب الروحي للذكاء الاصطناعي الحكومات حول العالم على تحديد مبالغ نقدية ثابتة، كإعانات لمواطنيها في الوظائف الدنيا الذين سيتأثرون بالتكنولوجيا الجديدة التي من المتوقع أن تستولي على وظائفهم.
وجيفري هينتون، هو رائد علم الشبكات العصبية، الذي ينسب إليه التطور الهائل في الذكاء الاصطناعي بشكله الحالي. حتى العام الماضي، كان يعمل في شركة غوغل، لكنه ترك عملاق التكنولوجيا حتى «يتمكن من التحدث بحرية أكبر عن مخاطر الذكاء الاصطناعي، الذي لا يخضع إلى قوانين تنظمه»، كما انضم في إبريل من العام 2023 إلى أكثر من ألف شخصية في قطاع التكنولوجيا تطالب بوقف العمل في مختبرات الذكاء الاصطناعي مؤقتًا.
اقرأ أيضًا.. الأب الروحي للذكاء الاصطناعي يشعر بالندم: البشرية مهددة !
«الدخل الأساسي العالمي» لمواجهة استيلاء الذكاء الاصطناعي على الوظائف
في مقابلته مع «بي بي سي» البريطانية، قال عالم الكمبيوتر، إن الحكومة سيتعين عليها إجراء إصلاحات مالية من شأنها صرف مبالغ نقدية ثابتة لكل مواطن، مشددًا على ضرورة إجراء هذه الإصلاحات لأنه «قلق للغاية من استيلاء الذكاء الاصطناعي على الكثير من الوظائف الدنيا».
وأوضح جيفري هينتون، أن مفهوم «الدخل الأساسي العالمي (Universal Basic Income) المعروف اختصارًا بـUBI، أصبح ضرورة للتعامل مع تأثير الذكاء الاصطناعي المتوقع على الوظائف والذي سيكون له تداعياته على المساواة بين الأفراد»، مضيفًا: «لقد استشارني الناس ونصحتهم بأن الدخل الأساسي العالمي فكرة جيدة».
وقال إنه بينما يشعر أن الذكاء الاصطناعي سيزيد الإنتاجية والثروة، فإن الأموال ستذهب إلى الأغنياء «وليس الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم وسيكون لذلك تداعياته السيئة للغاية بالنسبة للمجتمع».
ما الدخل الأساسي العالمي؟
الدخل الأساسي العالمي، هو برنامج حكومي يتلقى فيه كل مواطن بالغ مبالغ نقدية محددة بانتظام بهدف التخفيف من حدة الفقر واستبدال البرامج الاجتماعية الأخرى القائمة على الاحتياجات والتي قد تتطلب إجراءات بيروقراطية أكبر.
في السياق ذاته، اكتسبت فكرة الدخل الأساسي العالمي زخما في الولايات المتحدة، حيث يحل الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد محل العمال في التصنيع وقطاعات الاقتصاد الأخرى.
اقرأ أيضًا.. الأب الروحي للذكاء الاصطناعي يحذّر من «مستقبل مرعب»
نشأة فكرة الدخل الأساسي العالمي
وفقًا لموقع «إنفستوبيديا» تعود فكرة توفير الدخل الأساسي لجميع أفراد المجتمع إلى قرون مضت. وقد ذكر الفيلسوف ورجل الدولة الإنجليزي في القرن السادس عشر توماس مور هذه الفكرة في أشهر أعماله، «المدينة الفاضلة».
اقترح توماس باين، المفكر الذي ساعدت أفكاره على تفجير الثورة الأمريكية، خطة توفر فيها الحكومة من خلال الإيرادات الضريبية دخلاً أساسيًا لمواطنيها. بالمثل اقترح مارتن لوثر كينغ الابن ما وصفه بـ«الدخل غير المشروط» في كتابه «إلى أين نذهب من هنا: الفوضى أم المجتمع؟».
