بتقنية تستخدم الكاميرات والمستشعرات لالتقاط ما يحيط بك وإعادة إنشائه داخل سماعة، تمنحك سماعة أبل فيجن برو ( Apple Vision Pro) الجديدة تجربة واقع افتراضي فريدة، حيث ترى العالم الحقيقي مع عناصر افتراضية.
وتحظى السماعة باهتمام كبير، حيث تتميز بتصميم رائع وجودة فيديو وصوت ممتازين، وواجهة إيمائية تشبه تلك التي شاهدناها في فيلم Minority Report، لكن بعيدًا عن ميزاتها وسعرها الباهظ الذي يبلغ 3500 دولار، هل التقنية الجديدة آمن لعقلك؟
في دراسة جديدة، حذر باحثون في جامعة ستانفورد من مخاطر استخدام الواقع الافتراضي لفترات طويلة بما قد تؤثر على طريقة التفكير وإدراك الواقع. جيريمي بيلينسون، رئيس مختبر التفاعل البشري الافتراضي في جامعة ستانفورد، قال إن هناك شركات تريد من المستخدمين قضاء ساعات طويلة يوميًا في هذا العالم، مشيرًا إلى أن ذلك يلقى استجابة من مستخدمين يضعون هذه السماعات لفترات طويلة.
الآثار الجانبية لاستخدام جهاز أبل فيجن برو
موقع بيزنس إنسايدر، نشر تقريرًا عن بعض الآثار الجانبية القصيرة الأمد التي يشعر بها المستخدمون لجهاز أبل فيجن برو.
ومن أهم هذه الآثار هو أن الناس يصبحون أقل قدرة على تقدير المسافات في العالم الحقيقي، سواء كانت بعيدة أو قريبة، وهذا متوقع لأن العالم الحقيقي ثلاثي الأبعاد يتأثر بالعديد من العوامل الخارجية، بينما العالم الافتراضي، ذو الدقة الضعيفة والأبعاد الاصطناعية ثلاثية الأبعاد، يزيد من هذه المشكلة.
اقرأ أيضًا: كيف تغير أبل فيجن برو طريقة العمل عن بُعد في المستقبل؟
ومن بين الآثار أيضًا هو أن الأشياء التي نراها في سماعة الرأس تتعرض لما يسمى بـ«تشويه الكائن»، أي أن الأشياء تتحول في الحجم أو الشكل أو اللون، خاصة عندما نحرك رؤوسنا، لأن الفيديو لا يستطيع مجاراة سرعة ودقة عيوننا وعقولنا.
وهذه كلها، كما يقول خبراء تكنولوجيا المعلومات، مشكلات معروفة. قد تصبح مجرد إزعاج بسيط عندما نستخدم الواقع الافتراضي لبضع دقائق أو ساعة، للمشاركة في لعبة أو مشاهدة فيلم، لكن ماذا سيحدث إذا ارتدينا النظارات لعدة أيام، وهل ستسيطر على عقولنا؟

مخاوف من سيطرة أبل فيجن برو على أدمغة البشر
إن أحد أبرز المخاوف التي يتحدث الباحثون عنها منذ إطلاق جهاز أبل فيجن برو (Apple Vision Pro)، هو مدى قدرة هذا البرنامج على السيطرة على أدمغتنا كبشر، في ظل الهدف الأكبر لشركات التكنولوجيا المتمثل في نقل المستخدمين من الواقع الحقيقي إلى الواقع الافتراضي.
«الشركات تريد أن نقضي ساعات طويلة في هذا العالم الافتراضي، حيث يمكن للملايين من الأشخاص ارتداء هذه السماعة لفترات طويلة، وهذا يؤثر على كل جوانب حياتنا»، هذا ما قاله جيريمي بيلينسون، مدير مختبر التفاعل البشري الافتراضي في جامعة ستانفورد.
وأضاف: «هذا يعني أن عقولنا ستخضع لتجربة اجتماعية هائلة قد تغير الطريقة التي نرى بها العالم من حولنا، وقد تجعلنا نفقد القدرة على التفرقة بين ما هو حقيقي وما هو خيالي».
اقرأ أيضًا: أبل فيجن برو.. كل ما تريد معرفته عن سماعة الواقع الافتراضي
وللإجابة على السؤال الأهم: «هل تسيطر على عقولنا؟»، قام فريق من الباحثين في جامعة ستانفورد، بقيادة جيرمي بيلينسون، بتجربة لمعرفة كيف يتأثر الإدراك عند ارتداء السماعة لعدة أيام.
وجرب الفريق سماعة أبل فيجن برو، في حياتهم اليومية لبضعة أسابيع، وحاولوا أن يفعلوا كل ما كانوا يفعلونه بدونها، ولكنهم عانوا من أعراض مزعجة، مثل: الغثيان والصداع والدوخة.
وكان هذا مفاجئًا، خاصة أنهم جميعًا متمرسون على استخدام سماعات الرأس المختلفة، ولكنهم شعروا بأن العالم الحقيقي تغير بشكل غريب، مثل أن أزرار المصعد بعيدة عن أصابعهم، أو أنهم لا يستطيعون تناول الطعام بسهولة، ولكن مثل أي شخص آخر، تأقلموا، وتعلمت عقولهم وعضلاتهم كيفية التكيف مع رؤيتهم الجديدة للعالم.
ولكن هذا ليس الحل، لأنه كلما اعتدنا على التغيير الإدراكي لفترة أطول، كلما بدا العالم الحقيقي خاطئًا في الاتجاه العكسي، فمثلًا، ستحتاج إلى التكيف مرة أخرى عندما تخلع السماعة.
وهذا يعني أنه كلما بقيت أكثر في العالم الافتراضي، كلما استمرت التأثيرات الإدراكية الغريبة لفترة أطول؛ لذلك قد يجد الأشخاص الذين يعملون في جهاز أبل فيجن برو (Apple Vision Pro)، أنفسهم في وضع مختلف تمامًا عن الواقع عندما يعودون إلى منازلهم في المساء.
هل تؤثر أبل فيجن برو على عقولنا بالفعل؟
في الآونة الأخيرة ، شهدنا ظهور العديد من الأجهزة التي تستخدم الواقع الافتراضي كمحاكاة شاملة للواقع، مثل نظارات غوغل وميتا، ولكن الواقع الافتراضي الكامل والمنعزل عن الحواس لم يتجاوز مجال التسلية المتخصصة؛ بل تطور إلى الواقع المعزز الذي يجعل الناس يشعرون بأن تطبيقاته والعالم الحقيقي أصبحا أسوأ.
ومن هنا جاء التطور الحقيقي للواقع الافتراضي، وهو ما يطلق عليه «الانتقال»، وهو أن تكون بعقلك في مكان آخر من خلال هذا العالم، حيث يلتقط الواقع ويعرضه مرة أخرى، لكنه قد يكون له تأثير مقلق ومنفصل مع مرور الوقت.
وعندما حاول زملاء بيلينسون التحدث إلى الناس بالفعل، تحول العالم إلى برنامج زوم (Zoom) ضخم ومحير، فعلى الرغم من أن مكالمات الفيديو تعاني من التأخر في الردود والإشارات الاجتماعية الناقصة، لكنها كافية لعقد الاجتماعات.
اقرأ أيضًا: مقارنة بين «Apple Vision Pro» و«Meta Quest 3».. من يتفوق؟
أما في الواقع الافتراضي ومن خلال «الانتقال»، يتضخم التأثير ويجعل الأشخاص الذين تتحدث معهم يبدون غير حقيقيين، حيث يصبح الأشخاص الذين نعرفهم جيدًا في الواقع مجرد شخصيات.
ويصف بيلينسون هذا الشعور بأنه شعور بالفراغ الاجتماعي، لأن الآخرين ليسوا حاضرين بالكامل هناك، وبالتالي بعد فترة من الانغماس في الواقع الافتراضي، ستظن أنهم ليسوا بشرًا في الواقع، قائلاً: «إن الاستخدام الطويل لسماعات الرأس يمكن أن يجعلك تفكر في الآخرين على أنهم ليسوا بشرًا، بل شخصيات في عالم غريب».
وأضاف: «نحن جميعًا نعيش في فقاعات الإدراك الحسية الخاصة بنا، كل شخص لديه حدود حسية مختلفة قليلاً، فنحن نرى الألوان بشكل مختلف قليلاً، ونسمع بمستويات مختلفة من الوضوح، ونكون أكثر أو أقل حساسية للروائح المتنوعة، ونحن نعالج كل ذلك بعقول تم ضبطها بشكل فريد أولاً بواسطة جيناتنا، ثم من خلال التغييرات العصبية التي تستمر مدى الحياة، والتفكير والعمل، لكن بشكل عام، نحن نتوافق على أساس مشترك. حتى لو كان لونك الأزرق مختلفًا قليلاً عن لوني، يمكننا الاتفاق على لون السماء».
وتابع: «أما سماعات الرأس فتجعل تلك الفقاعات الحسية أكثر سماكة، ويصعب ربطها، وبالتالي نجد أنفسنا غير قادرين على الاتفاق على واقعنا الجسدي ، وبعد ذلك ستضيف سماعات الرأس أشياء إلى عالمنا البصري لا توجد لأي شخص آخر ، وهي أيضًا أشياء غير موضوعية».
وقال: «ليس لدى هذه السماعات القدرة فقط على إضافة أشياء إلى العالم الحقيقي؛ بل يمكنها أيضًا إزالتها ، فمثلاً إذا كنت تكره الإعلانات اللافتة المزعجة ، يمكن استبدال جميع الصور التجارية بمشاهد مريحة تختارها».
وأضاف: «ما سنختبره هو أنه باستخدام هذه السماعات في الأماكن العامة، ستختفي الأسس المشتركة، حيث سيكون الناس في نفس المكان الفيزيائي، ولكن يختبرون نسخًا متزامنة ومختلفة بصريًا من العالم».
هل يجب علينا الحذر من استخدام أبل فيجن برو؟
قال جيريمي بيلينسون، مدير مختبر التفاعل البشري الافتراضي في جامعة ستانفورد، إن هذه السماعات ليست مناسبة للأطفال، لأنها تشتت انتباههم، لكنه لا يرى أن التكنولوجيا خطيرة كما يظن البعض، لأن البشر يستطيعون التأقلم مع التكنولوجيا الجديدة.
اقرأ أيضًا: أبل فيجن برو.. تجربة غامرة لمستخدمي تطبيقات الترفيه والتسوّق والبث
ونصح بيلينسون بعدم الاعتماد كثيرًا على سماعات الرأس بصفة عامة وليس فقط أبل فيجن برو، حتى يحافظ الشخص على الفرق بين العالم الحقيقي والافتراضي.
وقال: «نحن لا نكره الواقع الافتراضي، ومن الطبيعي أنه مع الوقت، ستتحسن جودة الشاشات وسرعة العرض، وستعمل الخوارزميات الجديدة على تخفيض التشويه، ليس هذا هو ما يقلقني؛ بل هو مدى انغماسنا في الواقع الافتراضي».
وأضاف: «سيكون العالم بخير، الناس يتعلمون، لكن من وجهة نظر فلسفية، لا أظن أننا نحتاج إلى ارتداء هذه السماعات لساعات طويلة كل يوم حتى لا نفقد القدرة على التمييز بين العالم الحقيقي والافتراضي».