وفي حين تقدم الحكومة الفيدرالية الدعم المالي للأميركيين ذوي الدخل المنخفض عبر برامج المساعدات للأسر التي تعاني العوز والفقر، فإن مفهوم الدخل الأساسي العالمي لم يترسخ إلى الآن. ومع ذلك، فقد بدأ هذا المفهوم يتخذ زخمًا منذ عام 2020 تقريبًا بعد المتغيرات التي ضربت الاقتصاد، حين حلت «الأتمتة» كبديل عن البشر، وأصبح العديد من الأميركيين دون وظائف توفر دخلًا من أجل الحد الأدنى للعيش.
في عام 2023، نشر الباحثون في شركة أوبن إيه آي (OpenAI)، التي تقف وراء برنامج تشات جي بي تي ((ChatGPT وجامعة بنسلفانيا ورقة عمل تحلل تأثير التكنولوجيا على سوق العمل. وفقًا لتحليلهم، يمكن أن يتأثر 80% من القوى العاملة في الولايات المتحدة بما لا يقل عن 10% من مهام عملهم بنماذج اللغة الكبيرة، وهو نوع من الذكاء الاصطناعي يمكنه معالجة النصوص وإنشاءها. ووفقا للدراسة، فقد لاحظ 19% من العاملين أن 50% أو أكثر من مهامهم قد تأثرت.
الدخل الأساسي العالمي كضمانة لتجنّب الفقر
يعتقد أنصار الدخل الأساسي العالمي أن المبالغ النقدية التي ستقدمها الحكومة دون شروط، يمكن أن تساعد في ضمان تجنب الفقر لأولئك الذين تخلفوا عن الركب بسبب هذا التحول الاقتصادي. وحتى لو لم يكن الدخل من مصادر حكومية كافيًا للعيش، فإنه يمكن نظريًا أن يكمل الدخل من الوظائف ذات الأجور المنخفضة أو الوظائف بدوام جزئي التي ما زالوا قادرين على الحصول عليها.
حتى الآن، لا يوجد برنامج للدخل الأساسي العالمي في الولايات المتحدة. ومع ذلك نفذت العديد من الحكومات المحلية والمنظمات غير الربحية مشاريع تجريبية لاختبار جدوى هذا النظام على نطاق صغير. وفقاً لمختبر الدخل الأساسي في جامعة ستانفورد، فقد أجريت 155 تجربة للدخل الأساسي الشامل في البلاد، منها 67 تجربة نشطة حالياً.
اقرأ أيضًا: سباق الذكاء الاصطناعي.. العقل المدبر وراء «تشات جي بي تي» تحذر من السير باتجاه الهاوية
هل يتمتع الدخل الأساسي العالمي بدعم سياسي؟
من العوامل الحاسمة المهمة في جدوى الدخل الأساسي العالمي في المستقبل مسألة الدعم السياسي. وفقًا لدراسة استقصائية أجراها مركز بيو للأبحاث عام 2020، فإن أغلبية ضئيلة من الأمريكيين تعارض مفهوم الدخل الأساسي العالمي. وفقًا للمسح، كان البالغون من السود واللاتينيين، والأسر ذات الدخل المنخفض، والشباب أكثر ميلًا لدعم الحكومة في توفير الدخل الأساسي العالمي، مقارنة بالبالغين البيض، والأفراد الذين تزيد أعمارهم عن 30 عامًا، والأسر ذات الدخل العلوي والمتوسط.
ما هي إيجابيات وسلبيات الدخل الأساسي العالمي؟
يزعم أنصار الدخل الأساسي العالمي أن مثل هذه السياسة، إذا تم تنفيذها، من شأنها أن تخفف من حدة الفقر وتعزز أمن الدخل، مع تأثيرات إيجابية على الصحة البدنية والعقلية. ومن الناحية المالية، قد يمثل الدخل الأساسي الشامل أيضًا انخفاضًا في تكلفة إدارة برامج شبكات الأمان الاجتماعي التي تم اختبارها على أساس الموارد المالية. ويزعم المنتقدون أن الدخل الأساسي العالمي سيكون مكلفا على الحكومات ويمنع المستفيدين منه من البحث عن العمل والمشاركة فيه.